واشنطن توتر "الهادىء" بشحنة سلاح لتايوان

في يوليو الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات عسكرية لتايوان بمبلغ 345 مليون دولار تضمّ أنظمة دفاع جوي وصواريخ وتدريب للجيش التايواني، وقالت واشنطن بأنّ تلك تعد خطوة مهمة لتمكين تايوان من الدفاع عن نفسها ضدّ الصين.

الحكومة الصينية أعربت عن امتعاضها من ذلك الإعلان لكن ذلك كان شيئاً معتاداً. فأميركا وتايوان تربطهما علاقة قوية منذ الحرب الباردة.

الجديد الذي لفت أعين وسائل الإعلام هو قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم ٣٠ أغسطس منح تايوان 80 مليون دولار من أموال التمويل العسكري الأجنبي بحسب وكالة رويترز.

هذا البرنامج يُستخدم عادة في تمويل "الدول المستقلة"، بينما تايوان لم تعلن استقلالها رسمياً حتى اليوم ولا تعترف أميركا باستقلالها بشكل رسمي.

الإعلان الأميركي تزامن مع تصريح بريطاني أشد استفزازية للصين. فبينما يقوم وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفيرلي بزيارة بكين هذا الأسبوع، أصدرت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني للمرة الأولى تقرير أشار فيه لتايوان "كدولة مستقلة" وقال بأن الجزيرة لديها "جميع مقومات اللازمة لإقامة الدولة".

استقلال تايوان يعني دفع الصين لغزوها عسكرياً، وهو ما قد يفجر مواجهة مباشرة مع أميركا وحلفائها، ما يعني مزيدا من التوتر في منطقة المحيط الهادئ الممر الأكثر حيوية لحركة التجارة العالمية.

حتى العام 1949، كانت جزيرة تايوان جزءا من الصين. لكن مع انتصار الجيش الأحمر التابع للحزب الشيوعي الصيني على حكومة الكومينتانغ في الحرب الأهلية 1927-1949، انسحب نحو مليوني جندي من القوات المسلحة التابعة للكومينتانغ نحو جزيرة تايوان بالإضافة لأعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين الفارين من الحكم الشيوعي.

شكّلت هذه الأعداد حكومة في تايوان، قالت إنها الممثل الشرعي الوحيد للصين، بينما تقول حكومة بكين الشيوعية إن تايوان جزء منها يجب استعادته للمحافظة على وحدة الأراضي الصينية.

حتى بداية سبعينات القرن الماضي، كان حكومة تايوان هي الممثل الرسمي للصين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها بدلاً من حكومة بكين.

لكن مع تنامي قوة الصين اقتصادياً وسياسياً، صوتت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للاعتراف بحكومة بكين، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للبلاد، وطُردت تايوان من نادي الأمم المعترف بها دولياً.

منذ ذلك الحين، تنتهج الصين سياسة عقابية ضد أي بلد تعترف بتايوان كدولة مستقلة، ويصمم النظام الصيني على ضم تايوان إلى البلاد بشكل أو بآخر.

وفي العام 1991، مع عقد أول انتخابات ديمقراطية نزيهة في الجزيرة، اعترفت تايوان رسمياً بأن الحزب الشيوعي الصيني هو الحاكم الشرعي لجمهورية الصين الشعبية، وأصبح الاستقلال الرسمي لتايوان كدولة منفصلة عن الصين مطلباً شعبياً.

وزادت الرغبة في الانفصال عن بكين بعد مشاهدة التايوانيين قمع النظام الصيني للمظاهرات الديمقراطية في هونغ كونغ عام 2019.

لكن الصين أقرت قانونا في العام 2005 يسمح لها باستخدام القوة العسكري ضد تايوان في حال أعلنت الجزيرة استقلالها رسمياً، بينما عملت بكين أيضاً على تعميق علاقاته الاقتصادية مع تايبيه في جميع النواحي بهدف جعل انفصال الجزيرة أمر مكلف اقتصاديا.

في عام 1994، هبطت طائرة الرئيس التايواني لي تنغ هوي بشكل اضطراري في الهونولولو عاصمة جزر هاواي الأميركية للتزود بالوقود. ولتجنب إغضاب بكين، رفض الرئيس الأميركي بيل كلينتون منح لي تنغ تأشيرة دخول للبلاد ما أجبره على النوم في طائرته في قاعدة عسكرية.

لكن في العام التالي، وصلت للرئيس التايواني دعوة لإعطاء خطاب عن تجربة تايوان الديمقراطية في جامعة كورنيل الأميركية التي كان طالباً فيها قبل ثلاثين عاما. البيت الأبيض طمأن بكين بأن موقفه الرسمي لم يتغير، لكن الكونغرس الأميركي مرر قرارا يطالب بمنح لي الفيزا، وهو ما سمح له بدخول أميركا.

تسببت هذه الزيارة في أزمة عسكرية كبيرة كادت أن تؤدي لحرب شاملة بين بكين وواشنطن. الصين حركّت أسطولها الحربي تجاه تايوان وأطلقت صواريخ تجريبية أمام السواحل التايوانية لإخافة السكان وإبعادهم عن التصويت للرئيس لي في انتخابات 1996.

الولايات المتحدة من جانبها سارعت للرد عبر القيام بأكبر استعراض للقوة العسكرية منذ حرب فيتنام في مضيق تايوان في رسالة تهديد مباشرة لبكين للتراجع عن نواياها.

أميركا تحافظ على ما يسمى "بالغموض الاستراتيجي" في سياستها تجاه تايوان. فهي ترفض الاعتراف باستقلال الجزيرة وترفض غزو الصين لها، بينما تمد تايوان بالأسلحة وتحيطها بقواعد عسكرية أميركية وتشجعها على الانضمام للهيئات الدولية والألعاب الأوليمبية تحت اسم "تايبيه الصينية".

تقول إدارة بايدن بأنها ستدافع عن تايوان في حال قيام الصين بمهاجمتها، لكنها ترفض التصريح إذا ما كان ذلك يعني المشاركة في القتال عسكرياً ضد الجيش الصيني.

في البداية، كان الدعم والتعاطف الغربي مع تايوان جزء من انقسام العالم لمعسكر شيوعي واشتراكي ومعسكر رأسمالي ووقوع تايوان في الشق الثاني. وازداد هذا التعاطف مع تحول تايوان لديمقراطية مدنية حديثة.

لكن أهمية تايوان بالنسبة لأميركا تكمن في نقطتين، الأولى هي موقعها الاستراتيجي الملاصق للصين. والثانية وهي الأهم، ريادية تايوان وسيطرتها على سوق أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية الداخلة في جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة.

الشركات التايوانية مثل TSMC هي الأولى عالمياً في هذا المجال بلا منازع، متفوقة على شركة إنتل الأميركية وسامسونغ الكورية.

إدارة بايدن كانت قد فرضت مجموعة من العقوبات الاقتصادية على الصين في مجال أشباه الموصلات بهدف تقييد وصولها لتلك الرقائق واستخدامها في صناعات عسكرية متقدمة. لذلك، يعتبر سيناريو غزو الصين لتايوان وسيطرتها على صناعة أشباه الموصلات كابوس تسعى واشنطن لمنعه بأي شكل.

لكن السؤال يبقى، كيف يمكن للولايات المتحدة الدفاع عن تايوان في حال الغزو الصيني دون أن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الصين قد تشعل حرباً نووية؟

أما في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية فالوضع محتقن أيضاً مع جارتها الشمالية. في يوم الأربعاء، قالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إن طائرة أمريكية من طراز B-1B حلقت إلى جانب طائرات FA-50 الكورية الجنوبية ومقاتلات F-16 التابعة للقوات الجوية الأمريكية كجزء من مناورات Ulchi Freedom Shield المستمرة.

وتزامن ذلك مع مناورات مماثلة بين الجيش الأميركي والياباني ضم طائرتان أمريكيتان من طراز B-1B و12 مقاتلة يابانية وأربع طائرات من طراز F-15، لوكالة رويترز.

بيونغ يانغ تقول بأن تلك المناورات هي استعدادات للحرب والهجوم عليها وتدين الدول الثلاث المشاركة فيها "كزعماء عصابات" يرفعون من خطر حرب نووية في المنطقة. بينما تصر الولايات المتحدة وحلفاءها أن تلك مناورات دفاعية.

تزامن مع انطلاق تلك المناورات إطلاق كوريا الشمالية مؤخراً لصواريخ باليستية تجريبية وقيامها بعمل محاكاة لضربة نووية "حارقة للأرض" على جارتها الجنوبية. في الوقت نفسه، حذرت أميركا يوم الأربعاء أغسطس من تطور وتقدم في المحادثات الروسية-الكورية لإمداد بيونغ يانغ موسكو بأسلحة لحربها في أوكرانيا.

وفي الأسبوع الماضي، هبطت طائرة من كوريا الشمالية للمرة الأولى من ثلاث سنوات على الأراضي الصينية في استئناف للرحلات المباشرة بين البلدين والتي انقطعت بسبب جائحة كورونا. البلدان تجمعهما حدود جغرافية مشتركة وعلاقات مقربة، حيث تعتبر بيونغ يانغ الصين أحد أقرب حلفائها.

منذ العام 2006، تقوم الصين بنشر خريطة قومية لحدودها ومناطق سيادتها. لكن النسخة الأخيرة من تلك الخرائط أغضبت الهند وماليزيا والفلبين من بكين بشكل حاد، فهي تضم أجزاء متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وهضبة أكساي تشين الحدودية مع الهند.

الخريطة دفعت الهند لتقديم رسالة اعتراض رسمية لجراتها الصينية، بينما صرحت الحكومتان الماليزية والفليبينية بأنهما يرفضان تلك المحاولات الصينية لابتلاع جزء من حدودهم البحرية.