من البحرية للجاسوسية.. "دلافين" روسيا في مواجهة نظيرتها الأميركية

تستقر الميناء الشهيرة على سواحل شبه جزيرة القرم، وتعتبر القاعدة الرئيسية للأسطول الروسي في البحر الأسود، في العام ٢٠١٤ وقعت شبه الجزيرة بأكملها في يد الكرملين واليوم باتت المنطقة بأكملها مشتعلة بنيران الحرب المستعرة بين الجانبين الروسي والأوكراني منذ العام ٢٠٢٢.

فبعد عام ويزيد على الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، بدأت الأخيرة تخوض عملياتها العسكرية الواسعة في سبيل استعادة الأراضي التي خسرتها، مهددة بذلك استقرار شبه الجزيرة المُقتنصة منذ قرابة ١٠ أعوام.

من المفترض أن تكون الأجواء أسفل سطح الماء أكثر هدوءا وابتعادا عن تلك التعقيدات السياسية والعسكرية، مع حياة بحرية مزدهرة وكائنات آمنة في الأعماق، إلا أن الأمر ليس ذلك تماما، فإضافة للقنابل والشبكات الدفاعية قرب الميناء، تؤكد تقارير وكالة استخبارات الدفاع البريطانية أن روسيا تستعين كذلك بالدلافين لحماية الميناء والقاعدة البحرية حسب الجارديان البريطانية.

وكالة الاستخبارات رصدت تضاعف عدد حظائر الثدييات البحرية في الميناء والتي يعتقد أنها تضم أعدادا من الدلافين "قارورية الأنف" بالتحديد، والتي تم تدريبها على مجابهة "الغواصين" التابعين لقوات العدو. وتفيد الاستخبارات أيضا أن القوات الروسية تعتمد على خدمات كائنات بحرية أخرى لكنها تُدرب على مهمات مختلفة، مثل الفقمات والحيتان في مياه القطب الشمالي.

بالرغم من نمو عدد الحظائر المتزامن مع تصاعد حدة القتال في المنطقة، لا يمكن اعتبار البرنامج الروسي العسكري للثدييات البحرية ابتكارا حديثا، إنما يعود تأسيسه لعقود ماضية من زمن زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حسب تقرير لمجلة نيويورك تايمز.

إلا أن البرنامج الذي اتخذ من ميناء سيفاستوبول موطنا له، تداعى بحلول العام ١٩٩١ لدى انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم سقط تحت سيطرة الجيش الأوكراني إلي أن عادت روسيا للسيطرة على شبه جزيرة القرم مرة أخرى قبل ٩ أعوام، ومنذ ذلك الحين، يعتقد أن البرنامج الروسي آخذ في النمو.

بعض من القدرات الخاصة تمتلكها الدلافين قد تجيب على هذا التساؤل، إذ أن تلك الكائنات الظريفة لا تخشى تزايد ضغط الماء أو نقص الأكسجين في رحلاتها شديدة السرعة بين السطح والأعماق التي يتعذر على الإنسان الوصول إليها.

وفقا للمجلة الأميركية أيضا تستطيع تلك الكائنات البحرية تحديد مواقع الأشياء من حولها بكفاءة أعلى من البشر، وذلك باستخدم موجات سونار تطلقها من منطقة الجبهة في أجسامها، وبالتالي يمكنها استشعار مواقع الألغام المدفونة في قاع البحار، واكتشاف الأجسام التي تتضمن تجويفات فارغة يملؤها الهواء، مثل الغواصات، أو حتى أنابيب التنفس تحت الماء.

الأهم من ذلك، بحسب المجلة، أنها تتمكن من تتبع البشر دون أن تراهم أو تسمع أصواتهم، فقط تستشعر الموجات الصوتية المرتدة من رواسب الكالسيوم الصلبة في عظام الإنسان، وبالتالي لا يمكن للعدو بأي شكل تجنبها أو التحايل عليها.

حقل تدريب الثدييات البحرية، ليس حكرا على روسيا بالتأكيد، فكيف لغريمتها زمن الحرب الباردة، والطرف الآخر في سباق التسلح، ألا تكون مشاركة في المعادلة.

على يد القوات البحرية الأميركية، بالتحديد في العام ١٩٦٣ تأسس برنامج الثدييات البحرية الأميركي، الذي تطلب تجهيزات مسبقة عكف عليها العلماء لمحاولة تقييم واختبار قدرات ومهارات ٢٠ نوع من الكائنات والطيور البحرية، ما بين الدلافين والحيتان وأسماك القرش وغيرها، للتحقق بدقة من إمكانية إنجاز أي تلك الفصائل للمهام الصعبة أو الخطيرة على حياة البشر.

في النهاية، وقع الاختيار على على الدلافين "قارورية الأنف"، وأسود البحر التي تعيش في ولاية كاليفورنيا بالتحديد، بعد أن أثبت الثنائي قابلية عالية على التدريب إضافة إلى قائمة من المهارات التي استفادت منها القوات البحرية الأميركية ونفذت مهام عالية الدقة وبتكلفة أقل من الغواصين البشر، وذلك حسب موقع متحف البحرية الأمريكية.

• هل تعلم من هو هفالديمير؟ في الحقيقة، المعلومات المتوفرة حول شخصه شحيحة للغاية، لكننا نعلم أنه متهم بالتجسس لصالح روسيا، ويتجول بشكل مستمر حول بعض الدول الأوروبية دون كلل أو ملل، غير أنه لا يتجول على قدميه، بل في البحار الشمالية الباردة، فهو حوت أبيض.

حصل الحوت الأبيض على شهرة واسعة في العام ٢٠١٩ عندما ظهر قبالة السواحل النرويجية، بل واقترب منها وبدأ في التعامل مع البشر بود وأريحية، الأمر الذي جعله محل شك أكبر من وجهة نظر المسؤولين المحليين، الذين اعتقدوا أن ظُرف الحوت واتصاله مع البشر دلالة على خضوعه لتدريب مسبق، جعله معتادا على البشر، على غير طبيعته.

توجهت أصابع الاتهام تحديدا في ذلك الوقت للجانب الروسي الذي يعتقد أنه درب الحوت قبل أن يهرب لاحقا من قبضته.

هذا لم يكن جزءا من نظرية مؤامرة لأن حزاما ملفوفا حول جسد الحوت حينها، عزز من الشكوك، إذ يمكن استخدام هذا الحزاء كحامل لكاميرا، وعند فحصه وجدوا عليه عبار "معدات سانت بطرسبرغ".

• "طوفي" فيعتبر من الثدييات البحرية الشهيرة أيضا، غير أنه يتبع البحرية الأميركية، ومن بين نجومها المفضلين في ستينيات القرن الماضي، خاصة وأنه كان من بين أوائل الدلافين المنضمة لبرنامج ثدييات البحرية الأميركية الناشئ آنذاك.

كان الرهان على طوفي موفقا بامتياز، إذ كان من بين أفضل المتدربين في البرنامج، كما استحوذ على انتباه العلماء بسبب ذكائه وشخصيته القوية والعنيدة في بعض الأحيان.

في العام ١٩٦٤، شارك "الدولفين النجم" في وثائقي حول البرنامج العسكري الأميركي، طُرح الفيلم حينها بعنوان "الدلافين التي انضمت للبحرية".

إلى جانب الظهور على الشاشات، نفذ "طوفي" عمليات اتسمت بالجدية أيضا، إذ شارك في مشروع بعنوان "مختبر البحر- ٢" والذي كان يتعين على الغواصين بموجبه تجربة الحياة تحت سطح الماء، وكان طوفي بمثابة رفيق لهؤلاء، عندما أمدّهم بالرسائل والأدوات، كما تدرب على إنقاذهم في حالات الإصابة أو الطوارئ.