أمن‎

"في مكب نفايات".. هكذا يعيش اللاجئون في أجمل مدن إيطاليا

نشر

.

Muhammad Shehada

إن زرت مدينة مدينة ترييستي الإيطالية كسائح، سينتابك شعور السعادة لرؤية مناظرها الطبيعية الخلابة ومعمارها الفني التاريخي ومتاحفها الراقية، والتمتع بشواطئ البحر. لكن إن جئت المدينة الشمالية الواقعة بالقرب من حدود كرواتيا وسلوفينيا طالباً للجوء فستتذوق ألواناً مختلفة من المرارة والقسوة، وستجد نفسك دون مأوى أو مساعدة من الحكومة كما هو حال المئات ممن يفترشون الشوارع والمباني المهجورة في ظروف غير آدمية. فما القصة؟

حشرات وفئران مع اللاجئين

بالقرب من محطة القطار الرئيسية وسط مدينة مدينة ترييستي، يلفت النظر مبنى ضخم يبدو قديماً ومهجوراً وغير صالح للحياة الآدمية، لكنك إن دخلته ستجده ممتلئاً بالخيام، وأشخاص يبدو عليهم الإرهاق والفقر والحاجة. هذه ليست مجموعة من المشردين، بل طالبو لجوء جاءوا إلى إيطاليا من مختلف مناطق النزاعات والحروب في العالم بحثاً عن الأمان.

مدينة ترييستي الإيطالية. ويكيميديا

المكان يقطنه حالياً نحو 350 شخصاً ويسمونه "كاندفالا" ولا يجدون مكاناً أفضل منه بسبب تجاهل السلطات الرسمية لهم وعدم توفير ملجأ مناسب.

بعضهم كان محظوظا ليتمكن من الحصول على خيمة والبعض الآخر يفترش الأرض الرملية. المبنى نفسه شديد القذارة، تملؤه الأتربة والقمامة المبتلة بسبب تسرب الماء من السقف، ويعج بالفئران والثعابين وتصبح الحياة شبه مستحيلة فيه في فصل الشتاء مع تسرب المطر للداخل وشدة البرودة.

القاطنون في المكان علقوا ستائر بدائية من البلاستيك ويفرشون خيامهم بالكراتين الورقية والقماش.

أحد سكان كاندفالا شاب أفغاني يدعى دلبار خان، ينقل عنه موقع بلقان إنسايتس الإلكتروني المتخصص في الصحافة الاستقصائية ويركز على دول البلقان، أنه وصل مدينة ترييستي منذ 40 يوماً وتقدم بطلب لجوء للسلطات الرسمية لكنه اضطر للسكن في المبنى المهجور منذ ذلك الحين. ويقول دلبار إنه يريد فقط مأوى آمن ويرغب في تعلم اللغة الإيطالية ليندمج في المجتمع، ولكنه لا يجد سبيلاً لذلك.

كيف يصلون للمدنية؟

في العادة ترييستي مجرد محطة في طريق طالبي اللجوء العابرين لإيطاليا من مسار البلقان، حيث يعبرون لكرواتيا من شمال البوسنة والهرسك، ثم إلى سلوفينيا أو الشمال الإيطالي، سعياً للوصول لدول أوروبا الغربية. لذلك أصبحت مدينة ترييستي محطة شهيرة لطالبي اللجوء، الذين تقدم بعضهم بطلبات الحماية في المدينة وبعضهم الآخر يطمح لمتابعة الرحلة.

في عام 2021، وصل للمدينة نحو 4000 طالب لجوء ومهاجر، وفي العام التالي وصل 5000 خلال شهري أكتوبر ونوفمبر فقط، بحسب دويتشه فيله.

على سبيل المثال، عبر الشاب الأفغاني أمير، 18 عاما، إلى تركيا قادما من إيران، ومن ثم حاول ورفاقه التسلل لليونان، ولكن حرس الحدود اليوناني اعترضوا طريقهم وأجبروهم على العودة 14 مرة. وفي المرة الأخيرة نجحوا في العبور، ثم تابعوا إلى بلغاريا ونجحوا بالعبور أخيرا، ومن هناك عبروا لصربيا ثم البوسنة.

إيطاليا تخلت عنهم

قاطنو المبنى المهجور يقولون إن السلطات في الغالب تتجاهلهم وأنهم يعتمدون على مساعدة المتطوعين المحليين والمؤسسات الإنسانية للحصول على الطعام والغذاء ومتعلقات النظافة الشخصية. وأما المحظوظون من طالبي اللجوء، فيسكنون في خيام ومباني للكشافة في المدينة، ولكنها شديدة الاكتظاظ.

بحسب رابطة اتحاد التضامن الإيطالي فإن السلطات المحلية لا توفر السكن لجميع طالبي اللجوء، بينما تنقل دويتشه فيله عن عمدة المدينة روبيرتو دي بيازا قوله "إذا قمت بتوفير السكن لعدد معين من اللاجئين، سيأتي المزيد منهم للمدينة. هذه هي المشكلة".

الحكومة الإيطالية تقوم عادةً بنقل من تقبل طلبات لجوئهم في البلاد، لكن الأمر يستغرق مدة طويلة، ما يعني بقاء بعض القادمين في تلك الظروف الصعبة لأشهر طويلة. وقد أعلنت الحكومة الإيطالية في شهر مايو الماضي أنها تدرس إمكانية بناء مأوى لطالبي اللجوء في ترييستي ولكن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً.

لغز اختفاء طالبي اللجوء كالأشباح

ظاهرة غريبة لفتت أنظار المؤسسات الحقوقية في أواخر عام 2020. طالبو لجوء يصلون ترييستي بعد رحلة طويلة وعناء كبير ليتقدموا بطلب الحماية، ويظهرون للمرة الأخيرة بالقرب من محطة قطار المدينة، ومن ثم يصعدون في شاحنة صغيرة ويختفي أثرهم كالأشباح. وبعد أيام، يظهرون في البوسنة كما لو كان الأمر سحراً.

مجموعة من اللاجئين في إيطاليا. أ ب

الوصول للبوسنة يعني شبه استحالة العودة، فحرس الحدود الكرواتي معروف بقسوته في معاملة طالبي اللجوء، ووثقت منظمات حقوقية تعرض بعض الأشخاص الذين حاولوا العبور للضرب والتجريد من الملابس والمتعلقات الشخصية، وقامت الشرطة الكرواتية بربط بعضهم في شجرة والاعتداء عليهم بالعصي والأسلحة، كما وقاموا بحلق رؤوس بعضهم وبخ رؤوسهم بعلامات صليب بحسب صحيفة الغارديان.

على سبيل المثال، أحمد شاب باكستاني وصل ترييستي قادماً من طريق البلقان. وعندما عثرت عليه شرطة المدينة، اقتادوه إلى خيمة وأخذوا بصماته، وطمأنوه من أنه يستطيع التقديم بطلب اللجوء في إيطاليا.

في الخامسة مساءً، طُلب من أحمد ركوب شاحنة صغيرة وعندما خرج منها وجد نفسه في سلوفينيا في أيدي الشرطة الذين وضعوه في مركز احتجاز طوال الليل ومن ثم وضعوه في شاحنة صغيرة أخرى وسلموه للشرطة الكرواتية التي اقتادته للحدود مع البوسنة وتركوه هناك، وفقاً لمنظمة ISPIA البوسنية غير الحكومية.

هذه الآلية في طرد طالبي اللجوء بشكل تمارسها السلطات الإيطالية بسرية، لإن ميثاق الاتحاد الأوروبي يحظر عليها ترحيل اللاجئين إلى دول أخرى قبل فحص طلبات لجوئهم. وعند مواجهتها، قالت وزارة الداخلية الإيطالية بأن لديها اتفاقاً ثنائياً قديما مع سلوفينيا قبل انضمام الأخيرة للاتحاد الأوروبي يسمح لها بترحيل المهاجرين بهذه الطريقة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة