أمن
.
الأمر يبدو كأحد أفلام الخيال العلمي عن المستقبل المظلم، لكنه ليس خيالاً ولا مستقبلاً. طائرات مسيرة تحمل كميات كبيرة من المخدرات والسلاح والمواد المتفجرة تغزو سماء الحدود الأردنية السورية وتؤرق السلطات الرسمية منذ زمن.
فخلال نحو 72 ساعة، اعترضت قوات حرس الحدود الأردني طائرات محملة بمتفجرات ومواد مخدرة، كانت تلك أحدث المحاولات، سبقتها العشرات التي نجحت السلطات الأردنية في إحباطها وأعلنت عنها، بخلاف ما قد يمرّ دون ضبط أو إعلان. فما قصة الحرب الدائرة بين المهربين والسلطات الرسمية في تلك المناطق الحدودية؟
يوم الأربعاء ١٦ أغسطس، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية إسقاط طائرة مسيرة محملة بمادة TNT داخل الأراضي الأردنية في عملية مشتركة بين أجهزة حرس الحدود، ومكافحة المخدرات وقوات عسكرية، بحسب سي إن إن. يوم الأحد ١٣ أغسطس اعترضت السلطات الأردنية مسيرة أخرى محملة بمخدر الكريستال ميث شديد الخطورة قادمة أيضاً من الحدود السورية.
سبق ذلك حادثين مشابهين قبل شهر أيضاً، حيث اعترضت الأردنية طائرة مسيرة محملة بالسلاح وأخرى محملة بالمخدرات خلال ثلاثة أيام أيضاً. وفي شهر فبراير، أسقطت الأردن طائرة درون محملة ببندقية وقنبلة بحسب فرانس ٢٤.
المشهد يبدو كساحة الحرب. فالأجهزة الأمنية الأردنية تخوض مواجهات شبه يومية ضد عصابات تهريب السلاح والمخدرات والمواد الممنوعة الأخرى، والذين يعكفون على ابتكار حيل جديدة لتفادي اعتراض البضاعة المهربة. فالطرق التقليدية في إخفاء الممنوعات في حقائب والأمتعة وصناديق البضائع والنقل يبدو أنها لا تؤتي أكلها. لذلك، لجأ المهربون لاستخدام طائرات الدرون باعتبارها خياراً أقل تكلفة وأكثر أمنا لمشغل الطائرة بالإضافة لحيل أخرى.
الأردن يُعتبر دولة ترانزيت أكثر من كونه دولة مستهدفة لبيع تلك الممنوعات بداخله. فهي عادة تمر من الأراضي الأردنية نحو العراق ودول الخليج العربي لتباع بأضعاف ثمنها المحلي في سوريا.
رقم عملاق أعلنته الحكومة البريطانية في العام الماضي قالت بأنه يمثل أرباح سوريا من إنتاج الكبتاغون، حيث كان ذلك الرقم 57 مليار دولار أي ما يعادل ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات المكسيكية، بينما تورد تقارير أخرى بأن حجم تجارة الكبتاغون بلغ سنوياً نحو 10 مليارات دولار.
تقول صحيفة سبكتاتور بأن نحو 90% من تجارة الكبتاغون تأتي من سوريا، وهو عقار منبه قوي للجهاز العصبي، تم تصنيعه من قبل شركة Degussa AG الألمانية في عام 1961 كبديل أكثر اعتدالا لمادة الأمفيتامين المنشطة لعلاج قصور الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال، ومرضى الاكتئاب، والأمراض العصبية الناتجة عن اختلال تنظيم دورة النوم.
أدرجته منظمة الصحة العالمية كأحد الممنوعات ومسببات الإدمان عام 1986 ما دفع معظم دول العالم إلى حظره.
الوضع الأمني المتدهور للبلاد وسط الحرب الأهلية والصراع، بالإضافة للفقر وانهيار البنية التحتية في بعض أنحاء سوريا والعقوبات الدولية التي تعزل البلد عن المنظومة الاقتصادية العالمية جميعها أسباب ساهمت في انتعاش إنتاج الممنوعات وتهريبها نحو باقي بلدان الوطن العربي ودول جنوب أوروبا بكميات ضخمة. وتعد لبنان والأردن والعراق أبرز دول الترانزيت للمهربين لنقل تلك البضائع.
في العام 2020، ضبطت الأردن ما يقارب 1.4 مليون حبة كبتاغون، وتضاعف هذا الرقم لعشر أضعافه في العام التالي حيث أحبطت السلطات الأردنية تهريب 15 مليون حبة.
في العام التالي تصاعدت محاولات التهريب بشكل كبير، حيث ضبطت الحكومة في غضون أسبوعين فقط حوالي 5.5 مليون حبة. وفي غضون 6 أسابيع، كانت الحكومة الأردنية قد صادرت ما يزيد عن 16 مليون حبة، أي أكثر من مضبوطات العام السابق بأكمله. هذا بالإضافة لعشرات آلاف الكيلوغرامات من الحشيش المضبوطة في السنين الثلاث الماضية، ومئات قطع الأسلحة وآلاف أنواع الذخائر بحسب سي إن إن، وفرانس ٢٤.
في العام 2021، أطلعت الحكومة الأردنية وزير الدفاع السوري أثناء زيارته لعمان على صورة التحديات التي تواجهها الأردن في المنطقة الحدودية، وحملوه رسالة مفادها أن الأردن ستتصرف بطريقتها إذا لم تتحرك الحكومة السورية.
وفي شهر مايو الماضي، استضافت الأردن اجتماعاً جمع ممثلين من سوريا وعدة حكومات عربية للعمل على إيقاف عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود. ومن ثم طلب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من الرئيس السوري بشار الأسد تأسيس منتدى إقليمي للتعاون في منع انتشار وتهريب الممنوعات، واستضافت الأردن أولى اجتماعات ذلك المنتدى في شهر يوليو الماضي.
وفي شهر يناير من العام الماضي، أعلنت السلطات الأردنية تغيير قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية مع سوريا، وهي القواعد الضابطة للحالات التي يُسمح فيها لقوات حرس الحدود بإطلاق النار في اتجاه أي تهديد أو شخص أو جسم مشتبه به. وجاء ذلك الإعلان على وقع شن الجيش الأردني عملية قتل فيها نحو 27 مهرباً، وفقاً لسي إن إن، فيما توعدت القوات المسلحة الأردنية "بالضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بالأمن الوطني."
كانت أبرز الحملات الصارمة التي شنتها الأردن هي القيام بغارات جوية داخل الأراضي السورية في شهر مايو الماضي على مصنع للمخدرات ومنزل أحد أكبر تجار الممنوعات بحسب السلطات الأردنية، مرعي الرمثان، والذي لقي مصرعه في القصف بالإضافة لزوجته وأطفالهما.
جاء ذلك القصف بعد يوم واحد من اعتراض القوات الأردنية محاولة كبرى في المنطقة العسكرية الشرقية لتهريب 1.2 مليون حبة كبتاغون مخدرة، وخمس بنادق نارية، 500 فرش حشيش، و400 شريط بريجابالين المستخدم لعلاج في أمراض الصرع. وفي نفس الوقت عثرت السلطات على نحو 300 ألف حبة كبتاغون في المنطقة الشمالية ونصف كيلوغرام من مخدر الكريستال ميث وثلاث بنادق.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة