أمن‎

مباراة تجسس ثنائية على الأراضي التركية

نشر
Muhammad Shehada

حرب مستعرة على الأراضي التركية تبدو كما لو كانت أحد أجزاء أفلام "مهمة مستحيلة" الهوليودية، دون بطلها توم كروز "إيثان هانت".

خلية تجسس إيرانية انكشف أمرها في قبرص أواخر شهر يونيو الماضي، سبقها تفكيك خلية "شبحية" للموساد الإسرائيلي، أعقبها تفكيك خلية ثانية لنفس الجهاز، على الأراضي التركية شهري مايو ويوليو.

يتزامن هذا مع استجواب الموساد، مَن يزعم إنه قاتل إيراني مأجور داخل الأراضي الإيرانية ذاتها، بالتوازي مع إلقاء قنبلة على منزل مستثمر إسرائيلي في العملات المشفرة، كريبتو، في قبرص. سبق هذا مجموعة من عمليات تفكيك خلايا موساد في تركيا وإحباط هجمات إيرانية في إسطنبول وقبرص وأثينا على مدار العامين الماضيين.

كل هذه الأحداث "المعلنة"، حصيلة موجزة لـ "حرب الجواسيس" المشتعلة على الأراضي التركية بين إيران وإسرائيل.. فما القصة؟

تحقيق للموساد داخل إيران

لم يبدُ على وجه الشاب الإيراني يوسف شهبازي عباساليلو أي شيء غير مألوف حينما ظهر أمام كاميرا تسجيل. يبدو كرجل عادي في متوسط العمر، سمين بعض الشيء. لكن ما إن بدأ بالحديث، حتى بدا وكأنه تحت تأثير عقار الكشف عن الأسرار الدفينة.

الرواية التي قصها الرجل بدت كما لو كانت مقتبسة من أحد أفلام الجاسوسية الهوليودية. تحدث الشاب عن ركوبه طائرة من إيران إلى قبرص الشمالية عبر إسطنبول بأمر من وحدة المخابرات الخارجية رقم 800 التابعة للحرس الثوري الإيراني، ولقاء مع خلية تجسس إيرانية سرية تضم مجموعة من الباكستانيين، والعبور لمدينة ليماسول الساحلية وتقفي أثر رجل أعمال إسرائيلي بهدف اغتياله والتقاط صور لمنزله ورصد تحركاته، ومن ثم فراره في اللحظات الأخيرة من الجزيرة بعد انكشاف أمر العملية والقبض على أعضاء الخلية الآخرين.

الإيراني مجيد جميل المتهم باغتيال العالم النووي الإيراني أثناء جلسة محاكمته في طهران عام ٢٠١١. أ ف ب

ما يزيد من دهشة الأمر أن هذا الاعتراف تم تسجيله داخل إيران نفسها على أيدي عملاء لجهاز الموساد الإسرائيلي قالوا إنهم اختطفوا الرجل من عقر داره واستجوبوه على أراضي الجمهورية الإسلامية، وأنه كشف لهم أسماء الخلية الإيرانية في قبرص.

بعد إذاعة هذا الاعتراف "غير المسبوق"، ظهر تصريح صحفي لمسؤول في الموساد يؤكد متفاخرا "سنصل لأي شخص يخطط لشن هجمات إرهابية ضد الإسرائيليين، أينما كانوا، بما في ذلك داخل إيران"، الموساد أظهر في مقطع الفيديو الذي نشره ليوسف تذكرة الطيران التي استخدمها للسفر من طهران إلى شمال قبرص.

كانت المخابرات القبرصية أعلنت أواخر شهر يونيو إفشال مخطط للهجوم على أهداف إسرائيلية ويهودية على أراضيها، واعتقال أعضاء الخلية وفرار المنفّذ، وأثنت نيقوسيا على إسرائيل والولايات المتحدة لتعاونهما الاستخباراتي الذي أدى لهذه النتيجة.

.. والرد في تركيا

الحكومة القبرصية استغلت تلك الحادثة لتقول بأن الجزء الشمالي من الجزيرة الخاضع للسلطة التركية أصبح مرتعاً للمخابرات الإيرانية وعمليات تجنيد عملاء لها للإضرار بالمصالح الإسرائيلية على الجزيرة. لكن لم تمض أيام معدودة على هذه التصريحات حتى كشفت الاستخبارات التركية أن جهاز الموساد مازال يحاول استخدام أراضيها لتجنيد عملاء له للقيام بعمليات ضد أهداف داخل وخارج البلاد.

السلطات التركية أعلنت أنها كشفت 56 عنصرا في "خلية شبحية" تابعة للمخابرات الإسرائيلية تجسسوا على مواطنين "غير أتراك" في البلاد، وفقاً لما كشفته صحيفة ديلي صباح التركية، وألقت تركيا القبض على ٧ عملاء من أصول عربية وتركية، قالت إنهم خضعوا للإشراف والتوجيه من قبل ٩ ضباط للموساد الإسرائيلي.

السلطات التركية قالت إن العملاء رصدوا وتتبعوا عدة شخصيات داخل تركيا منهم رجال أعمال وأطباء وصحفيون من مصر وسوريا وفلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وأنهم اخترقوا هواتف وأجهزة حواسيب شخصية وأجهزة Wi-Fi لبعض هذه "الأهداف"، وأن بعض العملاء نفذ مهمات تجسس في لبنان وسوريا لتحديد أهداف يمكن لإسرائيل قصفها بالطائرات المسيرة.

تقول الصحيفة إن الموساد أقام نقطة تدريبية في بانكوك عاصمة تايلاند، عن كيفية صياغة وإرسال التقارير بسرية، ومراقبة الأهداف، والتهرب من أجهزة الاستخبارات، والتصوير بشكل خفي، ومراقبة وتحليل المعلومات الاستخباراتية، ووضع أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية على المركبات.

على سبيل المثال، زوّد الموساد أعضاء الخلية بخطوط هاتف محمول ذات استخدام واحد مملوكة لأشخاص مزيفين في إسبانيا وإنجلترا وألمانيا والسويد وماليزيا وإندونيسيا وبلجيكا لإجراء الاتصالات مع وكلاء الموساد داخل وخارج تركيا، لتجنب رصدهم من قبل المخابرات التركية.

وفقاً للاستخبارات التركية، تم تدريب أعضاء الخلية على تقنيات تجسس سيبرانية من قبل شركة برامج تجسس إسرائيلية تدعى Cyberintelligence International Private Ltd، وتعود ملكيتها لشاب بعمر 24 عام اسمه بريانشي باتيل كولهاري في تل أبيب.

في شهر مايو الماضي، كان جهاز المخابرات العسكرية التركية قد أعلن ضبط خلية أخرى من 15 من عملاء الموساد المتمركزين في اسطنبول واعتقل ستة أشخاص. وتبين حينها أن العملاء تلقوا تدريبات في أوروبا من قبل ضباط المخابرات الإسرائيليين وكُلفوا بمراقبة شركة و23 فرد لهم علاقات تجارية مع إيران.

"قنبلة مجهولة" في منزل إسرائيلي

استمرارا للمواجهات الجاسوسية بين الدولتين، ويوم الأحد ٢ يوليو، ألقيت قنبلة يدوية على منزل رجل إسرائيلي يعيش في قبرص ويعمل في مجال العملات الرقمية مثل البتكوين، وفقاً لما نقلته القناة 13 الإسرائيلية. أول ظن السلطات القبرصية هو أن الأمر له علاقة بنزاع مع منظمة إجرامية محلية في الجزيرة تطلب "إتاوة"، لكن شعبة المخابرات في الشرطة الإسرائيلية أعلنت أنها تحقق في الحادث.

هذه القصة تتشابه مع حادثة وقعت قبل عامين، عندما نقلت السلطات الإسرائيلية رجل الأعمال الملياردير تيدي ساغي وآخرين على عجالة من نيقوسيا لتل أبيب بعد اعتقال السلطات القبرصية قاتل روسي مأجور من أصول أذربيجانية يدعى أورهان أسادوڤ، 40 عاما، قيل بأنه خطط لقتل رجال أعمال إسرائيليين في قبرص، وعُثر بحوزته على مسدس وكاتم صوت وذخيرة.

في بادئ الأمر، قالت الحكومتان القبرصية والإسرائيلية إن المشتبه به لم يكن جزءاً من هجوم إيراني، والأمر قد يكون له علاقة بخلافات مالية بين ساغي الذي يملك شركات مقامرة إلكترونية ورجال أعمال آخرين، لكن إسرائيل غيرت الرواية لاحقاً وقالت إن الحرس الثوري يقف خلف الهجوم.

اعرف أكثر عن..

تاريخ من عمليات التجسس في المنطقة

في شهر ديسمبر الماضي، كشفت السلطات التركية عن تفكيك خلية للموساد والقبض على ٧ أشخاص تجسسوا وشنوا حملات تشهير على الإنترنت وأطلقوا تهديدات ضد فلسطينيين.

سبق ذلك بستة أشهر إعلان الحكومة التركية القبض على شبكة خططت لهجمات ضد إسرائيليين على أراضيها بعد أن أصدرت الحكومة الإسرائيلية تحذيراً لرعاياها في إسطنبول بالاختباء في غرفهم الفندقية وإغلاق الأبواب لقرب هجوم إيراني انتقاماً لاغتيال إسرائيل شهر مايو ٢٠٢٣ العقيد صياد خضيري، نائب قائد وحدة سرية في فيلق القدس.

السلطات التركية صادرت في حينها مسدسين وكاتم صوت ووثائق ومواد رقمية تحتوي على هويات وعناوين أفراد قيل إنهم مدرجون في قائمة الأهداف.

وأطاحت تلك العملية الإيرانية المزعومة برئيس مخابرات الحرس الثوري الإيراني حسين الطيب، الذي أعلن استقالته في نفس شهر يونيو العام الماضي بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، وجاءت تلك الاستقالة بعد إخفاقين استخباريين آخرين سبقا تلك الحادثة.

ففي شهر مارس من عام 2022 قالت السلطات اليونانية بأنها أحبطت هجوماً محتملاً على كنيس يهودي وسياح إسرائيليين في أثينا بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية، حيث ألقت الشرطة اليونانية القبض على باكستانيين من أصل إيراني يبلغان من العمر 27 و29 عامًا.

بينما أعلنت المخابرات التركية في شهر فبراير ٢٠٢٣ القبض على مواطن إيراني و٧ أتراك قيل بأنهم كانوا جزءا من مؤامرة وجهتها إيران لاغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي التركي يائير جيلر، 75 عاما، ونقلت ديلي صباح التركية أن شبكة التجسس الإيرانية التقطت صوراً لجيلر في كل مكان ذهب إليه وراقبوا سراً مقر شركته في منطقة كاتالجا ومنزله في بشيكتاش، بينما كان عملاء المخابرات التركية يراقبون كل تحركات العصابة المزعومة.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة