الفساد ينخر أوكرانيا.. هل يحارب زيلينسكي الفاسدين فعلاً بالقانون الجديد؟

قبل ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من عام 2022، سارع مكتب التحقيقات الحكومي الأوكراني لتدمير أدلة سرية تتعلق بقضايا جنائية كبرى، بما في ذلك ضد شخصيات سياسية بارزة، بحسب ما نقلته صحيفة Current Time الأوكرانية عن ثلاثة مسؤولين. الصحيفة قالت إنه من غير المعروف إذا كان الهدف من تلك الخطوة هو منع وقوع هذه الوثائق والتسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو في أيدي الروس أم إعاقة الملاحقة القانونية للمتهمين الرئيسيين في تلك القضايا ومن ضمنهم رئيس أوكراني سابق ورئيس جهاز الأمن الأوكراني السابق ونائب برلماني.

اندلاع الحرب وطلب أوكرانيا الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كلها أمور سلطت الضوء بشكل كبير على أداء الحكومة الأوكرانية فيما يتعلق بملف الفساد، خاصة وسط تلقيها مساعدات عسكرية وإنسانية بعشرات المليارات من الدول الغربية ومطالبة المتبرعين بمسائلة جادة للفاسدين مقابل تلك الأموال.

في شهر يناير الماضي، شهدت البلاد موجة من الاستقالات وسط فضائح فساد طالت رؤوساً كبيرة في الدولة ووصلت لمكتب زيلينسكي شخصياً، حيث كان من ضمنهم نائب مدير مكتب الرئيس، كيريلو تيموشينكو، بالإضافة لنائب وزير الدفاع ووكيل النائب العام وثلاثة نواب وزراء آخرين وخمسة محافظين تركوا جميعاً مناصبهم. موجة الطرد والاستقالات تلك جاءت وسط فضيحتان متعلقتان بعقود استيراد الطعام للجنود وشراء مولدات كهربائية بأسعار مضاعفة.

وفي شهر أغسطس الفائت، قام زيلينسكي بطرد جميع مسؤولي التعبئة الميدانية في الجيش الأوكراني بتهم الفساد والرشوة، حيث تم فتح أكثر من 112 قضية فساد ضد أولئك المسؤولين بحسب صحيفة بوليتكو، تلا ذلك فضيحة فساد أخرى الأسبوع الماضي متعلقة بالاختلاس من المساعدات الإنسانية بقيمة 1.7 مليون دولار أطاحت بنائب وزير السياسة الزراعية والطعام ونائب وزير الاقتصاد.

الطريف أن قاضي القضاة الأوكراني، رئيس المحكمة العليا فسيفولود كنيازيف المنوط بمحاكمة الفاسدين كان قد جرى اعتقاله هو شخصياً في شهر مايو الماضي في شبهة الفساد وتلقي رشاوى في قضية كبرى.

حيث قال مسؤولو مكافحة الفساد في أوكرانيا إن الملياردير الأوكراني كوستيانتين زيفاجو قدم رشوة لمسؤولي المحكمة العليا عبر شركة محاماة تعمل كوسيط بهدف إصدار حكم يسمح له بالاحتفاظ بالسيطرة على أسهم شركة تعدين كانت محور نزاع مع المساهمين السابقين. زيفاجو حول مبلغ 2.7 مليون دولار لتلك الشركة، منها 1.8 مليون دولار مخصصة لقضاة المحكمة العليا و900 ألف دولار للمحامين مقابل خدماتهم كوسطاء.

سطحياً، اقتراح زيلينسكي بأن يتم اعتبار الفساد في وقت الحرب جريمة خيانة عظمى قد يدغدغ مشاعر الجمهور الأوكراني الساخط على ثراء المسؤولين الفاحش. لكن عملياً، الاقتراح قد يؤدي لحماية كبار الفاسدين بدلاً من ملاحقتهم.

السبب هو أن كبرى قضايا الفساد سيتم تحويلها لجهاز الأمن الأوكراني الخاضع مباشرة لسلطة الرئيس زيلينسكي بدلاً من المكتب الوطني الأوكراني لمكافحة الفساد المستقل عن الرئاسة. وهو ما يعني تسيس العملية وإمكانية التستر على مسؤولين كبار في الدولة ورجال أعمال أثرياء بأمر رئاسي بحسب صحيفة بوليتيكو.

ما يرفع من قلق منظمات محاربة الفساد تجاه مشروع قرار زيلينسكي هو أنه قام فعلياً بحماية والتستر على نائب مدير مكتبه، أوليه تاتاروف.

في شهر ديسمبر من عام 2020، وجه مكتب مكافحة الفساد تهم الرشوة بشكل رسمي لتاتاروف، لكن النائب العام إيرينا فينيديكتوفا التي عينها زيلينسكي قامت بتعليق المدعين العامين الأربعة في القضية وقامت بتغييرهم مرتين على مدار القضية.

بعدها قام وكيل النائبة العامة، أوليكسي سيمونينكو، بتحويل ملف قضية تاتاروف لجهاز الأمن الأوكراني الخاضع لسلطة الرئيس والذي تقوده صديقة زيلينسكي المقربة إيفان باكانوف. هناك، ماتت القضية واستمر تاتاروف في منصبه في الرئاسة وأسقط القضاء التهم المنسوبة إليه في شهر يناير. من الجدير بالذكر أن النائبة العامة نفسها ووكيلها تركوا مناصبهم بعد الحرب في ظل فضائح فساد.

وفي يونيو 2021، قدم رئيس مركز مكافحة الفساد، فيتالي شابونين التماساً لإقالة تاتاروف من منصب في الرئاسة، وجمع ذلك الالتماس 25 ألف توقيع، لكن زيلينسكي رفض قبول ذلك الطلب وأشار بأنه لا يوجد أي قانون يلزمه بطرد تاتاروف بسبب ذلك الالتماس الشعبي.

لذلك يتوقع خبراء أن سيناريو قصة تاتاروف يوشك أن يصبح روتينياً ومتكرراً بسبب قرار زيلينسكي الذي سيسحب ملفات الفساد الكبرى من المكتب المستقل لمحاربة الفساد ويعطيها لجهاز الأمن الأوكراني الخاضع لسيطرته بحسب صحيفة بوليتيكو.

الرئيس زيلينسكي ارتكز في حملته الانتخابية في عام 2019 على وعود بمحاربة الفساد والدولة العميقة وجعل البلاد أكثر ديمقراطية. ولكن سرعان ما فقد الأوكرانيون ثقتهم في تلك الوعود مع اندلاع الحرب.

فعلى الرغم من عدم تورط زيلينسكي شخصياً في أي من الفضائح التي هزت كييف، إلا أن حوالي 77% من الأوكرانيين يعتقدون بأنه مسؤول عن الفساد المستمر في الحكومة والإدارات العسكرية، وفقًا لاستطلاع نشرته مؤسسة المبادرات الديمقراطية إيلكو كوتشيريف في بداية أغسطس. فبعد عامين من تولي زيلينسكي الحكم، حلت أوكرانيا في المركز 122 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في تراجع بخمس نقاط عن العام السابق.

حلفاء وداعمي أوكرانيا الغربيين يشعرون بالإحراج والخوف من التحدث بشكل صريح عن مشاكل الفساد في أوكرانيا لكيلا يقوموا بخدمة الدعاية الحربية الروسية التي تقول بأن أوكرانيا تعاني من فساد منتشر ومزمن ولكيلا يثير التحدث عن الفساد في أوكرانيا حالة من الغضب في الشارع الغربي حول أموالهم التي ترسل لكييف.

لكن صحيفة الغارديان نقلت في شهر إبريل الماضي أن وزارتا الخارجية الأمريكية والبريطانية تشعران بالقلق من استغلال تهم الفساد ضد دعاة إصلاح الدولة البارزين من رجال الأعمال ورموز المعارضة.