أمن‎

براود بويز.. الأخوية العنصرية التي تحولت إلى عصابة

نشر

.

Alaa Osman

في سبتمبر من العام ٢٠٢٠، بدى وكأن الولايات المتحدة بصدد موسم انتخابي اعتيادي، مناظرات انتخابية، مؤتمرات للمؤيدين، وصراع سياسي تقليدي بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولكن بلحظة واحدة كادت الولايات المتحدة أن تتغير وتشهد واحدة من أخطر الصراعات السياسية في تاريخها الحديث.

خلال أول مناظرة انتخابية، سُئل الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب ما إذا كان يدين جماعات الفوقية البيضاء أو الجمعات المسلحة. رده لم يكن متوقعا، إذ وجه حديثه لإحدى المجموعات اليمينة الشهيرة في ذلك الوقت فقال .. "براود بويز (proud boys).. تراجعوا واستعدوا".

بقية القصة، أصبحت جزءا من التاريخ المعاصر الأميركي؛ خسارة المرشح الجمهوري، ثم أحداث اقتحام مبنى الكابيتول وما تلاها من إجراءات قضائية ما تزال مستمرة إلى اليوم، وفي خضم تلك الإجراءات يتردد اسم المجموعة التي وجه لها ترمب هذا النداء الغامض عام ٢٠٢٠، إذ أن هناك أكثر من عضو ووجه من وجوه قادة المجموعة يواجهون اتهامات بصدد الهجمة على مقر الكابيتول في الـ ٦ من يناير.

وتلقى أحد هؤلاء حكما بالسجن ١٧ عاما، كما تلقى زعيم المجموعة السابق انريكي تاريو، أمس الثلاثاء حكم بالسجن لمدة ٢٢ عاما في القضية ذاتها، وهو ما يعد أحد أكثر الأحكام التي صدرت في سياق تلك الأحداث طولا.

إلا أن وجود "براود بويز" لا يرتبط بالسادس من يناير المشهود فقط، فالمجموعة لطالما تركت بصمتها في أحداث مختلفة، حتى أنها حققت سمعة دولية باعتبارها كيانا إرهابيا، فضلا عن سلسلة إدانات من مؤسسات أميركية داخلية.

خمسة من أعضاء براود بويز يحاكمون في سياق أحداث اقتحام الكابيتول. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

"لست إرهابيا"

على قائمة أعضاء "براود بويز" الذين يخضعوا للمحاكمة على خلفية أحداث اقتحام الكابيتول يأتي، جو بيغز، ويعتبر أول مدان يتلقي حكما قضائيا من بين خمسة أعضاء، ويعتبر بيغز من بين الوجوه القيادية للمجموعة إذ تولى قيادة فرع ولاية فلوريدا، كما يعتقد أنه عمل مع رئيس المجموعة بشكل وثيق لتنظيم اقتحام الكابيتول، كما أنه نشر على شبكة الإنترنت ما يعبر عن توجهاته في أعقاب خسارة ترامب للانتخابات، إذ قال "حان وقت الحرب".

على منصة الاتهام الآن، لم يعد يبدو أن بيغز راغب في القتال، إذ قدم اعتذار عن أفعاله مؤكدا بحسب وكالة فرانس برس :"أعرف أنني أخطأت في ذلك اليوم، لكنني لست إرهابيا".

غير أن فريق الادعاء ليس مقتنعا بدفاع المتهم عن نفسه، حيث رجح الفريق أولا سجن بيغز مدة ٣٣ عاما، إلا أن القاضي، ويدعى تيموثي كيلي، رأى أن تصرفات المتهم لم تُفضي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، كما أنه لم يكن يعزم على قتل أحد، ما أدى لحصوله على حكم بـ ١٧ عاما فقط.

أما زعيم المجموعة السابق انريكي تاريو، وهو أحد مخبري مكتب التحقيقات الفيدرالي سابقا، فقد وصل الحكم عليه لـ ٢٢ عاما كاملا أي أنه حصل على أقسى حكم يصدر في القضية حتى يومنا هذا، واعتبر القاضي كيلي أن تاريو كان "القائد الرئيسي للمؤامرة" التي كادت أن تعرقل المسار الديموقراطي، فخلال جلسة النطق بالحكم قال القاضي إن اليوم ذاك - أي السادس من يناير عام ٢٠٢١- "كسر تقاليدنا الراسخة.. بالانتقال السلمي للسلطة".

بالرغم من شدة الحكم الصادر ضده، لم يكن تاريو حاضرا بنفسه أثناء اقتحام مبنى الكابيتول، إذ أُلقي القبض عليه قبل يومين فقط من الهجوم.

تأسست المجموعة في العام ٢٠١٦ إبان الانتخابات الرئاسية. (المصدر٬ وكالة أسوشيتد بريس)

من هم براود بويز؟

بالعربية تعني "الأولاد الفخورون"، وعادة ما تصف الجماعة نفسها بأنها أخوية من الشوفينيون الغربيون الذين لا ينتمون لليمين البديل العنصري، لكنهم يناهضون في الوقت ذاته "الصوابية السياسية" و الـ"الذنب الأبيض"، كما أن المجموعة تتشكل من الرجال فقط.

قبل العام ٢٠١٦، لم يكن للمجموعة وجود على أرض الواقع، حتى بدأت بالتشكل في خضم الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس دونالد ترمب، حسب مركز The Southern Poverty Law الذي يصنف المجموعة رسميا بأنها مجموعة كراهية.

تأسست المجموعة على يد جافين ماكينيس، وهو أحد مؤسسي شبكة فايس ميديا، إلا أن علاقته الرسمية بالمجموعة محدودة إلى حد ما، إذ أعلن في العام ٢٠١٨ انسلاخه عنها.

الجدل المثار حول المجموعة لا يتوقف لدى مسألة الصوابية السياسية، ولكن يُتهم أعضاء المجموعة بسلسلة من التهم الأخرى، كمعاداة النساء والمسلمين والمهاجرين والمثليين، وذلك بالإضافة لتبنيهم آراء معادية للسامية، وتتعصب "للفوقية البيضاء"، يعتقد أيضا أن الجماعة، تفضل أن تعتبر ذاتها معادلا يمينيا لحركة "انتيفا"، وهو الأمر الذي تنفيه المجموعة تماما، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

في تصريحات سابقة، كان إنريكي تاريو قائد المجموعة السابق قدر عدد أعضاء المجموعة بعشرات الآلاف، في الولايات المتحدة وحول العالم.

الجماعة صنفت إرهابية في كندا. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

من حبوب الإفطار للاشتباكات

عادة ما يرتبط ذكر المجموعة بالعنف، سواء في سياق داخلي أو أثناء تقاطعهم مع العالم الخارجي، حيث اشتهر عن المجموعة قيام أفرادها بطقوس محددة أثناء انضمام أحد الأفراد الجدد إلى صفوفها، حيث يبدأ زملائه من الأعضاء في ضربه بشكل مستمر حتى يتمكن من تسمية خمس منتجات مختلفة من حبوب الإفطار مثلا.

في العام ٢٠١٧، شاركت المجموعة في موجة من قتال الشوارع المحتدم الذي أسفر عن مقتل شخص واحد بالإضافة إلى إصابة العشرات.

كان ذلك في خضم فعليات مسيرة بعنوان "وحدوا اليمين" في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، استهدفت الاحتجاج على مخططات لإزالة تمثال لجنرال كونفدرالي، وبحسب الموسوعة البريطانية، رددت المسيرة التي نظمها أحد أعضاء براود بويز هتافات مستقاة من نظريات المؤامرة، بالإضافة إلى بعض الشعارات النازية، ذلك قبل أن يشتبك متظاهرين من الجانب اليميني مع متظاهرين من أنتيفا في اشتباكات قاتلة، كما شهدت وقائع أغسطس دهس أحد أفراد النازيين الجدد لمتظاهرين على الجهة المقابلة.

ظهر البراود بويز في بعض التظاهرات مسليحين. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

في واقعة أخرى ألقى مؤسس المجموعة، ماكينيس خطابا في نادي متروبوليتان الجمهوري في أكتوبر من العام ٢٠١٨، إلا أنه انتهى بأحداث عنف أخرى مواجهات بين أفراد المجموعة وبعض المتظاهرين الآخرين، أدت تلك الوقائع إلى حذف حسابات المجموعة ومؤسسها من بعض منصات التواصل الاجتماعي.

أما بعد التظاهرات التي أعقبت وفاة المواطن جورج فلويد على يد قوات الشرطة، كان للـ"براود بويز" دور رمزي كذلك، إذ عادة ما كانوا يظهروا بالقرب من التظاهرات لا كمشاركين، وأنما فقط ينتظرون على مقربة حاملين الأسلحة، وفي بعض الأحيان يرافقهم أفراد من جماعات متطرفة أخرى.

عصابة

في الداخل والخارج، لا تحظى المجموعة بسمعة حسنة، حيث ورد في بعض الوثائق الرسمية التي سُربت فيما عُرف لاحقا بـ"التسريبات الزرقاء" أن بعض الوكالات الأميركية الرسمية ترتاب من المجموعة وتصفها بمجموعة من النعوت بداية من الفوقيين البيض، مرورا بـ "متطرفين" وحتى وصفهم بـ عصابة في بعض الأحيان، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

أما في الخارج، في كندا على سبيل المثال، تصنف المجموعة ككيان إرهابي، مماثل تماما لتنظيم القاعدة، حيث تصف البلاد المجموعة بأنها منظمة فاشية جديدة منخرطة في عنف سياسي، ويعتنق أفرادها أيديولوجيات معادية للإسلام والسامية والنساء والمهاجرين كما أنه مرتبطة بتفوق العرق الأبيض والعنصريين البيض، بحسب موقع NPR.

نيوزيلندا أيضا صنفت الجماعة كمنظمة إرهابية وجرمت أي تعاون معها، بحسب وكالة الأناضول.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة