أمن‎

عزيز يختبر "التهجير الثالث" من جنين

نشر

.

Qassam Sbeih

بدأت عمليات مغادرة مخيم جنين ليل أمس ولا تزال مستمرة حتى نشر هذه القصة

لم تمض أيام قليلة على معايدة عزيز طالب، بائع الخضراوات والفاكهة، لأقاربه داخل مخيم جنين بعد أن قضى يوم عرفة على بسطته يبيع بضاعته لمرتادي سوق المدينة، حتى واجه البائع الشاب تهجيرا من منزله ومدينته، أعاد إلي ذهنه قصة تهجير جده، ومن بعده والده، ليصبح الثالث في سلسلة ممتدة عبر أجيال عائلته.

"اليوم وفي تمام الساعة ١٢:٣٧ صباحاً طردت من المنزل كما واجه جدي تهجيرا في العام ١٩٤٨ من مدينته حيفا"، يشرح عزيز "في تمام الساعة ١٢:٣٠ من صباح يوم الثلاثاء طلبت قوات الاحتلال التي تشن عدواناً على مدينة جنين ومخيمها من المدنيين مغادرة بيوتهم، وتمكن الهلال الأحمر الفلسطيني من توفير ممر آمن لـ ٣ آلاف مدني يعيشون داخل المخيم، الذين حملوا أوراقهم الثبوتية وغادروا المخيم".

ترك عزيز مستلزماته الشخصية كاملة في المنزل، لكنه جمع مدخراته المالية القليلة.

حمل عزيز ابنه المصاب في الاقتحام السابق الذي شهدته المدينة في ١٩ يونيو الماضي على ظهره وغادر مع أطفاله الصغار وزوجته إلى المدرسة الشرقية في مدينة جنين. وجهّزت مؤسسات محلية وأهلية العديد من المباني العامة في المدينة لاستقبال أهالي المخيم الذين يهجّرون للمرة الثالثة.

سيدة فلسطينية تتحدث على الهاتف وهي تعبر بجوار حطام في شارع بمخيم جنين. رويترز

يقول عزيز "صار فينا زي التغريبة الفلسطينية، حكيت لمرتي توخذيش إشي يا أم أحمد كلها يومين وراجعين". ولكن عزيز وخلال حديثه لـ بلينكس عبر مخاوفه قائلاً "خايف اليومين يصيروا سنين زي ما صار بسيدي بالـ٤٨".

"نكبة على المقاس"

جد عزيز تهجّر من حيفا عام ١٩٤٨ عندما احتلتها المنظمات الصهيونية المسلحة بعد انسحاب الانتداب البريطاني منها، فيما تهجّر والده من داخل مخيم جنين مع عزيز وقت أن كان شابا عقب معركة ٢٠٠٢.

في التهجير الثاني نزحت العائلة إلى بلدة برقين المجاورة للمدينة لمدة ٥٠ يوما قبل عودتهم، واليوم وبعد وفاة والد عزيز وجدّه، يختبر جيل جديد من العائلة لا تتجاوز الـ ١٥ عاما، هذه التجربة التي يصفها عزيز بـ "القاسية"، مضيفا "جميع أولادي ولدوا بعد معركة ٢٠٠٢، كل جيل لازم يعيش نكبة على مقاسه".

مضت أكثر من ٢٤ ساعة على المعركة التي أسمتها كتيبة جنين المسلحة "بأس جنين"، وأطلقت عليها إسرائيل اسم "البيت والحديقة"، تسببت في مقتل ١٠ فلسطينيين، وإصابة قرابة الـ١٠٠، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وتواجه مستشفيات المدينة نقصاً في الكوادر والمستلزمات الطبية، ما استوجب نقل العديد من الكوادر الطبية مع الأدوية من مستشفيات مدن أخرى مثل طوباس وطولكرم ونابلس.

مدير مستشفى الشهيد ثابت ثابت، الحكومي في طولكرم أمين خضر، يشرح نقص الكوادر الطبية التي يواجهها بالقول "طلبت مني وزيرة الصحة الدكتورة مي الكيلة نقل ٤ أطباء و٣ ممرضين من المستشفى الذي أديره إلى مستشفى الشهيد الدكتور خليل سيلمان الحكومي في جنين" لمواجهة الأزمة، حسبما صرّح لـ بلينكس.

.. البعض يرفض الخروج

آخرون لم يوافقوا على التهجير الجديد الذي قبل به عزيز الذي يقول "جاري رفض الخروج وقال لي والله يا عزيز يا بنعيش هون يا بنموت هون، من هون مش طالعين". ويرى بائع الفواكه في ذلك ما وصفه "صموداً كبيراً في وجه التعنت الإسرائيلي". لكنه برر خروجه بـ "أنا بختلف تفكيري عنه، باحب المخيم وباحب فلسطين، بس لازم نعيش مشان نقاومهم. بنطلع، والله بيفرجها وبنرجع".

موعد عودة عزيز لمنزله داخل المخيم غير معروف حتى الآن، لأن الجيش الإسرائيلي ما زال يدفع بتعزيزات كبيرة تجاه مركز المدينة منذ الساعة ٣ فجراً وحتى نشر هذه القصة، مع توقعات بامتداد المعملية لأيام عندما صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء اليوم الأول للعملية "أمام جيشنا مهمات صعبة" في إشارة لاستمرارها "حتى تطهيرها من الإرهاب" حسبما نقلت عنه إذاعة الجيش الإسرائيلي.

تجربة الـ٢٠٠٢

توزع المهجّرون الـ ٣ آلاف على مدارس مدينة جنين وهي المدرسة الشرقية، ومدرسة بنات جنين الثانوية، ومدرسة ذكور جنين الثانوية، والمدرسة الإعدادية للبنات، ومدرسة الشهداء للذكور. وما يزال الهلال الأحمر الفلسطيني يقنع أهالي المخيم الذين فضلوا البقاء في المخيم بالخروج منه ويقدر عددهم بـ ٧ آلاف مواطن.

عربة مدرعة إسرائيلية تقف في نهاية شارع تهدمت مبانيه بسبب العملية العسكرية. أ ف ب

خلال العملية توصل الجيش الإسرائيلي لأنفاق داخل البيوت في مخيم جنين، وهي خطة كان يستخدمها مقاتلو المخيم وقت اقتحامه في العام ٢٠٠٢، في تلك المعركة حفر مقاتلو المخيم جدران البيوت الملتصقة ببعضها وكذلك حفروا أنفاقاً داخل الغرف وفخخوا البيوت التي أخليت من سكانها.

كان الهدف من ذلك تسهيل الحركة على المقاتلين القادرين على فهم جغرافيا المخيم، قاد معركة ٢٠٠٢ آنذاك يوسف أبو جندل وهو ضابط في الأمن الوطني الفلسطيني، أعلن عدم انصياعه لأوامر قيادته في السلطة الفلسطينية وتوجه مع رجاله نحو المخيم ليقود الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة فيه برفقة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي محمود طوالبة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة