أمن‎

سجن عائم دون محرك أو قائد.. هذا ما تعدّه بريطانيا لمهاجريها

نشر

.

Muhammad Shehada

منظر البارجة "بيبي ستوكهولم" يبدو مخيفاً كأحد أفلام المستقبل المظلم: سجن عائم عملاق بلا محرك أو قمرة قيادة، ألوانه رمادية قاتمة، ويطفو وسط المحيط. هذا ما تحضّره الحكومة البريطانية لاحتجاز ٥٠٠ من طالبي اللجوء إلى أراضيها، تحت حراسة مشددة على مدار الساعة. التجربة الأولى لإرسال دفعة من النزلاء، ستجري نهاية هذا الأسبوع.. فما القصة؟ وما علاقة تلك البارجة بتجارة العبيد، وتاريخ بريطانيا مع السجون البحرية؟

ذكر.. شاب.. غير متزوج؟ إلى البارجة الآن

في قرية دورسيت أقصى جنوب غرب إنجلترا، تجمع بعض المتظاهرين يوم الثلاثاء ١٨ يوليو، مع لافتات تقول "مرحباً باللاجئين. لا لسجن البارجة" أمام ميناء بورتلاند، أثناء وصول الهيكل المعدني العائم الضخم "بيبي ستوكهولم" تجره سفينة بسلاسل معدنية كبيرة.

البارجة تشبه السجن العائم. فممراتها ضيقة للغاية وخالية من النوافذ وتقود إلى غرف متناهية الصغر، يتسع بعضها بالكاد لشخص واحد، ومزوّدة بأسرّة حديدة هشة بطابقين كما في السجون، بالإضافة لخزانة ملابس صغيرة وشاشة تلفاز سوداء لا تعمل لأنها غير موصولة بأي كابلات، والحوائط خالية من أي شيء إلا الدهانات وورقة بيضاء بحجم A4 في المدخل مكتوب عليها "أهلا وسهلا" بالإنجليزية، بحسب صحيفة الجارديان.

سكان من المدينة الساحلية لا يريدون رؤية السجن العائم، ويرحّبون باللاجئين. أ ب

السكان المحليون ونواب البرلمان عن دائرة دورسيت يعارضون رسو البارجة "القبيحة" في مينائهم واحتجاز لاجئين بداخلها، حسبما رفعوا من شعارات، لكن الحكومة البريطانية عازمة على نقل قرابة 500 طالب لجوء لذلك المبنى الطافي على وجه الماء، بالتزامن مع تمرير مشروع "قانون الهجرة غير الشرعية" في مجلس اللوردات والذي يهدف لاعتقال وترحيل أي شخص يصل إلى بريطانيا بشكل غير رسمي، بما في ذلك طالبي اللجوء.

الفئة المستهدفة هم طالبو اللجوء من الشبان الذكور غير المتزوجين، وتقول الحكومة إنها ستنقل دفعة أولى من ٥٠ شخصا نهاية هذا الأسبوع دون تحديد يوم بعينه، كتجربة أولية. ولتخفيف حدة منظر السفينة، تقول الحكومة البريطانية بأن السفينة ستكون مزودة بصالة رياضة وغرفة ترفيهية للعب البلياردو وغرف لتناول الطعام.

توفير ١٠ جنيهات في اليوم

استخدام هذه الوسيلة، التي وصفها معارضوها بـ"المخيفة"، يأتي كجزء من سياسات الحكومة الرامية لردع سفن الهجرة، في حين تقول الحكومة إن السبب ترشيد نفقات إيواء طالبي اللجوء حيث اضطرت الحكومة سابقاً لوضع بعضهم في فنادق أو نزل متواضعة بسبب أزمة الإسكان حول المملكة المتحدة.

بحسب المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء، فإن حكومته تنفق نحو 6 ملايين جنيه إسترليني يوميا لنفقات إسكان طالبي اللجوء في الفنادق، لكن تقارير تشير بأن المبلغ الذي تساهم بارجة بيبي ستوكهولم في توفيره لن يتجاوز 10 جنيه إسترليني في اليوم لكل نزيل، ما يعني 5 آلاف جنيه إسترليني عن كل النزلاء من 6 ملايين.

لافتات "أهلا باللاجئين" على ميناء دورسيت يوم ١٨ يوليو. أ ب

السبب في ضعف مبلغ التوفير يعود لأن الحكومة لا تملك تلك السفينة، بل تستأجرها وزارة الداخلية من شركة خاصة تسمى "بيبي مارين"، بالإضافة لدفع رواتب الحراس الذين تقوم الدولة بتعيينهم لمراقبة النزلاء، علاوة على مصاريف إدارة السفينة من طعام ونظافة وصيانة وغيرها من الأمور التشغيلية.

اعرف أكثر عن..

سجون بريطانيا المائية

لبريطانيا تاريخ طويل مع استخدام السفن كسجون، خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حين اكتظت السجون بالأسرى العسكريين من حرب جينكينز إير مع إسبانيا، وحرب السنوات السبع ضد فرنسا والنمسا والسويد وإسبانيا والبرتغال، والحروب الفرنسية الثورية و النابليونية.

سميت تلك السفن آنذاك بـ "هالك" Hulk، ليس نسبة للرجل الأخضر من أفلام مارفيل السينمائية، بل هي ترجمة لأي هيكل عملاق طافٍ على وجه الماء بلا قدرة على الحركة الذاتية أو الملاحة.

وحديثا، استخدمت بريطانيا هيكل HMS Maidstone كسفينة سجن في أيرلندا الشمالية في السبعينيات من القرن الماضي للمقاتلين الجمهوريين المشتبه بهم وأنصار النشطاء غير المقاتلين. فمثلا جيري آدامز، الرئيس السابق للحزب السياسي الجمهوري الأيرلندي شين فين، أمضى بعض الوقت في سجن ميدستون في العام 1972، وأفرجت عنه السلطات البريطانية للمشاركة في محادثات السلام التي انتهت بتوقيع معاهدة الجمعة العظيمة عام 1998.

هولندا وألمانيا في القائمة أيضا

المملكة المتحدة ليست صاحبة فكرة احتجاز طالبي اللجوء على متن بارجة بيبي ستوكهولم، فألمانيا سبقتها في الأعوام 1994-1998 عندما استأجرت بارجة لإيواء المشردين وطالبي اللجوء في هامبورغ، ثم انتقل نفس الهيكل العائم إلى هولندا حيث رسى في ميناء روتردام عام 2005 واستخدم فيما بعد لاحتجاز طالبي اللجوء إلى أن مات أحدهم على متن السفينة بمرض في القلب بعد إهمال طبي.

أكثر وأكثر عن..

صاحب الشركة وتاريخه مع تجارة العبيد

في يوليو 2023، دعت رسالة مفتوحة موقعة من أكثر من 50 منظمة غير حكومية ونواب برلمان بريطانيين الشركة المالكة للبارجة، Bibby Marine، للاعتراف بصلات مؤسسها جون بيبي، John Bibby، بتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، من أفريقيا إلى الأميركيتين بين عامي ١٨٠٥ و١٨٠٦. ودعوته إلى رفض طلب الحكومة البريطانية تسكين طالبي اللجوء على متن سفن الشركة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة