أمن
.
الأمر يبدو وكأنه فيلم هوليوود أميركي، "إيلون ماسك يمنع اندلاع حرب نووية" هكذا جاءت بعض التعليقات على تقرير تحدث عن أن ماسك، في اللحظات الأخيرة، قبيل تنفيذ الجيش الأوكراني هجوماً سرياً على الأسطول البحري الروسي في شبه جزيرة القرم باستخدام غواصات مسيرة عن بعد، ضغط الملياردير غريب الأطوار الزر بكل سهولة وفصل الإنترنت الذي توفره أقماره الصناعية ستارلينك عنهم، فتعطلت الغواصات وطفت للسطح وفشلت المهمة. هذا أحد الأسرار التي كشفها المؤرخ الأميركي والتر إيزكسون في كتابه الجديد الذي يؤرخ سيرة ماسك الذاتية.
ماسك تحدث مع السفير الروسي في واشنطن وعلم منه بأن أي هجوم على جزيرة القرم يعتبر من الخطوط الحمر وسيؤدي لرد نووي، فكان رد إيلون أن أمر مهندسيه بقطع الإنترنت عن القرم و100 كيلومتر من حولها.
سبق انتشار هذه القصة بأسبوعين قيام الصحفي الأميركي رونان فارو بالتوجه بطلب مقابلة مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية لسؤالهم عن ماسك وأوكرانيا، ليأتيه الرد الصادم من المتحدث باسم البنتاغون بأنهم في حاجة لإذن السيد ماسك أولاً قبل إجابة أي من أسئلته، مضيفاً "سنتحدث إليك فقط إذا أرادنا إيلون أن نفعل ذلك".
هذه القصة دفعت البعض للتساؤل هل يجب أن تكون كل تلك القوة في يد رجل واحد فاحش الثراء متقلب المزاج غير منتخب لا يمكن محاسبته على مثل قرارته تلك؟ وكيف وصل الحال لأن يصبح إيلون أقوى من الحكومة الأميركية؟
الحادثة وقعت العام الماضي، وكانت الخطة الأوكرانية هي مهاجمة أسطول روسيا البحري بالقرب من مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم الخاضعة للحكم الروسي منذ العام 2014.
بحسب إيزكسون فإن ماسك أصيب بالذعر عندما سمع عن الهجوم الأوكراني المخطط له، والذي كان يستخدم أقمار ستارلينك الصناعية لتوجيه المسيرات عن بعد المحملة بالمتفجرات نحو ساحل القرم فأمر بإطفاء اتصال الأوكرانيين بالأقمار الصناعية في تلك المنطقة.
فوراً المسؤولون الأوكرانيون اتصلوا بإيلون ليحاولوا بشكل محموم إقناعه بإعادة تشغيل الخدمة، وأخبروه أن "الغواصات كانت حاسمة في كفاحهم من أجل الحرية". لكن ماسك ظل ثابتاً على موقفه وأخبرهم بأنهم قد تمادوا كثيراً وأن ذلك قد "يؤدي إلى هزيمة استراتيجية"، وأخبرهم بألا يستخدموا أقماره الصناعية لأغراض هجومية.
يقول الملياردير الأميركي الذي يحب تشبيه نفسه بـ "أيرون مان" (Iron Man) بطل أفلام Avengers إنه كان ينظر لشاشة حاسوبه ويرى الحرب بأكملها تتكشف أمامه من خلال خريطة نشاط ستارلينك، بحسب الصحفي رونان فارو. الأمر كما لو كان لعبة فيديو، بإمكان ماسك أن يأمر مهندسيه بفصل اتصال الأوكرانيين بالإنترنت عن إقليم دونباس مثلاً، ليخسر الجيش الأوكراني أعينه الجوية على المنطقة فوراً ويهزم في المعركة.
بحسب المؤرخ الأميركي فإن إيلون ماسك يؤمن بأن قراره ذلك ضروري لمنع تطور الحرب الروسية الأوكرانية لحرب عالمية واسعة النطاق تدخل فيه الأسلحة النووية، كما يخشى أيضا أن تستخدم أوكرانيا شبكة ستارلينك في أغراض هجومية ما قد يجعله طرفاً في الحرب.
ويضيف إيزكسون بأن ماسك اشتكى قائلاً "لم يكن القصد من ستارلينك تورطها في الحروب. كان الهدف منها تمكين الناس من مشاهدة نتفليكس والاسترخاء والدخول أونلاين للمدارس وعمل أشياء سلمية، لا توجيه ضربات مسيرة عن بعد".
ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني انتقد ماسك بشدة بعد تلك الأخبار وقال إن ما فعله الملياردير الأميركي سمح للروس بضرب المدن الأوكرانية وقتل الأطفال والنساء والمدنيين، واصفاً قرار ماسك "بكوكتيل من الجهل والغرور الكبير". واختتم كلامه قائلاً: "لماذا يريد البعض بشدة الدفاع عن مجرمي الحرب ورغبتهم في ارتكاب جرائم القتل؟ وهل أدركوا الآن أنهم يرتكبون الشر ويشجعون على الشر؟"
في الوقت نفسه، أشاد الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف يوم الخميس باختيار ماسك لإغلاق ستارلينك أثناء محاولة الهجوم الأوكراني قائلاً: "إذا كان ما كتبه أيزكسون في كتابه صحيحاً، فيبدو أن ماسك هو آخر عاقل في أميركا الشمالية، أو على الأقل، في أميركا المحايدة هو الوحيد صاحب الجرأة".
مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، ظهر إيلون ماسك كالمنقذ البطل عندما انهارت بنية الاتصالات الرقمية التحتية في أوكرانيا وبضغطة زر واحدة أمر فريقه بإمداد كامل الأراضي الأوكرانية بالإنترنت عبر أقماره الصناعية ستارلينك، لكن تلك المساعدة لم تكن مجانية.
ففي شهر أكتوبر بدأت تغطية ستارلينك لأوكرانيا بالانقطاع في بعض المناطق وخرج ماسك مطالباً البنتاغون بدفع فاتورة اتصال كييف بالإنترنت التي وضعها عند 400 مليون دولار سنوياً.
مساء الخميس خرج ماسك عن صمته وادعى أن منطقة القرم لم يكن يصلها تغطية من ستارلينك من الأساس وأن شركته SpaceX لم تقم بتعطيل أي شيء، مجدداً دعوته لهدنة بين الطرفين قائلاً "في كل يوم يمر، يموت المزيد من الشباب الأوكراني والروسي من أجل كسب أو خسارة قطع صغيرة من الأرض، مع تغير الحدود بالكاد. هذا لا يستحق حياتهم."
لكن بعد دقائق عاد ماسك وأضاف على موقعه إكس أن السلطات الأوكرانية بالفعل طلبت منه تفعيل ستارلينك في المنطقة المحيطة بسيفاستوبول، لكنه رأن بأن "النية الواضحة هي إغراق معظم الأسطول الروسي الراسخ. إذا وافقت على طلبهم، فإن SpaceX ستكون متواطئة بشكل واضح في عمل كبير من أعمال الحرب وتصعيد الصراع".
في فيلم لا تنظر للأعلى لليوناردو دي كابريو، أحد الشخصيات الرئيسية كانت الملياردير غريب الأطوار واسع النفوذ بيتر إشيرويل صاحب شركات تصنيع الهواتف وسوشيال ميديا ومركبات فضاء وروبوتات وذكاء اصطناعي. في أحد المشاهد، دخل إشيرويل لغرفة شديدة السرية في البيت الأبيض كما لو كان خارجاً لنزهة في حديقة منزله وقاطع رئيسة الولايات المتحدة في لحظة بالغة الأهمية وطلب الحديث معها على انفراد، ولما تلكأت صرخ فيها كما لو كانت موظفةً عنده بينما استمرت هي بالاعتذار.
هذه الكوميديا السوداء ليست بعيدة جداً عن الواقع الحالي ونفوذ أغنى أثرياء أميركا على الحكومة. في الحقيقة، الممثل مارك لايرانس الذي قام بشخصية إشيرويل قال إنه كان يفكر في ماسك ولا أحد غيره أثناء قيامه بهذا الدور.
وكالة ناسا للفضاء، ووزارة الدفاع الأميركية، ووزارة النقل، وإدارة الطيران الفيدرالية، وإدارة السلامة والصحة المهنية، جميعهم يقولون بأنهم يحتاجون للسيد ماسك في عملهم بشكل لا مفر منه ويعتبرونه مسؤولاً حكومياً غير منتخب بحسب صحيفة نيويوركر.
"إذا أرادت وكالة ناسا إرسال أشخاص للفضاء، فإنها يجب عليها أن تفعل ذلك عبر إيلون ماسك وليس أي أحد سواه" هكذا أضاف الصحفي رونان الذي تعقب نفوذ ماسك. "إذا أرادت الحكومة الدفع قدماً بسياسات الطاقة الخضراء فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية، فعليها فعل ذلك عبر إيلون ومحطات شحن الطاقة الخاصة به، فهو يمتلك 60% من تلك المحطات في البلاد".
وتضيف نيويوركر بأن عقوداً من خصخصة القطاع العام وتراجع دول الدولة أدى لهذا الحال الذي اختل فيه توازن القوى بين الولايات المتحدة كقوة عظمة ورجل واحد فاحش الثراء والنفوذ.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة