أمن
.
ضربة حدّت من هيبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتشكل بداية النهاية لسياسته الراهنة، سيكون لها آثار "قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى" على الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى استقرار روسيا في المستقبل، هذه عينة من تحليلات صحف ووكالات عن نتائج "التمرد المسلح" الذي أنهاه رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين مغادرا روسيا إلى بيلاروس من دون أن يواجه أي اتهامات.
فقد أنهى بريغوجين، السبت، تقدم قواته نحو موسكو بموجب اتفاق أبرمه مع الكرملين لطي صفحة أخطر أزمة أمنية في روسيا منذ عقود. بعد أن وعد في اليوم السابق بـ"تحرير الشعب الروسي" من خلال إرسال قواته باتجاه موسكو، وأعلن بريغوجين تراجعه من أجل تجنب إراقة "الدماء الروسية"، قائلا "أرتالنا تعود أدراجها إلى المعسكرات الميدانية".
التقارير أظهرت أن التمرد الذي قام به بريغوجين لا يقوم على أي ركائز، وذهب البعض إلى حد القول إن قائد فاغنر نجح في مسعاه وهو الانسحاب من الحرب ضد أوكرانيا.
وكشف التمرد المسلح الذي شنه بريغوجين عن التصدعات العميقة في البلاد التي سببتها الحرب، التي كان الكرملين يأمل في أن توحد البلاد، وتشكل أخطر تهديد وجودي حتى الآن لبوتين، وفق موقع إنسايدر، الذي نقل عن محللين استراتيجيين قولهم إن تمرد بريغوجين قد يكون بداية نهاية عهد بوتين وإنه ترد ندبة في حكم الرئيس الروسي.
التقارير أظهرت أن التمرد الذي قام به بريغوجين لا يقوم على أي ركائز. أ ف ب
انتقل بريغوجين ومجموعة المرتزقة من روستوف نا دونو، على بعد حوالي ألف كيلومتر من موسكو إلى مسافة 200 كيلومتر في غضون ساعات قبل العودة. أدى ذلك إلى إظهار قيادة الكرملين والحكومات المحلية ولاءهم خلال التمرد المسلح، ونشروا مقاطع فيديو لدعم بوتين على تلغرام.
ورغم ذلك، تعتبر خطوة بريغوجين المحاولة التمردية الأكثر جرأة على بوتين خلال السنوات العشرين التي قضاها في السلطة. ففي حين أن سياسيين وناشطين آخرين مثل أليكسي نافالني، وإيليا ياشين، وفلاديمير كارا مورزا، ونشطاء مثل بوسي رايوت، تحدوا جهارا ما اعتبروه "فساد بوتين وقمعه وسيطرته على السلطة"، لم يكن لأي منهم جيش خلفهم وبقي اعتراضهم ضمن الإطار المدني.
تسبب التمرد بقلق واضح للغاية داخل القيادة الروسية، فتأهبت قوات الأمن بأقصى الحدود في موسكو، رغم استمرار الأعمال اليومية بشكل طبيعي نسبيا في البلاد. وفي تحليله يورد موقع فوكس أن تداعيات ما بعد التمرد المسلح على روسيا ستبقى مثل اللغز تماما مثل أحداث الـ24 ساعة الماضية.
وعكست سرعة توجيه بوتين خطابا إلى الأمة بعد ساعات من إعلان مجموعة فاغنر السيطرة على مقرات عسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو، والحدّة التي اتّسمت بها كلماته وتعابير وجهه، جدّية التهديد الذي يمثّله ما أقدم عليه بريغوجين من منظار الرئيس الروسي.
وفي حين تحظى الدولة الروسية بمقدّرات عسكرية تتيح لها في نهاية المطاف التفوّق على هذا التمرّد المسلّح وحتى سحق فاغنر، إلّا أنّ الأزمة المتسارعة تهدّد بإلحاق ضرر دائم ببوتين الذي بنى على مدى أكثر من عقدين في السلطة، صورة الزعيم الأوحد الممسك بمفاصل هيكلية حُكم متماسكة.
وتقول مديرة شركة "آر بوليتيك" للتحليل السياسي تاتبانا ستانوفايا، حسب وكالة فرانس برس، إنّ "موقف بوتين الواضح هو إخماد التمرّد"، مضيفة أنّ بريغوجين "محكوم عليه بالفشل" حتى في حال تطلّب إنهاء حركته المسلحة "وقتا طويلا".
وتتابع عبر قناتها على تلغرام أنّ "الكثيرين ضمن النخبة الروسية قد يلقون باللائمة على بوتين شخصيا لبلوغ الأمور هذا المدى، وأن الرئيس لم يقم بردّ فعل مناسب في وقت ملائم. لذلك هذه القصة هي أيضا ضربة لمواقف بوتين".
ورأت وزارة الدفاع البريطانية في تقييم استخباري أنّ تمرّد مجموعة فاغنر يعدّ "أهم تحدٍّ للدولة الروسية في الزمن الحديث"، مضيفة "خلال الساعات المقبلة، سيكون ولاء القوات الأمنية الروسية وخصوصا الحرس الوطني الروسي محوريا في مسار الأزمة".
رأت وزارة الدفاع البريطانية في تقييم استخباري أنّ تمرّد مجموعة فاغنر يعدّ "أهم تحدٍّ للدولة الروسية في الزمن الحديث. أ ف ب
الانقلاب الناجح قائم على 3 ركائز رئيسية هي وفق الشكل الآتي: دولة مركزية ضعيفة، ووجود خلافات بين الجيش والحكومة المدنية، وحلفاء في الداخل مستعدون لدعم محاولة الإطاحة، حسب ما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث كارولينا، جرايم روبرتسون، لموقع فوكس، الذي أشار إلى أنه لو نجحت محاولة بريغوجين لكان ذلك أمرا "خارج عن الطبيعة".
"لا أعرف من هم حلفاءه في الكرملين، إن وجدوا. لكن من الواضح أن لدى بريغوجين علاقات مع الأوليغارشية في سانت بطرسبرغ والأثرياء المحيطين ببوتين.
ورغم ذلك كان دائما شخصية هامشية عن هذه الدائرة إلى حد ما"، وفق روبرتسون. وورد في موقع فوكس أيضا أنه لو استمر بريغوجين في التمرد فكان سيحظى باهتمام الكرملين ويسبب الفوضى لبضعة أيام أو أسابيع فقط، لكن كان من المحتمل بعد ذلك ألا يذهب أبعد من ذلك بكثير.
وحسب روبرتسون فإن تمرد بريغوجين الفاشل أعطى أوضح عن قوة الدولة المركزية، التي صممها بوتين خلال فترة حكمه. "لقد أمضى بوتين السنوات الخمس عشرة الماضية في حياكة نظام لا يمكن الانقلاب عليه".
"محاولة أخيرة للخروج من حرب أوكرانيا، وحصل على رغبته". أ ف ب
"تشير نبرة بريغوجين ووحشيته في الكلام إلى أنه لا يحظى حلفاء مهمون، وحاول التحرك بشكل يائس لمحاولة إنقاذ نفسه من موقف يزداد صعوبة"، وفق ما قال، الذي اعتبر خطوة بريغويجن، أنها محاولة أخيرة للخروج من حرب أوكرانيا، وحصل على رغبته.
ورغم انتهاء الفوضى في الوقت الحالي، فإن أحداث الـ24 ساعة الماضية لن تتلاشى.
ويعتبر ميك رايان، وهو لواء متقاعد في الجيش الأسترالي وزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في حديث لموقع إنسايدر، أنه رغم نفي بريغوجين إلى بيلاروسيا بعد الانقلاب، فمن المحتمل ألا يكون النفي لفترة طويلة "فبوتين شخصية انتقامية إلى حد ما. وإحساسي هو أن بريغوجين ربما لا ينبغي أن يحجز مسكنا في دار للمسنين، فأعتقد أن أيامه ربما تكون محدودة".
اكتسبت مجموعة فاغنر دورا رئيسيا في الغزو الروسي لأوكرانيا، وتولّت أخطر المهام على خطوط الجبهة. أ ف ب
رغم أن بريغوجين وقواته قد عادوا إلى الخطوط الأمامية، إلا أن الإرجاء القصير قد يكون مفيدا للمقاتلين الأوكرانيين الذين يحاولون استعادة باخموت ومناطق جنوبية أخرى. علاوة على ذلك، فإن دور بريغوجين المستقبلي في جهاز فاغنر غير واضح. هناك قادة آخرون داخل الميليشيا ويمكن لشخص ما أن يحل محل بريغوجين، لكن من المحتمل أن يكون لعدم اليقين بعض التأثير على المجهود الحربي مع عودة قوات فاغنر نحو أوكرانيا، وفق فوكس.
زاد بريغوجين في الآونة الأخيرة من انتقاداته اللاذعة للقيادة العسكرية ووجّهها بشكل مباشر إلى وزير الدفاع سيرغي شويغو. أ ف ب
بوتين لم يذكر في كلمته إلى الأمة اسم بريغوجين، وهو تكتيك اعتمده في السابق أثناء التحدث عن ألدّ خصومه. أ ف ب
سمح النزاع في أوكرانيا لبريغوجين، بفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، لكن بدعوته إلى التمرد ضد القيادة العسكرية تجاوز هذا الرجل المتهور الذي يصعب التنبؤ بتحركاته، خط اللاعودة.
بدا أن النزاع في أوكرانيا وفّر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا.
في مايو 2023 بعد معارك شرسة ودامية، وصل بريغوجين إلى القمة بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق أوكرانيا محتفيا بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة.
لكن خلال هذه المعركة أيضا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي. فبريغوجين يتهم الهيئة بحرمان فاغنر من الذخائر ويكثر من اللقطات المصورة التي يشتم فيها القادة العسكريين الروس.
وهذا أمر لا يمكن تصوره من أي شخص آخر في روسيا التي تشهد قمعا شاملا. بدأ بريغوجين يظهر إلى دائرة الضوء في سبتمبر الماضي بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا ما شكل انتكاسة لقارعي طبول الحرب على غراره.
وأكد يومها للمرة الأولى علنا أنه أسس في 2014 مجموعة فاغنر المسلحة الناشطة في أوكرانيا وسوريا وأفريقيا كذلك. وفرض نفسه قائدا أساسيا. وشدد على أن هؤلاء "الشباب، هؤلاء الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وعن الفقراء الأفارقة والأميركيين اللاتينيين وأصبحوا إحدى ركائز وطننا"، وفق فرانس برس.،
في أكتوبر ذهب أبعد من ذلك عندما دشن بحفاوة مقر "شركة فاغنر العسكرية الخاصة" في مبنى زجاجي في مدينة سانت بطرسبرغ في شمال غرب روسيا.
ونشر بريغوجين سيد الاستفزاز في فبراير مقطعا مصورا يظهره في طائرة حربية يقترح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقرير مصير باخموت خلال منازلة جوية.
ولكي يبني جيشا على قدر طموحاته، راح بريغوجين المولود كما بوتين في سانت بطرسبرغ، يجند آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا في مقابل العفو عنهم. ويعرف يفغيني بريغوجين أوساط السجون جيدا فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.
خرج من السجن العام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على شفير الانهيار وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق. وارتقى السلم بعد ذلك وصولا إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سانت بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.
بعد وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في العام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفر خدمات طعام للكرملين فلقب بـ"طاهي بوتين" وقيل إنه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر وهو جيش خاص ضم في صفوفه أولا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.
في 2018، في حين كانت هذه المجموعة قد لفتت الانظار في أوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في أفريقيا أيضا. وقد قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقا حول هذه المجموعة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة