أمن
.
يقف عمر الجميلي، مواطن عراقي، أمام ما تبقى من أطلال منزله المهدم في عامرية الفلوجة بحسرة، تؤلمه إعاقته وكذلك فقدانه أخيه جراء لغم خطف الفرحة من حياته وحياة عائلته.
بعد انتهاء معارك التحرير وطرد عناصر تنظيم داعش من الأنبار، أُجبر عمر على ترك المخيم والعودة إلى منزلهم في عامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار لانتفاء سبب بقائهم في المخيم وابلاغهم بسيطرة القوات الأمنية وعودة الأوضاع الى طبيعتها.
وصل عمر وعائلته إلى منزلهم القديم وعند البدء بتنظيفه لم يشعر إلا بانفجار لغم مزروع داخل المنزل. غاب عن الوعي، وعقب استيقاظه في المستشفى وجد نفسه وقد فقد أجزاء من يديه وقدمه، وكذلك خسر شقيقه الذي توفي في الانفجار، فضلا عن خسارة منزلهم.
عمر يعاين أطلال بيته المهدم. الصورة: أسعد حسين، بلينكس
تركت الحروب العديدة التي شهدها العراق، إرثا ثقيلا من الألغام والمخلفات الحربية من بين الأكبر على مستوى العالم، بأرقام تصل إلى نحو ٢٠ مليون لغم أرضي، ٦ ملايين منها غير منفجرة بعد، بخلاف ملايين أخرى من المقذوفات والذخائر غير المتفجرة، فآلاف الكيلومترات على امتداد البلاد مليئة بالألغام والمخلفات الحربية التي تهدد حياة العراقيين وتخطف أرواح كثر.
لم يكن عمر وشقيقه مَن باغت اللغم حياتهما وعطلها فملايين العراقيين يعيشون منذ أكثر من ٤ عقود تحت رحمة بقايا الألغام والمخلفات الحربية التي حصدت أرواح آلاف منهم في الكثير من المحافظات العراقية وبالأخص الحدودية منها.
تشير احصائيات حكومية إلى وقوع أكثر من 10 آلاف قتيل و25 ألف إصابة خلال العقدين الأخيرين نتيجة انفجار الألغام والمخلفات الحربية، فيما كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، العام الماضي عن تعرض 519 طفلا عراقيا للموت أو الإعاقة بسبب المخلّفات الحربية خلال الخمس السنوات الأخيرة، أكثر من 80% منهم من الذكور.
تقدر الأمم المتحدة المقذوفات غير المنفجرة في العراق بـ50 مليون مقذوف، بين ألغام أرضية و فيما تتوزع أقدم المقذوفات الحربية على الشريط الحدودي الشرقي للبلاد والتي خلفتها حرب الثمان سنوات مع إيران، وبعدها حرب الخليج الثانية عام 1991، بالإضافة إلى تأثيرات ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، لكن أحدث هذه التأثيرات، في المناطق الغربية والشمالية بعد الحرب التي خاضها الجيش العراقي مع تنظيم داعش منتصف 2014 وصولا إلى 2017.
في 12 من أكتوبر من العام 2020 صنّفت الأمم المتحدة العراق على أنها واحدة من أكثر دول العالم تلوثا بالألغام، حيث تبلغ المساحة الملوثة بالألغام، 3 مليارات متر مربع، وكشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت سابق أن 8.5 ملايين عراقي يعيشون وسط الألغام والمخلفات الحربية المميتة غير المنفجرة.
قالت متحدثة اللجنة في العراق هبة عدنان في بيان إن "المخلفات الحربية القابلة للانفجار توجد على امتداد ما يزيد عن 3 آلاف و200 كيلومتر مربع من الأراضي، أي ضعف مساحة مدينة لندن"، مشيرة إلى أن "الألغام والمخلفات الحربية تسببت في سقوط نحو 700 ضحية بين عامي 2018 و2020.
يقول مدير الإعلام والتوعية في دائرة شؤون الألغام التابعة لوزارة البيئة مصطفى حميد أن العراق كان من المفترض أن يحسم ملف الألغام المضادة منذ عام 2018، وفق 3 اتفاقيات دولية، إلاّ أنّ الأزمات الأمنية والسياسية حالت من دون ذلك، بحسب حميد. كما تلزم هذه الاتفاقيات حسم ملف الذخائر العنقودية والعبوات الناسفة بحلول 2025، في حين يمثل ضعف التمويل والدعم البشري أبرز العوائق للانتهاء من خطر الألغام بالشكل الصحيح.
حميد كشف لبلينكس أن محافظة البصرة التي تقع أقصى جنوبي العراق عند حدوده الجنوبية مع الكويت والسعودية وإيران من أكثر المدن على مستوى العالم تلوثا بالألغام، موضحا أن نحو ألف و200 كيلومتر مربعة ملوثة بالألغام، يضيف "حجم التلوث في العراق وصل إلى ٦ آلاف كيلومتر، وأننا أزلنا 50% منها فقط".
رغم كل الحملات الحكومية والدولية خلال السنوات الماضية لإزالة الألغام، إلا أن مساحة الأراضي التي تغطيها الألغام والمخلفات الحربية تصل إلى ٢١٠٠ كيلومتر مربع في عموم البلاد بحسب صفاء الحسيني مدير عام دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة.
أعلن الحسيني انطلاق الاستراتيجية الوطنية للألغام خلال السنوات الـ٥ المقبلة بالتعاون مع منظمات دولية للانتهاء من مخاطرها على حياة العراقيين وبيئتهم، مؤكدا في تصريحات لبلينكس أن الاستراتيجية وضعت بالتعاون مع مركز جنيف الدولي للألغام ودعم السفارة الألمانية في العراق وهدفها الأهم هو جعل العراق خاليا من الألغام بشكل كامل بحلول العام 2028.
وتتضمن الاتفاقية بحسب الحسيني إطلاق الأراضي بعد تطهيرها والتوعية بالألغام ومخاطرها ومساعدة ضحايا الألغام والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق لجعل البلاد خالية من الألغام والمخلفات الحربية في العام ٢٠٢٨.
يشرح مختصون وجود تحديات جغرافية ومالية أمام أهداف هذه الاستراتيجية. نيازي خالد نائب رئيس مؤسسة شؤون الألغام في إقليم كردستان يقول إن جغرافية الأماكن التي توجد بها الألغام معقدة للغاية وتربتها صلبة تحتوي الكثير من المعادن، ما يجعل من عملية التطهير صعبة وبطيئة.
يلفت خالد، إلى عائق أكبر يتمثل في انخفاض الدعم الحكومي، وأن المخصصات الحكومية لتطهير الألغام العراقية نحو ٢٠ مليار دينار (١٥ مليون دولار أميركي).
تعترف وزارة البيئة بحاجتها لمخصصات مالية أكثر لتحقيق أهداف الاستراتيجية، بحسب تأكيد كاميران علي حسن وكيل وزارة البيئة، والذي يؤكد أن وزارته بحاجة لميزانية أكبر لإنهاء معاناة العراقيين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة