أمن‎

صراع عربي كردي في شمال شرق سوريا

نشر

.

Camil Bou Rouphael

يقرأ بعض المتابعين بخطوة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في هذا التوقيت، أنها تصعيد خطير في سوريا، هدفه إضعاف المدّ العشائري وإعادة ترتيبه في دير الزور، وحشد قبيلة الجبور غير المسبوق ضدّ الجيش السوري بالحسكة.

واندلعت اشتباكات، الإثنين، بين جماعتين تدعمهما الولايات المتحدة في شرقي سوريا مما أسفر عن مقتل ٣ مسلحين وإثارة التوترات في المنطقة.

وجاءت الاشتباكات بعد يوم من اعتقال قسد، التي يقودها الأكراد، قائد مجلس دير الزور العسكري، الحليف لها في السابق، أحمد الخبيل، المعروف باسم أبو خولة، وعدد من الأعضاء الآخرين في فصيله بعد دعوتهم لحضور اجتماع في مدينة الحسكة بشمال شرقي البلاد الأحد. ولم تؤكد قسد اعتقال المسؤول الذي تحالف معها في معركتها المستمرة منذ سنوات ضدّ داعش في سوريا.

فماذا نعرف عن الاشتباكات بين الحليفين؟ وماذا عن توقيتها الآن؟

جاءت الاشتباكات بعد يوم من اعتقال قسد، قائد مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل. مصدر الصورة: أ ب

صدام وشيك

مراسل شبكة ديرالزور ٢٤ قال إن قسد دعت الخبيل لاجتماع في مدينة الحسكة واعتقلته، وحاصرت المجموعة المرافقة له والتي يترأسها شقيقه جلال الخبيل. وبالتزامن مع هذه الأحداث أعلنت قسد بشكل مفاجئ أنها بدأت حملة عسكرية في دير الزور، وصفتها بـ"عملية أمنية لملاحقة خلايا داعش في دير الزور".

الجدير ذكره، وفق ديرالزور ٢٤، أن مظاهر تسليح وقطع طرق بدأت تظهر في مناطق عدّة في مؤشر لصدام وشيك مع قسد.

الكاتب في القضايا الاستراتيجية، سامر الأحمد، أشار على منصة X، تويتر سابقا، إلى أن "قسد تحاول القضاء على قوة ونفوذ مجلس دير الزور العسكري، ولكن لا يمكن الجزم بنجاحها بانتظار ردّ فعل عشائر المنطقة التي تشكل الحاضن الشعبي للمجلس وقيادته".

الأحمد اعتبر أيضا أن "خطوة قسد تأتي بعد حديث متكرر عن مخطط أميركي للهجوم على ميليشيات إيران في البوكمال بالاعتماد على أبناء العشائر، وخشية قيادة قسد من تفعيل دور عشائري مع حديث عن رفض قيادات حزب العمال الكردستاني للمشاركة في أيّ عمل ضدّ الإيرانيين"، لافتا إلى أن "خطوة قسد جاءت بالتزامن مع انشغال السوريين بحراك شعبي ضدّ (الرئيس السوري بشار) الأسد وخصوصا في السويداء ودرعا والشمال السوري، (..) بذريعة ملاحقة خلايا داعش أو فرار عناصر من سجن الصناعة في الحسكة".

انقسامات بين الأكراد والعرب

تثير الاشتباكات مخاوف من حدوث مزيد من الانقسامات بين المقاتلين الأكراد والعرب المدعومين من الولايات المتحدة في شرقي سوريا المتاخم للعراق وحيث كان تنظيم داعش يتمتع ذات يوم بوجود واسع النطاق. ويلعب المقاتلون المدعومون من الولايات المتحدة دورا رئيسيا في استهداف الخلايا النائمة لداعش التي لا تزال تنفّذ هجمات مميتة، وفق وكالة أسوشيتد برس.

رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقرّه بريطانيا، رامي عبد الرحمن، أفاد أن قسد تشعر بالقلق من أن الخبيل يفتح خطوط تواصل مع الحكومة السورية وكذلك تركيا، التي نفذت قواتها توغلات عدة استهدفت المقاتلين الأكراد شمال سوريا منذ عام 2016.

وربما يؤدي اعتقال الخبيل إلى زيادة التوتر بين الأكراد والعرب لأنّ معظم أنصاره الذين اعتقلوا أيضا ينتمون إلى قبيلة قوية في شرق سوريا. وفي يوليو، أدّى اشتباك بين الجانبين إلى مقتل مقاتل عربي واحد على الأقل، حسب الأسوشيتد برس.

وتحدث عدد من نشطاء المعارضة، الإثنين، عن وقوع اشتباكات بين الجانبين في قرى دير الزور. وقال المرصد والناشط عمر أبو ليلى المقيم في أوروبا والذي يتابع الأحداث في المنطقة، إن ٣ أعضاء في مجلس دير الزور العسكري قتلوا. وقال نشطاء آخرون إن رجال العشائر العربية الغاضبين قطعوا الطرق في المحافظة احتجاجا على قسد.

وأفاد المرصد أيضا أن عناصر من قوات الشرطة الكردية المعروفة باسم الأسايش اقتحموا مكاتب شبكة باز الإخبارية، وهي مجموعة ناشطة، واعتقلوا ٥ مواطنين صحفيين من بينهم رئيس الشبكة. وقال المرصد إن الشبكة يمولها الخبيل، وأفادت شبكة باز الإخبارية في بيان لها أن المقاتلين الأكراد احتجزوا صحفييها وصادروا معداتهم وسيطروا على مكاتب الشبكة.

هناك ما لا يقل عن 900 جندي أميركي في شرق سوريا، إلى جانب عدد غير معلوم من المقاولين. وهم يتعاونون مع قسد للعمل على منع عودة داعش.

تثير الاشتباكات مخاوف من حدوث مزيد من الانقسامات بين المقاتلين الأكراد والعرب. المصدر: أ ب

"تحت الحصار"

تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا مصورا لجلال الخبيل، شقيق أحمد، وهو يحمل سلاحا فرديا داخل سيارة، وتحدث عن حصار فرضته "قسد" على قادة "المجلس" بعد دعوتهم لاجتماع في قاعدة "الوزير" بالحسكة. وأضاف أن "أبو خولة" اعتقل بعد دخوله لحضور اجتماع مع "قسد" في القاعدة نفسها، مشيرا إلى أن قادة "المجلس" لن يسلموا أنفسهم، واتخذوا خيار القتال. كما طالب الخبيل أبناء عشيرته "العكيدات" في دير الزور بمهاجمة وحصار حواجز "قسد".

الصحفي من دير الزور، زين العابدين أفاد أن "قسد" اتجهت لإرسال قوات عسكرية إلى المحافظة ومناطق انتشار "مجلس دير الزور العسكري"، بعد اعتقال ومحاصرة قادة الصف الأول. وأوضح زين العابدين عبر موقع التواصل X أن "الأمور تسير لصالح قسد، بعد استقدامها تعزيزات غير مسبوقة من الحسكة والرقة".

إذ "تمكنت من حصار ناحية الصوّر ناريا (معقل أبو خولة)، وقطع طريق مرگدة ــ الصوّر شمالا، إضافة لقطع طريق العزِبة شرقا".

وفي الريف الغربي لدير الزور بسطت "قسد" سيطرتها على عموم المنطقة من الكسرة وصولاً لدوار المعامل والذي شهد اشتباكات بين المجلس وقسد". وتحدث الصحفي السوري عن "إقدام قسد أيضا على اعتقال خليل الوحش قائد ساحة الكسرة في قوات مجلس دير الزور العسكري، واحتجازه في قاعدة حقل العمر".

عصيان في السجن

المرصد السوري لحقوق الإنسان روى أنه في حين شنت قوى أمنية وعسكرية حملة اعتقالات طالت قيادات في مجلس دير الزور العسكري، في مدينة الحسكة، بعد توقيف أبو خولة في استراحة الوزير، وتزامنا مع حملة الاعتقالات وإطلاق الرصاص، استغل المساجين في غويران الفوضى، ونفذوا عصيانا، مما دفع بالقوات الأمنية للانتشار في محيط السجن، لمدة ساعتين في حين انتهى العصيان وانسحبت التعزيزات من محيط السجن.

وتوجهت قوات عسكرية ضخمة تابعة لـ"قسد" من الرقة إلى ريف دير الزور. وفي السياق ذاته، أعلنت القوى الأمنية عن حظر للتجوال في ريف دير الزور، تمهيدا لاقتحام القرى والبلدات ضد الرافضين إقالة قائد مجلس دير الزور العسكري. ويتهم قائد مجلس دير الزور العسكري، بتجنيد نحو ألف عنصر عشائري خاص، خارج تشكيلات قوات سوريا الديمقراطية، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

في الريف الغربي لدير الزور بسطت "قسد" سيطرتها على عموم المنطقة. مصدر الصورة: أ ب

اعرف أكثر

محاربة داعش

تستخدم قسد حاليا ذريعة إطلاق عملية أمنية ضدّ داعش وأشخاص يتعاملون معه في مناطق بريف دير الزور. وقالت في بيان لها نشرته عبر موقعها الرسمي، "نظرا لما مرّت به منطقة دير الزور من عمليات إرهابية استهدفت السكان ووجهاء المنطقة والقوات الأمنية من قبل خلايا تنظيم داعش فقد أطلقت قواتنا بدعم ومساندة قوات التحالف الدولي عملية "تعزيز الأمن" في منطقة دير الزور".

وأوضحت أن هذه العملية هي إحدى المراحل المتقدمة بمحاربة داعش، وستقود العملية “قسد” بدعم ومساندة قوات التحالف الدولي ضد داعش، وستستمر العملية حتى تحقق الأهداف المحددة لها.

العلويون الجدد

سبق لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن تحدثت في تقرير عن الصراع الكردي-العربي على النفوذ في شمال شرق سوريا. فالقضاء على داعش ككيان جغرافي في مارس 2019، أتاح لقسد، التي تُشكّل مظلة للمقاتلين الأكراد والعرب، السيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد.

وحسب كارنيغي فإن الواقع بشمال شرق سوريا يكشف أن "وحدات الحكومة المنتخبة هي بصورة أساسية عبارة عن وسيلة لتوزيع الخدمات وجمع المعلومات والسيطرة على السكان والإيحاء ظاهريا بالمشاركة الشعبية. فصناعة القرار لا تزال مركَّزة في أيدي الكوادر، أي كبار العناصر في حزب العمال الكردستاني، من رجال ونساء، الذين تدرّبوا في جبال قنديل وأدّوا دورا ناشطا في التمرد ضدّ تركيا أو في التعبئة باسم حزب العمال الكردستاني في أوروبا. هؤلاء الأشخاص هم سوريون بمعظمهم، لكنهم غادروا منازلهم قبل عقود للانضمام إلى حزب العمال الكردستاني. وفي أعقاب إنشاء إقليم روج آفا ذي الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا عام 2012، مع انسحاب الجيش السوري من المنطقة من أجل التصدّي لتقدّم الثوار".

وجاء أيضا في تقرير المؤسسة أنه رغم البراغماتية التي يتحلى بها الكوادر واستعدادهم لتغيير سياساتهم ومقارباتهم وتكييفهم بحسب الاحتياجات، يُبدي هؤلاء رفضهم للتخلي عن السلطة. فهم مَن يتولون عادة اتخاذ القرارات الكبيرة والصغيرة في المناطق ذات الأكثرية الكردية والعربية على السواء.

"وفي حين عُيِّن العرب في مناصب عسكرية ومدينية قيادية في جميع المناطق ذات الأكثرية العربية، يتخذ الكوادر الذين يوصَفون بأنهم "مستشارو" القادة العرب المحليين، معظم القرارات، ويتجاوزون أحيانا العرب المكلَّفين رسميا بالمسؤوليات والمهام. ويصف أحد النشطاء في دير الزور الكوادر الأكراد في الهيئات التي يتولى العرب رسميا قيادتها، بأنهم "العلويون الجدد"، في إشارة إلى الطائفة التي ينتمي إليها أقارب الرئيس السوري بشار الأسد الذين يشغلون معظم المناصب النافذة في سوريا"، وفق تقرير كارنيغي.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة