أمن
.
كان الرئيس التركي، رجب طيب، أردوغان، يبدي، الإثنين، ثقته برغبة نظيره الروسي فلاديمير بوتين في استمرار اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، بعد ذلك جاء إعلان الكرملين أنّ الاتفاق الذي تنقضي مهلته رسميا مساء الاثنين بات في حكم المنتهي.
وقبل ساعات من القرار، تعرّض جسر القرم الذي يعدّ خط إمداد رئيسيا للقوات الروسية في أوكرانيا، لهجوم ليل الأحد باستخدام "مسيّرات بحرية"، قبل ساعات من انقضاء مهلة اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية التي تمّ التوصل إليها في يوليو 2022. إلّا أنّ المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قال للصحفيين إن قرار عدم تجديد الاتفاق لا علاقة له بالهجوم الذي وقع خلال الليل على الجسر الرابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، والذي وصفه بأنه "عمل إرهابي" واتهم أوكرانيا بتنفيذه.
أمام هذا الواقع، وصفت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين قرار روسيا بتعليق اتفاق تصدير الحبوب في البحر الأسود بأنّه "خطوة أنانية"، مضيفة أنّ الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل لضمان الأمن الغذائي للدول الفقيرة.
وقالت روسيا إنّها أوقفت المشاركة في اتفاق تاريخي توسطت فيه الأمم المتحدة يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بعد ساعات من إعلان موسكو أن أوكرانيا هاجمت جسر القرم.
في سياق النزاع، أعلنت روسيا أنّ اتفاقية تصدير الحبوب باتت في حكم المنتهية، حتى قبل نهاية مهلتها الرسمية منتصف ليل الإثنين الثلاثاء بتوقيت اسطنبول (21:00 ت غ). وقال بيسكوف "اتفاق البحر الأسود انتهى عمليا اليوم" الإثنين. وأضاف: "ما أن يلبى الجزء المتعلق بروسيا (في الاتفاق) ستعود روسيا فورا إلى الاتفاق حول الحبوب".
وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود التي وقّعتها روسيا وأوكرانيا في يوليو 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة، للتخفيف من خطر المجاعة في العالم من خلال ضمان تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية رغم الحرب. أتاح الاتفاق تصدير أكثر من 32 مليار طن من الحبوب. وفي وقت متأخر الأحد، أظهرت بيانات موقع "مارين ترافيك" أنّ آخر سفينة شحن وافق عليها أطراف الاتفاق كانت في طريقها عبر البحر الأسود من ميناء مدينة أوديسا الأوكرانية إلى إسطنبول.
وكان أردوغان أبدى، الجمعة، تفاؤله بشأن تمديد الاتفاق، مؤكدا أنه "متفق" على ذلك مع بوتين. لكن الكرملين عكس في اليوم التالي التباين بين موسكو وأنقرة. وذكرت الرئاسة الروسية أن بوتين "أشار إلى أنّ التعهدات المنصوص عليها في مذكرة التفاهم بين روسيا والأمم المتحدة حول إزالة العقبات أمام تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية لم يتم الوفاء بها بعد". وأضافت "الهدف الرئيسي للاتفاق، وهو تسليم الحبوب إلى البلدان المحتاجة، ولا سيما في القارة الأفريقية، لم يتحقق".
وسبق لبوتين أن لوّح مرارا بالانسحاب من هذا الاتفاق على خلفية عدم الإيفاء بالالتزامات المتعلقة بروسيا فيه. ووفق بيانات مركز تنسيق الاتفاق، فتركيا والصين هما المستفيدتان الأساسيتان من شحنات الحبوب، إضافة إلى بعض الدول النامية. وأتاح الاتفاق لبرنامج الأغذية العالمي مساعدة دول تواجه نقصا غذائيا حادّا مثل أفغانستان والسودان واليمن.
تأثرّت بلدان نامية وفقيرة عدّة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية بارتفاع أسعار الحبوب، وهما من المصدرين الأساسيين لهذه الموادّ. وحسب الموقع الرسمي لمجلس الاتحاد الأوروبي، وصل 64٪ من القمح المُصدَّر من خلال مبادرة حبوب البحر الأسود إلى البلدان النامية. ويتم تصدير الذرة بالتساوي تقريبا إلى البلدان المتقدمة والنامية. ومن هذا المنطلق هناك انتقادات أن الدول المتقدمة تحصل على حصة كبيرة من القمح تستخدمها في الكماليات، في حين أن في الدول الفقيرة هناك من يموت جوعا.
كما يقوم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بشحن القمح من موانئ البحر الأسود. وقبل الحرب، اشترى البرنامج نصف مخزونه من الحبوب من أوكرانيا. ومنذ بدء المبادرة في أغسطس 2022، خرج أكثر من 655 ألف طن من القمح الموانئ الأوكرانية إلى إثيوبيا واليمن وأفغانستان والسودان والصومال وكينيا وجيبوتي.
بدوره، الاتحاد الأوروبي هو منتج ومصدر عالمي رئيسي للقمح، وتشير التقديرات إلى أنّ الاتحاد صدّر نحو 32 مليون طن من القمح في عام 2022. وتشمل دول المقصد الجزائر والمغرب ومصر وباكستان ونيجيريا، وفق الموقع الرسمي.
خلال العام 2021، صدّرت أوكرانيا ما قيمته 5.87 مليارات دولار من القمح، ما جعلها خامس أكبر مصدر للقمح في العالم. في العام نفسه، كان القمح ثالث أكثر المنتجات تصديرا إلى الخارج في أوكرانيا، والوجهة الرئيسية لصادرات القمح من أوكرانيا كانت مصر، التي دفعت 851 مليون دولار، وإندونيسيا 640 مليون دولار، وباكستان 594 مليون دولار، ونيجيريا 490 مليون دولار، وإثيوبيا 440 مليون دولار.
المكتبة الوطنية الأميركية للطب، تقول إن الكثير من الدول العربية تعتمد بنسب متفاوتة على استيراد القمح من أوكرانيا، فنسبة اعتماد ليبيا على الواردات من أوكرانيا هي ٣٥٪، وتونس ٤٠٪، أمّا لبنان فـ٣٠.٤٪، ومصر ٢٤٪، والمغرب ١٣.٤٪، والجزائر ٢.٧٪، والأردن ٧.٤٪.
في الرابع من يوليو، اعتبرت روسيا أن "ما من سبب" يدعوها لتمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية بحجة أن صادراتها من المنتجات الزراعية تواجه عقبات. ومنذ توقيع الاتفاقية، هددت موسكو بانتظام بالانسحاب منها، منددة بالعقوبات الغربية التي "تمنع الصادرات الزراعية الروسية"، وفق فرانس برس.
ومساء الثلاثاء، شنت روسيا سلسلة من الهجمات بمسيّرات على محطة للحبوب في منطقة أوديسا، جنوبي أوكرانيا، التي تضمّ ٣ موانئ رئيسية لتصدير الحبوب.
وقال حاكم المنطقة، أوليغ كبير، في بيان إنّ "قوات الدفاع الجوي لم تسمح بتحقق خطة العدو لمهاجمة محطة الحبوب في أحد موانئ أوديسا"، من دون أن يحدد اسم الموقع. والمنافذ البحرية أساسية لتصدير الحبوب الأوكرانية بموجب الاتفاق. ومنذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، أغلقت الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود بسبب انتشار السفن الحربية والألغام، إلى أن سمح الاتفاق بمرور صادرات الحبوب.
منذ مطلع يوليو، حركة السفن خفيفة جدا. بين 2 و13 يوليو، غادرت ٧ سفن شحن فقط ميناءي أوديسا وتشورنومورسك الأوكرانيين بعد التفتيش، وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن مركز التنسيق المشترك. للمقارنة، كان هذا الرقم هو المعدّل اليومي الذي كان يُسجّل في أكتوبر حين كانت أكثر من 130 سفينة شحن تنتظر عند مدخل مضيق البوسفور لتخضع للتفتيش لإكمال طريقها عبر البحر الأسود. وتتهم كييف بانتظام المفتشين الروس بتعمّد إبطاء الإجراءات.
أغلقت الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود بسبب انتشار السفن الحربية والألغام، إلى أن سمح الاتفاق بمرور صادرات الحبوب
ذكر شاهد من رويترز وموقع (مارين-ترافيك.كوم) أنّ سفينة أخيرة غادرت ميناء أوديسا الأوكراني في وقت مبكر من صباح الأحد بموجب اتفاق يسمح بتصدير آمن للحبوب الأوكرانية من البحر الأسود توسطت فيه الأمم المتحدة وذلك قبل حلول موعد نهائي ينقضي به سريان الاتفاق. ولم توافق روسيا على تسجيل أي سفن جديدة منذ 27 يونيو حزيران وينتهي أجل الاتفاق الإثنين.
والأحد، نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن مصدرين بالأمم المتحدة لم تكشف عن هويتهما القول إن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ويتيح تصدير الحبوب الأوكرانية بشكل آمن عبر البحر الأسود لم يتم تجديده حتى اليوم الأحد لكنهما قالا إن "كل شيء ممكن". ونسبت الوكالة إلى أحد المصدرين قوله "نحن ننتظر موقف موسكو وكل شيء ممكن". وهددت روسيا بالانسحاب من الاتفاق الذي ينتهي سريانه الاثنين قائلة إن مطالبها بتعزيز صادراتها من الحبوب والأسمدة لم يتم الوفاء بها. الأمم المتحدة تقول إن تلك الدول استفادت من مساعدة المبادرة في خفض أسعار الأغذية بأكثر من 20٪ عالميا.
تبنت كييف، الإثنين، هجوما ليليا أدّى إلى مقتل شخصين على جسر القرم، وأعلنت موسكو أن اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بات في حكم المنتهي. وأفاد مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية (اس بي يو) أن الاستخبارات وسلاح البحرية يقفان وراء استهداف الجسر الذي يعبر مضيق كيرتش.
وأوضح المصدر لوكالة فرانس برس أن "هجوم اليوم على جسر القرم هو عملية خاصة لجهاز اس بي يو والبحرية" تمّ تنفيذها "بواسطة مسيّرات بحرية". وأكدت لجنة التحقيق الروسية في بيان "قتل مدنيان هما رجل وامرأة في سيارة سياحية على الجسر" جراء الهجوم، مشيرة أيضا إلى أن ابنتهما أصيبت بجروح. وأضافت الهيئة المكلفة القضايا الإجرامية الرئيسية "حدد التحقيق ضلوع عناصر من أجهزة الاستخبارات وتشكيلات مسلحة في الاعداد لهذه الجريمة وتنفيذها" معلنة فتح تحقيق بارتكاب "عمل إرهابي".
وحمّلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا "نظام كييف" مسؤولية تنفيذ الهجوم. وأفادت لجنة مكافحة الإرهاب الروسية في بيان إنّ الهجوم وقع عند الساعة 03:05 (الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش). وبثت محطة "القرم-24" العامة مقطعا مصورا يظهر انهيار منطقة من الجزء الطرقي من الجسر. ونشرت هيئة التحقيق الروسية أيضا مقطعا مصورا يظهر رجالا يرفعون أدلة عن الطريق.
ويمتد الجسر على مسافة 18 كلم ويتألف من قسمين أحدهما طرقي والآخر للسكك الحديد، ودشّنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2018 لربط روسيا بشبه الجزيرة التي ضمّتها عام 2014. وأدّى الهجوم إلى تضرر الجزء الطُرُقي وتعليق الحركة لساعات، بينما لم يعانِ الجزء المخصص للسكك الحديد لأضرار. واستؤنفت الحركة قبل ظهر الإثنين على ما ذكرت سلطات القرم.
وهي المرة الثانية في غضون أشهر يتعرض الجسر لهجوم. ففي أكتوبر، أدّى انفجار ضخم ناتج عن شاحنة مفخخة، وفق موسكو، إلى تدمير جزء من الجسر ومقتل ٣ أشخاص. واتهم بوتين في حينه كييف بارتكاب "عمل إرهابي" عبر تدبير وتنفيذ الانفجار بهدف "تدمير بنية تحتية مدنية روسية ذات أهمية كبيرة".
تمضي كييف في هجومها المضاد لاستعادة أراضِ تسيطر عليها قوات روسيا في شرق البلاد وجنوبها. أقرت أوكرانيا في الفترة الأخيرة بأنها تواجه صعوبات في القتال داعية الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى إلى تقديم أسلحة طويلة المدى ومدفعية. وأعلنت كييف الإثنين أنها استعادت الأسبوع الماضي 18 كيلومترا مربعة من هذه الأراضي، بينها سبعة كيلومترات مربعة حول مدينة باخموت المدمرة في شرق البلاد، والتي سيطرت عليها موسكو في مايو بعد معارك شرسة.
نائبة وزير الدفاع الأوكرانية، هانا ماليار، قالت عبر تلغرام "خلال الأسبوع الماضي ونتيجة لتحسن التموضع والانتشار التكتيكي على خط الجبهة باتجاه باخموت، حررنا ٧ كيلومترات مربعة". وأضافت أن 11 كيلومترا مربعة أخرى استعيدت في غضون أسبوع في جنوب البلاد ما يرفع إلى 18 كيلومترا مربعة كامل المساحة التي يقول الأوكرانيون إنهم استعادوها الأسبوع الماضي.
أفادت ماليار أن أوكرانيا استعادت 180 كيلومترا مربعة في جنوب البلاد منذ بدء الهجوم المضاد مطلع يونيو، و30 كيلومترا مربعة في الشرق خصوصا حول باخموت أي ما مجموعه 210 كيلومترات مربعة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة