أمن
.
يلف الغموض مجموعة فاغنر العسكرية، بعد مقتل زعيمها، يفغيني بريغوجين، إثر تحطم الطائرة التي كانت تنقله الأربعاء. فبعد فشل تمردها في يونيو، تلقت مجموعة المرتزقة صفعة جديدة، أمس، لم تنته بمقتل بريغوجين بل أيضا بوفاة ساعده الأيمن، ديمتري أوتكين.
فما مصير المجموعة المسلحة الآن التي لا تنحصر أعمالها في روسيا بل أيضا في آسيا وأفريقيا؟
زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين
في أكتوبر 2019، اعتقد خطأ أن بريغوجين مات بعد تحطم طائرة عسكرية من طراز An-72 وعلى متنها 8 أشخاص، ولكنه عاد إلى الظهور لاحقا بصحة جيدة.
لذلك، مساء الأربعاء 23 أغسطس، رغم إعلان وكالة الطيران المدني الروسية إن بريغوجين، كان على قائمة ركاب الطائرة الخاصة التي تحطمت، لم يكن هناك تأكيد رسمي على أنه استقل الطائرة أو أنه من بين القتلى. لذلك لم تعلنه الوسائل الإعلامية ميتا، بل ترددت قبل نقل الخبر.
وقالت وكالة أنباء إنترفاكس الروسية على تطبيق تلغرام إن رفات جميع الأشخاص العشرة الذين كانوا على متن الطائرة انتشلت، لكن لم تُعلن هوياتهم بعد. ولم يؤكد المسؤولون الروس والأميركيون وفاة بريغوجين فورا، وحذرت قناة تلغرام مرتبطة بمجموعة فاغنر من نشر "بيانات ورسائل لم يتم التحقق منها" حول مصير قائدهم.
وحث الخبراء أيضا على توخي الحذر، حيث كان من المعروف أن بريغوجين لديه جوازات سفر عدة ومجموعة أشخاص مشابهين يسافرون مكانه، حسب ما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
في أكتوبر 2019، اعتقد خطأ أن بريغوجين مات بعد تحطم طائرة عسكرية
لكن، تبين أن الخبر صحيح، وبريغوجين توفي إثر تحطم الطائرة، مع مساعده أوتكين، تاركا مجموعة فاغنر لمصيرها الغامض.
ومساء الإثنين، ظهر بريغوجين في مقطع فيديو نشرته مجموعات قريبة من فاغنر على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيه إنّه موجود في أفريقيا ويعمل على "جعل روسيا أعظم في جميع القارات وضمان مزيد من الحرية في أفريقيا".
وكان ذلك أول ظهور لبريغوجين منذ أن قرّر وقف تمرّده ضدّ الحكومة الروسية في يونيو الماضي. وبدا بريغوجين في الفيديو مسلّحًا ويرتدي ملابس عسكرية في منطقة صحراوية.
وقال في الفيديو الذي بُثّ على حسابات في تطبيق تلغرام مقربة من مجموعته، "نحن نعمل! درجة الحرارة +50، مثلما نحبّها تماما. مجموعة فاغنر تنفّذ مهمة استطلاعية، وهذا يعزّز عظمة روسيا في جميع القارات ويضمن مزيداً من الحرية لإفريقيا".
منذ انتهى تمرّد الـ24 ساعة الذي نفّذه في روسيا، لم يتواصل بريغوجين مع العالم سوى عبر رسائل صوتية بُثّت على تلغرام، وذلك خلافا لما اعتاد أن يفعل عندما كان في أوكرانيا حين كانت وسيلته المفضّلة في التواصل الإعلامي هي تسجيلات الفيديو.
بريغوجين توفي إثر تحطم الطائرة مع مساعده أوتكين
وعن مستقبل مجموعة فاغنر العسكرية بعد مقتل بريغوجين، اعتبر استشاري الأمن الدولي والدفاع، سيد غنيم، أنه يرتبط بالتصريحات الروسية الرسمية بعد انتهاء التمرد مساء 24 يونيو باتّفاق ينصّ على مغادرة بريغوجين إلى بيلاروس، وخُيّر مقاتلوه بين الانضمام إليه هناك أو الالتحاق بالجيش الروسي النظامي أو العودة إلى الحياة المدنية. وفي حين استقر بعض مقاتلي فاغنر في بيلاروس حيث عملوا خصوصاً "مدرّبين" لجنودها، ظلّ مكان بريغوجين مجهولا وقتها.
الآن المقاتلين في فاغنر، حسب غنيم أمام خيار إما البقاء في المنفى أم الانضمام إلى الجيش الروسي الرسمي أو العودة إلى الحياة المدنية.
ولا يستبعد غنيم أن الحادثة مدبر لها من قبل القيادة الروسية، وأن القائد الجديد لفاغنر جاهز، فإنه في المقابل شدد على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحتاج إلى المجموعة المسلحة وإلى خبراتها. وهو سعي إلى إضعافها لأقصى الحدود بعد قتل عامودها الفقري وخنقها خارج البلاد. ويريد وضعها بشكل كامل تحت قيادته، بالتوازي مع خنق قياداته العسكرية.
تحطّم الطائرة يأتي في نفس اليوم الذي أعلنت فيه موسكو أنّ الجنرال سيرغي سوروفيكين أُعفي من مهامه
في المقابل يحذر غنيم من أن القادة في الجيش الروسي الذين يتعاطفون بريغوجين من دون إعلان ذلك سيعتبرونه بطلا، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انشقاق في صفوف الجيش.
فتحطّم الطائرة، يأتي في نفس اليوم الذي أعلنت فيه موسكو أنّ الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائد القوات الجوية الروسية وأحد أبرز ضباط الجيش، أُعفي من مهامه.
وجمعت صلات وثيقة بين الجنرال سوروفيكين الذي اشتهر بصلابته وقسوته، ومجموعة فاغنر. وسرت شائعات منذ أسابيع عن عزله في أعقاب تمرّد المجموعة. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نقلًا عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن سوروفيكين كان على علم مسبق بتمرّد بريغوجين وأنّه قد يكون اعتُقل. لكنّ الكرملين نفى المعلومات الواردة في التقرير، من دون أن يلغي ذلك الغموض الذي يلفّ مصيره.
هناك العديد من المجموعات والميليشيات العسكرية التي اختفى قادتها أو اغتيلوا، وتركت من دون قيادة في مختلف أنحاء العالم. بعض الأمثلة تشمل:
سمح النزاع في أوكرانيا لبريغوجين بفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، لكنّ الملياردير الحليق الرأس أصبح عدواً للرئيس فلاديمير بوتين منذ قاد تمرّداً فاشلاً ضدّ القيادة العسكرية في موسكو في يونيو، وفق ما نقلت فرانس برس في تقريرها.
الأربعاء كان بريغوجين واحدا من ضمن عشرة أشخاص قتلوا في تحطّم طائرة خاصة في روسيا. وتجاوز هذا الرجل المتهوّر الذي يصعب التنبّؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرّر الانقلاب على سيّد الكرملين.
وفي 24 يونيو، وهو اليوم التالي لبدء تمرد فاغنر، أدان الرئيس الروسي "خيانة" يفغيني بريغوجين التي عزاها إلى "الطموحات المفرطة والمصالح الشخصية". وكان بريغوجين قد أعلن أنه استولى من "دون إطلاق رصاصة واحدة" على مقرّ الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف في اليوم السابق معسكرات مجموعته.
ثم حبس العالم أنفاسه عندما زحف رجاله "المستعدون للموت" نحو موسكو، وأسقطوا طائرات للجيش الروسي، حسب فرانس برس. لكن في النهاية، تراجع زعيم المرتزقة البالغ من العمر 62 عاما عن تمرّده بعد 24 ساعة على انطلاقه، وتفاوض على الذهاب الى منفى في بيلاروس مع رجاله، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن.
ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى أنه تم استقباله في الكرملين في الأيام التي تلت التمرد. وفي حين أنه لم يظهر علنا، تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته.
وفي النهاية، ظهر مساء الإثنين 21 أغسطس في مقطع فيديو قال فيه إنه يعمل في أفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة حيث ينفّذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
هناك العديد من المجموعات والميليشيات العسكرية التي اختفى قادتها أو اغتيلوا
في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا وسوريا.. عُرفت فاغنر التي لم يعترف الكرملين بوجودها حتى نهاية عام 2022، منذ 10 سنوات على أنها شريك لأنظمة تريد التخلص من رعاتها الغربيين أو تبحث عن مقاتلين متكتمين ولا يرحمون.
وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، وفق فرانس برس.
قام بتجنيد عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة حيث واجه الجيش الروسي صعوبات. وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، تواجد بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
في مايو 2023 بعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق اوكرانيا محتفيا بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك في ما بعد. لكن خلال هذه المعركة أيضا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة