أمن
.
المشهد بدا كساحة حرب، قذائف هاون، واشتباكات بالرشاشات، وصواريخ آر بي جي في مركز الشتات الفلسطيني داخل لبنان، مخيم عين الحلوة، بين حركة فتح، التنظيم الحاكم للسلطة الفلسطينية، وبين جماعات إسلامية سلفية متشددة. الاشتباكات أدت لمقتل 11 شخصا على الأقل والعديد من الإصابات بالإضافة لعمليات خروج جماعي لأهالي المخيم المدنيين فراراً من موجة العنف الدامية قبل يومين.
فما الذي أدى لتلك الأحداث؟ ومن الذي يحكم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟ وكيف وصل السلاح لأيدي الجماعات المتقاتلة؟
الأمر بدأ صباح يوم السبت عند سوق الخضار في مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. إطلاق نار في المنطقة استهدف محمود خليل، أبو قتادة، وهو قيادي في جماعات إسلامية مسلحة وأحد أبرز المطلوبين للسلطات اللبنانية حيث وجهت له سابقاً تهم تتعلق بالانتماء لتنظيم إرهابي.
أبو قتادة نجا من محاولة الاستهداف تلك، لكن أحد مرافقه، عبد فرهود، قتل في الحادثة بينما أصيب مطلوب آخر للسلطات اللبنانية بالإضافة لطفلين.
سرعان ما أدت تلك الحادثة لتفجير شرارة تصعيد في المخيم، حيث أطلقت جماعات مسلحة بإطلاق صواريخ وأعيرة نارية باتجاه منطقة تعتبر معقلا لحركة فتح الحاكمة للسلطة الفلسطينية بحسب الصحف المحلية، وذلك بعد أن شاع خبر أن من استهدف "أبو قتادة" كان عنصراً ينتمي لفتح.
في مساء نفس اليوم، تم التوصل لوقف لإطلاق النار في المخيم، وأعلنت جماعة مسلحة تسمى "بالشباب المسلم" التزامها بتلك التهدئة. لكن في يوم الأحد، نصبت جماعة مسلحة كميناً لقيادي بفتح، وهو العميد أبو أشرف العرموشي، وقاموا بقتله وأربعة من مرافقيه، ما أدى لتصاعد الاشتباكات والتوترات داخل المخيم بين فتح وجماعة "الشباب المسلم".
إذا زرت مدينة صيدا يوماً في جنوب لبنان، قد يلفت نظرك منطقة محاطة بأسوار عالية وأسلاك شائكة وأبراج مراقبة مساحتها لا تتجاوز 0.3 كم مربع أو 74 فدانا، على بوابة تلك المنطقة حواجز يقف عليها ضباط جيش لبنانيين يدققون في هوية الداخلين والخارجين من المكان. هذه ليست ثكنة عسكرية، بل هو مخيم عين الحلوة للاجئين، وهو الأكبر من بين 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان ويسكنه نحو 80 ألف شخص على الرغم من مساحته الصغيرة.
أحد أهداف حواجز الجيش على أبواب المخيم منع دخول الأسلحة ومواد البناء، فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان ممنوعون من إقامة منازل دائمة أو شراء عقارات، بالإضافة لمنعهم من العمل في مهن متعددة كالطب والمحاماة والهندسة، وذلك لحين عودتهم إلى أراضيهم الفلسطينية في حال إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
أما في داخل المخيم، فالأزقة شديدة الضيق، والشوارع ترابية مكسرة والبيوت مهدمّة، ولا توجد بنية تحتية لائقة. أسلاك الكهرباء البدائية والمرتجلة دون تخطيط تبدو كشباك العنكبوت، ومشاكل سكان المخيم لا تنتهي ما بين فقر وجوع وحرمان، بالإضافة لمعدل بطالة ضخم وصل في بعض التقديرات لنحو 80%.
هذه البيئة تعد بيئة خصبة للجماعات المسلحة لتجنيد الشباب المحبط والمهمش.
في عام 1968، حاول اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بناء قاعدة ومكتب رسمي لحركة التحرير الوطني، فتح، التي قادها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بالإضافة لبناء قواعد مسلحة في مخيم نهر البارد شمالي لبنان.
الجيش اللبناني سارع لمنع ذلك، باعتباره تعديا على سيادة البلاد وسلطة القانون، ما أدى لاشتباكات وأعمال شغب وعنف استمرت حتى اتفاق القاهرة الموقع في العام 1969.
كان هذا اتفاقاً بين ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني إميل بستاني وسمح بإنشاء قواعد مسلحة في المخيمات الفلسطينية بالتنسيق مع الجيش اللبناني بهدف العمل المسلح ضد إسرائيل، وأعطى الاتفاق حركة فتح حق إدارة تلك المخيمات من الداخل.
في العام 1970، قرر وزير الداخلية اللبناني آنذاك كمال جنبلاط إرسال الشرطة والجيش اللبناني إلى داخل المخيمات الفلسطينية "لحفظ الأمن والقانون" بالتفاهم مع عرفات. لكن الحال لم يدم طويلاً، خاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، ووقوع مجزرة صبرا وشاتيلا ضد اللاجئين الفلسطينيين عام 1982، وهو ما خلق خوفاً في صفوف الفلسطينيين واعتقادا بالحاجة للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم في ظل الانقسامات الداخلية اللبنانية والصراعات الطائفية.
حالياً، تقدم وكالة الغوث الدولية، أونروا، الخدمات الإغاثية كالتعليم المدرسي والصحة للاجئين في تلك المخيمات، بينما تدير الفصائل الفلسطينية الأمور الحياتية الأخرى بما في ذلك الأمن والحماية.
لكن اليوم، لم تعد حركة فتح الوحيدة المسيطرة على الساحة، بل تعددت الأحزاب المسلحة المتنافسة في المخيمات في لبنان.
أسماء الفصائل المسلحة في المخيمات الفلسطينية في لبنان كثيرة وبعضها يشهد انقسامات من حين لآخر وتكوين فرق جديدة، لذلك يصعب حصر جميعها.
حركة فتح تعد الأقوى عسكرياً والأكثر تمويلاً ونفوذاً سياسياً باعتباره الحركة المهيمنة في منظمة التحرير الفلسطينية وتقوم مثلاً بدفع رواتب لمنتسبيها وتوزيع مساعدات إغاثية ومنح للطلبة الفلسطينيين للدراسة الجامعية.
تضم مظلة المنظمة فصائل متعددة في مخيمات لبنان كالأمن الوطني، والجناح العسكري لحركة فتح، والجبهة العربية، وجبهة النضال الشعبي، وحزب الشعب، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية.
أبرز منافسي المنظمة في المخيمات هم حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والتيار الإصلاحي الديمقراطي من فتح بقيادة العميد محمود عيسى اللينو بالإضافة إلى قوى التحالف التي تضم جبهة النضال وجبهة التحرير والجبهة الشعبية القيادة العامة الموالية لدمشق.
علاوة على ذلك، يوجد تيار من الحركات الإسلامية المختلفة كحركة المقاومة الإسلامية أنصار الله، والحركة الإسلامية المجاهدة وعصبة الأنصار وحركة الشباب المسلم. وشهدت بعض هذه الحركات انقسامات أدت لتكوين فرق تابعة لأفراد بأعينهم، كمجموعة بلال بدر المطلوب للسلطات اللبنانية بتهم تتعلق بالإرهاب.
هذا بالإضافة لتنظيم فتح الإسلام السلفي الجهادي الذي انشق في عام 2006 عن تنظيم "فتح الانتفاضة" المنشق أصلاً عن حركة فتح عام 1983، ويعتقد بأن بلال بدر يتولى حالياً قيادة هذا التنظيم.
معظم هذه التنظيمات تبرر وجودها والسلاح الموجود في أيدي عناصرها بهدف تحرير فلسطين وردع إسرائيل، وهو ما دفع بعض المعترضين للتساؤل عن جدوى تلك الأسلحة في ظل توقف العمل المسلح ضد إسرائيل من تلك الفصائل منذ أربعة عقود.
في مقابل هذا الطرح، يقول مؤيدو حمل السلاح داخل المخيمات، إن الهدف حماية اللاجئين الفلسطينيين تخوفاً من التحولات الداخلية في لبنان، أو من هجوم حركات إرهابية، بالإضافة لحفظ الأمن والسلم الداخلي في المخيمات في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكانها، وغياب البنية التحتية ومؤسسات الدولة اللبنانية في تلك المناطق.
علاوة على ذلك، التنافس المحتدم بين تلك الفصائل يدفع كل منها لرفض التخلي عن السلاح والخضوع لسلطة الفصائل الأخرى، خاصة في ظل ظهور مجموعات مسلحة متطرفة تراها كبرى الأحزاب الفلسطينية كتهديد مباشر لها ولأمن المخيمات. ومن وقت لآخر، تنفجر مناوشات أو اشتباكات مسلحة بين بعض تلك الفصائل تنتهي بتفاهمات لوقف إطلاق النار.
في مخيم عين الحلوة عام 2015، ظهر تنظيم الشباب المسلم كفصيل مسلح جديد على الساحة يضم عناصر سابقين من تنظيمات سلفية متطرفة كتنظيم جند الشام، بالإضافة لاستقطاب شبان تنظيمي الحركة الإسلامية المجاهدة وعصبة الأنصار، من الساخطين على قيادات تلك التنظيمات.
يواجه تنظيم الشباب المسلم اتهامات بالانتماء لتنظيم داعش الإرهابي، إلا أن ممثل حركة حماس في لبنان، علي بركة، نفى ذلك الأمر، قائلاً إن الفصائل الفلسطينية لن تسمح بتمدد تنظيمات مثل داعش داخل المخيمات في لبنان.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة