أمن‎

الحياة تعود لرافعات بيروت لكن مخلفات الانفجار باقية

نشر

.

Camil Bou Rouphael

في الرابع من أغسطس ٢٠٢٠ هزّ العاصمة اللبنانية بيروت أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، وقع في العنبر رقم ١٢ من مرفأ المدينة. بعد ٦ أيام، أيّ بـ10 أغسطس 2020، عاد رسميا إلى العمل. ولاحقا، وصلت قدرته التشغيلية إلى 90%.

عندما زرت المرفأ نهاية يوليو ٢٠٢١، في جولة صحافية خاصة في الذكرى السنوية الأولى للفاجعة، كان هناك نحو 22 ألف حاوية قائمة على الأرض، وكانت 4 رافعات فقط من أصل 16 رافعة تعمل، والسبب لم يكن الانفجار وحده، بل عدم القدرة على التصليح بسبب تقاضي الرسوم بالليرة اللبنانية المنهارة.

لكن الآن، وبعد ٣ سنوات من "انفجار نيترات الأمونيوم"، كيف تبدو الحركة التجارية والتنظيمية على أرض المرفأ؟ وهل وطأة انهيار الليرة والانكماش الاقتصادي هي نفس وطأة الكارثة التي حلت خلال أغسطس ٢٠٢٠ على المرفأ؟

مدير المرفأ والدولار النقدي

مدير عام مرفأ بيروت، عمر عيتاني، أكّد في حديث لموقع بلينكس أن المرفأ عاد إلى العمل بكامل قدرته الاستيعابية منذ الفترة الطويلة التي تلت الانفجار، وهذه القدرة حققت رقما قياسيا كان المرفأ قد حققه في فترة ما قبل انفجار ٤ أغسطس.

"قمنا بجميع أعمال الصيانة المطلوبة لعودة عمل المرفأ باستثناء مخلفات الانفجار والخردة التي أنهينا دفتر الشروط الذي سنعمل على إطلاقه في الأسبوعين المقبلين. الصيانة الأولية قمنا بها، أمّا أعمال الصيانة المتبقية فنحن بصدد تحضير دفاتر شروط لإتمامها"، وفق عيتاني.

عاود المرفأ تقاضي رسومه بـ"الدولار الفريش" (أوراق البنكنوت وليس التحويلات البنكية)، وبعدها بدأ المرفأ رفع الرسوم تدريجيا، من رفع بنسبة ١٠٪؜ إلى تقاضي الرسوم كافة بالدولار النقدي، تماشيا مع السوق لتأمين شراء الحاجات والبضائع ودفع مستحقات المتعهدين، وفق عيتاني الذي أورد أن هذه الخطوة أدّت إلى تنشيط عمل المرفأ وقدرته وفعاليته إلى ما كانت عليه قبل الانفجار

"أجرى المرفأ مناقصة لصيانة وتشغيل محطة الحاويات حيث رست على شركة cma cgm الفرنسية اللبنانية، وأجرت جميع أعمال الصيانة لمحطة الحاويات التي تبلغ قيمتها التشغيلية للمرفأ نسبيا نحو ٨٠٪؜، ما أدى إلى استعادة قدرة المرفأ التشغيلية الكاملة"، حسب قول عيتاني.

باتت رسوم المرفأ كلها بالدولار. مصدر الصورة: أ ف ب

الرافعات "كلها اشتغلت"

الرافعات، تلك الآلات الكبيرة التي تعمل على رفع الحاويات المحملة بالبضائع من السفن التجارية إلى أرض المرفأ، والعكس أيضا.

في مرفأ بيروت ١٦ رافعة. لم تتمكن شركة "BCTC"، التي كانت تشغل قسم التفريغ والتحميل في المرفأ خلال الانفجار وبعده، حتى صيف ٢٠٢١، سوى من تشغيل ٤ رافعات منها، روى حينها مسؤولو المرفأ أنهم يعجزون عن تصليح بقيتها جراء تقاضي قسم كبير من المستحقات بالليرة اللبنانية المنهارة، والمردود لا يكفي للتصليح.

كانت حركة التفريغ والتحميل حينها بطيئة، والعمال أضربوا مرارا مطالبين بتصحيح أجورهم بما يتماشى مع التضخم الحاصل.

اختلف الأمر الآن في مرفأ بيروت، وفق ما قال مصدر مسؤول في الشركة الجديدة المشغلة له "CMA CGM"، في حديث لموقع بلينكس، فضل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخوّل من التصريح للإعلام من دون إذن، وأوضح أن أعمال الصيانة في قسم الرافعات والتفريغ والحاويات في مرفأ بيروت انتهت، وعادت الرافعات الـ١٦ جميعها إلى العمل، "فنحن كشركة تعهدنا بدفع ٣٣ مليون دولار على تطوير هذا القسم من المرفأ خلال فترة تشغيلنا لـ١٠ سنوات".

الاقتصاد انفجار جديد

"قمنا بتحسين وضع جميع العمال في قسم التفريغ والحاويات بمرفأ بيروت ولم يعد هناك مشكلة إضراب وتوقف عن العمل"، وفق المصدر الذي أشار إلى أن "الأحوال في المرفأ تحسنت بشكل كبير، إلى حدّ لم يعد هناك أي تأثير للانفجار على قسم الحاويات، بل أنّ الذي يحدّ الإيرادات هي حركة الاستيراد والتصدير التي تلقت ضربة موجعة من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وانكماش الاقتصاد اللبناني".

لم يعد هناك في مرفأ مشكلة انقطاع كهرباء، وفق المصدر عينه، الذي أورد أن الحركة في قسم الرافعات تحسنت إذا ارتفعت خلال سنة، بين ٢٠٢٢ و٢٠٣٣ بنسبة ٣٦٪، أمّا الشحن العابر أو إعادة الشحن، أي شحن بحري من حمولة أو حاوية إلى جهة وسيطة، ثم إلى وجهة أخرى بعد ذلك، زاد خلال الفترة عينها بنسبة فاقت الـ٨٠٪.

كبّدت الأزمة الاقتصادية مرفأ بيروت خسائر مالية كبيرة، تكاد أن تفوق بحجمها تلك الناتجة عن الانفجار، إذا أضفنا إليها انعكاسات "كورونا"، نكون أمام ضربة ثلاثية الأبعاد. فقد انخفض الاستيراد أيضاً بسبب الأزمة التي دمرت القدرة الشرائية لدى المواطنين، فحتى الموادّ الاستهلاكية تدنى استيرادها وأخذ التجّار يبحثون عن البديل الأرخص.

كانت إيرادات المرفأ شهريا نحو 40 مليار ليرة، انخفضت لاحقا إلى الـ30 مليارا، ووصلت في إحد الأشهر إلى الـ12 مليارا، هذا ما أكّده خلال صيف العام ٢٠٢١ مدير المرفأ عمر عيتاني أنّ "المداخيل بالليرة اللبنانية تراجعت نحو 40٪. لكن عندما نأخذ بالاعتبار انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء يكون هذا التراجع أكبر بكثير.

شركة "BCTC" استطاعت بعد يومين من الانفجار أن تشغل رافعتين وأن تفرّغ حمولة سفينة عائدة لشركة "CMA CGM" غادرت المرفأ في 7 آب، ولاحقا في يناير 2021 تمكنت من الوصول إلى تشغيل 12 رافعة، إلّا أنّ الشركة التي دمّر الانفجار عنبرا خزّنت فيه 10 آلاف نوع من قطع الصيانة واحتوى على نحو 100 ألف قطعة صيانة نجا منها القليل، لم تتمكن في صيف ٢٠٢١ سوى من تشغيل ٤ رافعات فحسب". ويذكر أن ٨٢٪ من عمل المرفأ يعود لمحطة الحاويات، التي وصلت إلى ذروة 30 ألف حاوية قبل الانفجار.

الفاجعة الكبرى

في الرابع من أغسطس 2020، دوّى انفجار ضخم في بيروت، أدّى إلى تدمير أحياء بأكملها في العاصمة اللبنانية وأسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وفاقم الانهيار الاقتصادي في البلاد. لكن بعد ٣ سنوات على الحادث الذي يعد من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، يتراجع الأمل في الوصول إلى الحقيقة جراء ضغوط سياسية وقضائية غير مسبوقة تعرقل التحقيق منذ انطلاقه، وفق تقرير لفرانس برس.

فيوم الثلاثاء في الرابع من أغسطس 2020، اندلع حريق لم تعرف أسبابه في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، تلاه بعد دقائق من الساعة السادسة مساء (15:00 ت غ) انفجار هائل. ألحق الانفجار دمارا ضخما بالمرفأ والأحياء القريبة منه، وأودى بحياة أكثر من 220 شخصا وتسبب بسقوط 6 آلاف و٥٠٠ جريح. وبعيد ساعات قليلة من وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم كانت مخزنة بشكل عشوائي في العنبر.

في 6 أغسطس، زار الرئيس الفرنسي، إيمانويل، ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة، ودعا إلى تحقيق دولي في التفجير، وهو ما رفضته السلطات اللبنانية. وبعد ذلك بـ8 أغسطس، تظاهر آلاف اللبنانيين ضدّ المسؤولين السياسيين بعدما حمّلوهم مسؤولية المأساة. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدد من الوزراء تباعا استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حينها حسان دياب في العاشر من أغسطس استقالة حكومته.

اعرف أكثر عن..

أزمة لبنان الاقتصادية

  • عرف لبنان بعد انفجار المرفأ اشتداد الأزمة الاقتصادية، خصوصا خلال العامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢، عندما بدأ تقنين دعم المحروقات الأمر الذي قلل الاستيراد، ووفق الناس في الطوابير لساعات طويلة من أجل الحصول على ليترات قليلة من البنزين التي قفزت أسعارها بمستويات قياسية بعد رفع الدعم.
  • الطوابير امتدت إلى الأفران وأماكن تعبئة الغاز والصيدليات. بعدها شهد الاقتصاد اللبناني المزيد من الدولرة، وباتت الأسعار بالدولار، والشراء لمن لديه القدرة.
  • يشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق بدأ مع امتناع الحكومة اللبنانية عن دفع ديونها المستحقة إلى المصارف، ما ساهم، بالإضافة الى عوامل أخرى، في شحّ السيولة وفرض المصارف قيودا مشدّدة على المودعين وتتالي الأزمات المالية، وصولا الى فقدان الليرة اللبنانية نحو 98٪ من قيمتها.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة