أمن
.
"مبابي، كوندي، تشواميني، ومانيان.. شكرا على استخدام صوركم لقول الحقيقة"، سمعت هذه العبارة سمعتها تتردد بصيغ مختلفة بين فرنسيين ومهاجرين غاضبين منذ الثلاثاء الماضي، في أعقاب مقتل الشاب الفرنسي من أصول جزائرية نائل المرزوقي في ضاحية نانتير برصاصة أطلقها شرطي بسبب مخالفة مرورية.
بمجرد انتشار الخبر في وسائل التواصل لم يتردد رباعي المنتخب الفرنسي من أصول أفريقية، كيليان مبابي، وجول كوندي، ومايك ماينان، وأورلين تشواميني، في إدانة الحادثة، وهي الإدانات التي وجدت تفاعلا كبيرا من قبل الفرنسيين الغاضبين من العنف المتكرر للشرطة، فيما أثارت بالمقابل تحفظات أخرى من فرنسيين غاضبين من رد الفعل العنيف للمتظاهرين.
كتب مبابي على حسابه في تويتر "أتألم من أجل بلدي فرنسا.. هذا وضع غير مقبول إطلاقا"، قبل أن يقدم مواساته لعائلة الضحية نائل.
بدوره علّق حارس المنتخب الفرنسي وميلان الإيطالي مايك ماينان على منشور إدانة طويل لزميله في المنتخب ومدافع برشلونة جول كوندي للحادثة، وكتب ماينان على تويتر "رصاصة في الرأس. دائما الأوضاع كما هي مع نفس الأشخاص، كونهم مخطئين فهذا يعني قتلهم..".
من جهته، سخر لاعب ريال مدريد تشواميني من كون معظم التحركات جاءت عقب تصوير حادثة القتل، وتساءل عن المصير بحال لم يتم تصوير مقتل الشاب نائل، قبل أن يعود ويغرد قائلا "نفاق بعض الأشخاص فيما يتعلق بالعنصرية غريب.. هناك مقياسان وإجراءان"، في إشارة عدم تفاعل البعض مع مقتل نائل، الفرنسي ذو الأصول الجزائرية.
على نقيض الاحتفاء الكبير من قبل الرافضين لعنف الشرطة الفرنسية ضد الأقليات والمهاجرين بتغريدات رباعي النجوم الكبار في فرنسا، بدا البعض مستغربا من حجم جرأتهم، خصوصا وأن هذه القضية تحديدا تثير الآن انقساما غير مسبوق في فرنسا.
توجد في فرنسا الآن روايتان تشكلان الموقف حول حادثة مقتل الشاب ذو الـ17 ربيعا، الأولى تتعلق بغضب شديد ظهرت آثاره في الشوارع وعلى السيارات المحترقة، وهذه يتبناها معظم سكان الضواحي الفرنسية المنحدرين من دول المغرب العربي، وجيرانهم الأفارقة، الذين عبروا عن غضبهم بموجة غضب عنيفة لا تزال تضرب فرنسا منذ الثلاثاء الماضي.
يرى أنصار هذا الفريق أن أسباب استمرار العنف، تعود لعدم ثقتهم في العدالة الفرنسية، مشككين في مقدرة السلطة منع تكرار البطش بهم مستقبلا.
أما الرواية الآخرى، يتبناها قطاع من الفرنسيين، والذين حركوا الأزمة إلى الأمام، عبر رفضهم العنف من قبل أصحاب القضية من المهاجرين أو الفرنسيين من أصول مهاجرة.
المظاهرات الغاضبة والعنيفة اجتاحت الشوارع الفرنسية بعد مقتل نائل
ولعل المثال الأبرز على حالة الانقسام تلك هو التباري في جمع التبرعات لكل من عائلتي الشرطي القاتل والضحية نايل المرزوقي، عندما جمعت حملة التبرعات للشرطي القاتل فلوريان حتى الآن نحو مليون يورو، رغم أن الهدف كان جمع 50 ألف يورو فقط، فيما وصلت حملة التبرعات لعائلة نايل نحو 200 ألف يورو بحسب المصدر ذاته.
ونظرا لهذا الوضع، وباعتبار رباعي اللاعبين المشاهير يأتي من أصول مهاجرة، حيث ولد كيليان مبابي في ضاحية بوندي الفقيرة، ومايك ماينان مولود في ضاحية فال دواز، تحلت تغريداتهم بجرأة كبيرة، رغم إمكانية إفقادهم الكثير من مشجعيهم، كما أنها في المقابل بدت بمثابة كسر للتابوه، الذي يرغب من خلاله "المشاهير" تجنب القضايا الخلافية. فمن أين استمد الرباعي هذه الثقة؟
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تندلع فيها احتجاجات مماثلة في ضواحي باريس وعدد من المدن الفرنسية الكبرى احتجاجا على عنف الشرطة، إذ بدأت مواجهات 2005 العنيفة من ضاحية كليشي سو بوا الباريسية، عقب مقتل مراهقين أحدهما من أصول عربية وآخر من أصول أفريقية، أثناء هربهما من الشرطة.
في ذلك الوقت كان منتخب فرنسا يعج بالنجوم من أصول أفريقية، بقيادة أسطورته الجزائري الأصل زين الدين زيدان، لكن أيا من هؤلاء لم يدخل على خط الأزمة باستثناء ليليان تورام، الذي انتقد الشرطة الفرنسية، وقتها، بسبب الحادث.
ليليان تورام يلعب الكرة مع مجموعة من الأطفال في أحد مخيمات اللاجئين. أ ف ب
في سياق مقاربتها للموضوع وأسباب جرأة الرباعي وتغريداتهم، رأت صحيفة "٢٠ دقيقة" الفرنسية أن هذه الجرأة سببها الثقة في النفس الكبيرة التي اكتسبها الجيل الحالي لمنتخب فرنسا، مقارنة بـ "جيل زيدان"، وذلك عقب فوزهم لفرنسا بكأس العالم الثاني في تاريخها، في مونديال روسيا 2018.
أما الأمر الأخر، فأرجعته الصحيفة إلى "كاريزما" كيليان مبابي، والذي أصبح منذ مدة "أيقونة" الآراء السياسية في المنتخب، وهو أمر ساعد في ترقيه سريعا في سلم قيادة المنتخب التي يتولاها حاليا.
سبق أن دافع مبابي بشدة عن زين الدين زيدان ضد التصريحات العنصرية لرئيس الاتحاد الفرنسي السابق لكرة القدم نويل لوغريت.
في سياق تبريره لصمت نجوم المنتخب الفرنسي بقيادة زيدان تجاه حادثة 2005، رأى لاعب المنتخب السابق ستيف مارلين في حديثه لموقع "20 دقيقة" الفرنسي أن السبب هو عدم انتشار السوشيال ميديا، آنذاك بنفس الدرجة الآن، إذ كان كل شخص بحاجة إلى الوصول إلى صحفي ينشر رأيه في شأن خارج كرة القدم، وهو أمر كان يتجنبه الإعلام الفرنسي.
وألمح مارليت إلى تأثرهم جيل ٢٠٠٥ بشخصية زيدان المهادنة نوعا ما وقتها، إذ أكمل "الأمر الأخر والمهم، هو أن الجيل الحالي يحظى بسوبر ستار مثل مبابي، الذي صار منذ مدة أيقونة للدفاع عن المواقف الإنسانية والسياسة خارج الملعب".
زيدان طوال مسيرته الكروية كان من المقلّين في الظهور الإعلامي بشكل عام، على العكس من زميله تورام، الذي كان معروفا، ولا يزال، بانتقاداته الاجتماعية القوية، بداية من توعد وزير الداخلية، آنذاك، نيكولا ساركوزي بـ"كنس وتنظيف ضاحية لاكورنوف" ذات الأغلبية السكانية المغاربية في 2004، وقبلها تعليقاته على أحداث الشغب في مباراة الجزائر وفرنسا العام2001، ثم حادثة مقتل المراهقَين في 2005.
بالمقابل، يبدو أن زيدان كان ضحية للتأطير الفرنسي المدروس، والذي ظل على الدوام، ولا يزال، يحاول حصر تأثير اللاعبين داخل ملاعب كرة القدم فقط، نظرا للتعقيد الكبير في مسألة الهويات، إذ يمكن أن تفلت الأمور، وذلك حسب المختص في علم الاجتماع الرياضي باتريك مونيون.
الآن، يبدو أن مبابي ورفاقه الأربعة اختاروا تحطيم "إطار زيدان"، وذلك بدخولهم على خط الازمة، فهل ينعكس ذلك سلبا عليهم، أم يشفع لهم البيان الجماعي للمنتخب، قبل يومين، والذي يطالب المحتجين بالوقف الفوري للعنف؟
بالنظر إلى تاريخ فرنسا مع العنف الشرطي وموقف نجوم الكرة منه، تبدو هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها نجوم بهذا النحو لانتقاد هذا الوضع بشكل علني.
تأتي هذه الواقعة بعد نحو 3 أعوام من مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد الشرطة الامريكية، قبل أن يشعل لاعب كرة القدم الأمريكية وفريق San Francisco 49ers كولن كايبرنيك العالم، ويدفع بالرياضيين في معترك السياسة.
ما حدث، هو أن جثا كايبرنيك على ركبته خلال عزف النشيد الوطني الأميركي، قبل إحدى مباريات فريقه، من أجل الاحتجاج على العنف والتمييز ضد أبناء البشرة السمراء.
وسرعان ما انضم إليه نجوم الدوري الأمريكي لكرة القدم، ونجوم السلة الامريكية مثل ليبرون جيمس الذي كان أكثر المنتقدين للشرطة الأميركية والرئيس ترامب عموما.
وبذات السرعة تحول الامر إلى ظاهرة عالمية، إذ سمح الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم (البريمييرليغ)، لفرقه ولاعبيها بالجثو على الركبة قبل كل مباراة، من أجل مناهضة العنصرية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة