أمن
.
هذه قصة رجلين.. لا تعرفهما على الأرجح، ومن غير المعروف أيضا ما إذا كانا يعرفان بعضهما البعض. لكن المشترك بينهما أكثر من المتنافر، فكليهما يعمل في البحرية الأميركية ولكن في مواقع مختلفة، كما أنهما يحملان أسماء رسمية أميركية، وأخرى صينية.
الاسم الرسمي للأول الذي يبلغ من العمر ٢٢ عاما "جين تشاو وي" ولكن بين الأقران يُعرف باسم "باتريك" الأكثر قربا للثقافة الغربية، أما الآخر فيدعى "وين هينج شاو" ويبلغ من العمر ٢٦ عاما، لكنه يعرف بين الأقران أيضا باسم "توماس".
هذا ليس كل ما يجمع الرجلين، فهما الآن رهن الاعتقال، بعد أن أعلنت السلطات الأميركية في الثالث من أغسطس، أنهما متهمان بنقل أسرار عسكرية من مواقع عملهما إلى الصين رأسا، مقابل الحصول على مبالغ مالية من ضباط استخبارات صينية نظموا عملية التعاون مع كل من الرجلين على حدة.
والآن، بات شيء آخر يجمع الرجلين هو انتظار مصير غامض في أعقاب محاكمة تُعقد بمدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، فيما تجمع السلطات في البلاد شتاتها لتحدد المعلومات التي سُربت بالفعل عبر المحيط، إلى الكتلة الشرقية من العالم.
وجهت الاتهمات لاثنين من البحرية الأميركية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
حتى اللحظة ما تزال جوانب عديد في قضية البحارين غامضة، إذ أنهما يمثلان أمام السلطات القضائية في "قضية منفرة"، وبحسب وكالة أسوشيتد برس، ما يزال من غير المعروف ما إذا كان الثنائي تعامل مع نفس ضابط الاستخبارات الصيني، وما إذا كانا جزءا من شبكة أكبر تُسرب المعلومات، وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بمدينة سان دييغو وكشف فيه النقاب عن القضية، لم يوضح المسؤولون أيضا ما إذا كانا على دراية بما يفعله الآخر، أو حقيقة تواصله مع الاستخبارات الصينية.
لكننا نعرف الكثير عن الرجلين، وما قدماه من معلومات للجانب الصيني.
سُربت كتيبات تقنية وميكانيكية لسفن أميركية مقابل ٥ آلاف دولار. (المصدر: وكالة أسوشتد برس)
ولنبدأ أولا بـ "وي" أو باتريك، الذي وصفته السلطات الأميركية بأنه مواطن مجنّس حديثا، اختار "خيانة" بلده الجديدة بدلا من أن يبلغ رسميا عن محاولة "اتصال غير لائق" من ضابط مخابرات صيني، حسب صحيفة نيويورك تايمز.
يعمل "وي" بالأساس في القاعدة البحرية بمدينة سان دييغو التي تحتضن أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، بالتحديد على متن سفينة برمائية يُطلق عليها اسم "إسيكس"، وبفضل علمه في الميكانيكا حوّل وي تصاريح تمكنه من الوصول لمعلومات أمن قومي حساسة، سخرها في العمل مع الصين منذ العام ٢٠٢٢.
ما الذي قدمه "وي" للمخابرات الصينية إذن؟
معلومات حول السفن الحربية الأميركية وأنظمتها الدفاعية وما تحمل من أسلحة فضلا عن نقاط ضعفها.
ويعتقد أنه في إحدى التبادلات، حصل "وي" على مبلغ قدره ٥ آلاف دولار أميركي مقابل إمداد الصين بمعلومات وصفتها البحرية الأميركية بأنها "معلومات تقنية مهمة" بالتحديد ٣٠ كتيبا تقنيا وميكانيكيا للسفن.
وتعتبر وزارة العدل أن السفن من أمثال إسيكس التي اعتاد "وي" المرور عليها بأريحية، تمثل تمثل حجر الزاوية في الاستعداد البرمائي للبحرية في البلاد.
أما الرجل الآخر في فجوة البحرية المعلوماتية، أو "شاو"، فلم تكن المعلومات التي وفرها للجانب الصيني متعلقة بالأسلحة والمركبات، إنما أنماط استخدامها.
بدءا من أغسطس من العام ٢٠٢١ أمد "تشاو" الضابط الصيني المسؤول عنه بمخططات كهربائية ومخططات أنظمة الرادار في قاعدة عسكرية أميركية باليابان.
أما مخططات تشغيل المناورات العسكرية واسعة النطاق في المحيط الهندي والهادئ، فيعتقد أنها وصلت الصين عن طريق "تشاو" أيضا، بما فيها مواعيد ومواقع تحركات القوات، وعمليات الإنزال وحتى الدعم اللوجستي.
بحسب وكالة رويترز، تلقى "تشاو" أيضا رشوة تقدر بحوالي ١٥ ألف دولار أميركي مقابل صور ومقاطع فيديو تتضمن معلومات عسكرية.
وفر متهم مخططات مناورات عسكرية أميركية لضابط المخابرات الصيني. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
أمام المحكمة الفدرالية في سان دييغو، دفع الرجلان المتهمان بالبراءة، إلا أن ذلك لم يعني بأي حال أن يغادرا مقر المحكمة أحرار، إذ ألقي القبض عليهما ومن المتوقع أن يظلا رهن الاحتجاز حتى جلسة الاستماع التي تُعقد في الثامن من أغسطس الجاري.
وفي حالة الإدانة من المتوقع أن يقضي "تشاو" أو توماس ٢٠ عاما خلف القضبان، فيما يبقى التكهن بعقوبة "وي" أو باتريك أكثر صعوبة، إذ أنه يُحاكم في إطار قانون التجسس.
يخضع المتهمان لجلسة استماع في الثامن من أغسطس الجاري. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
بحسب موقع مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي، أقر قانون التجسس للمرة الأولى في العام ١٩١٧، إبان انضمام الولايات المتحدة لفريق الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، واستهدف القانون بشكل رئيسي مواجهة التصرفات الخطيرة أو غير المخلصة في آونة الحرب.
وتضمنت تلك القائمة من التصرفات محل الشك، الحصول على شفرات أو صور فوتوغرافية أو مخططات أو مستندات بغرض تمريرها للعدو، أو الحصول على معلومات متعلقة بالدفاع بغرض الإضرار بالولايات المتحدة، أو حتى ترويج معلومات كاذبة حول انتصار الأعداء.
أما قائمة العقوبات، فاختلفت حسب توقيت القيام بالجريمة، ففي آونة السلم من الممكن أن يحصل المتهم المدان على حكم بدفع غرامة قدرها ١٠ آلاف دولار أميركي والسجن لمدة ٢٠ عاما، إلا أن الإقدام على الجرائم ذاتها في وقت الحرب قد يقود صاحبه إلى ٣٠ عاما كاملة في السجن، أو ربما الإعدام.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة