لو كتب لهذا المشروع النجاح، فسوف يصل قلب إيطاليا عبر مضيق ميسينا بجنوبها في صقلية وسوف يمتد على طول ٣ كيلومترات ليكون أطول جسر معلق في العالم. إلا أن التحديات على الأرض لا تبشر ببداية موفقة لهذا المشروع.

آخر مرة تم طرح فيها هذا المشروع كانت في عهد رئيس الوزراء السابق بيرلسكوني، لكن فشل المشروع مع سقوط حكومته، وخلف بيرلسكوني رئيس وزراء جديد (رومانو برودي)، الذي اعتبر أن المشروع هدر للمال العام وضرر على البيئة.

وكانت كل الحكومات الإيطالية المتعاقبة التي مرت في تاريخ إيطاليا، مثل حكومة موسوليني وبرلسكوني، تضع مشروع بناء الجسر على قائمة أولوياتها وجزء أساسي من برنامجها الانتخابي، ويبدو أن المشروع الهندسي العملاق عاد إلى الحياة بعد المرسوم الذي أصدرته حكومة جورجيا ميلوني.

ربحت المناقصة شركة إيطالية اسمها (Webuild)، مع العلم أن كثير من الشركات العالمية كانت قد أبدت اهتمامها بالحصول على المناقصة بما في ذلك شركات صينية.

تعهد ماتيو سالفيني، وزير البنية التحتية، أن الجسر الذي سيكلف ١٠ مليارات يورو، سوف يوفر ١٠٠ ألف وظيفة وسوف يخلق ثورة في عالم المواصلات والنقل ليشكل بذلك أكبر مشروع في أوروبا في القرن الواحد والعشرين.

بحسب المخطط، الجسر يستوعب ٦ ممرات، ٢ ذهاباً مع خط طوارئ و٢ وإياباً مع خط للطوارئ أيضاً، وسيضم مسارات سكك حديدية في المنتصف، ويرتفع عن سطح البحر ٧٤ متراً تقريباً، وسيتم تشييد الجسر ليتحمل زلزال بقوة ٧،١ درجة مع طاقة استيعابية تصل لـ ٦٠٠٠ مركبة بالساعة و٢٠٠ قطار باليوم.

جنوب إيطاليا ومضيق ميسينا على وجه الخصوص، مكان ينتشر فيه الفساد ويصعب السيطرة عليه بسبب وجود أكبر تجمع للجريمة المنظمة التابع للمافيا الإيطالية، تجمع "ندرانجيتا" في كالابريا ومافيا "الكوسا نوسترا" في صقلية.

بعد اعتقال زعيم مافيا "الكوسا نوسترا" ماتيو ميسينا دينارو بعد ٣٠ سنة من محاولات الشرطة الإيطالية القبض عليه، أدلى أحد المخبرين الذين ساهموا في اعتقاله بشهادته التي ذكرت أن دينارو وكثير من زعماء المافيا كانوا معارضين لمشروع بناء الجسر، كون الجسر يصل قلب إيطاليا بمناطق نفوذ وسيطرة المافيا التي من مصلحتها الإبقاء على مناطقها فقيرة.

وقد حذرت بعض الدراسات التابعة لمركز "نوموس" أن أجزاء من المشروع مثل الإمداد والنقل قد يقعان تحت سيطرة العصابات الإجرامية وقد تطلب هذه العصابات أتاوة حماية.

لم يعر "سالفيني" أي اهتمام لهذه المخاوف وقال أمام البرلمان "لست خائفاً من التسلل الإجرامي، سنكون قادرين على ضمان عمل أفضل الشركات الإيطالية والأوروبية والعالمية، وستكون هناك هيئات إشرافية تعمل على ضبط كل يورو يتم إنفاقه على الجسر".

يقع مضيق ميسينا على طول خط صدع زلزالي تسبب عام ١٩٠٨ بمقتل أكثر من ١٠٠ ألف شخص، وتسبب بحدوث موجات مد عاتية دمرت المناطق الساحلية بأكملها على جانبي المياه في كالابريا وصقلية (منطقة تشييد الجسر) بفعل زلزال قوته ٧.١ واعتُبر أكثر الزلازل المدمرة في أوروبا حتى اللحظة.

ويذكر أن مضيق ميسينا منطقة مياه مضطربة وتيارات قوية غالباً ما تنتزع الأعشاب البحرية من جذورها وتمزقها من قاع البحر، وهذه الإضرابات في الأمواج يمكن رصدها من الفضاء وتتغير كل ٦ ساعات وفقاً لوكالة ناسا.

زادت الانتقادات لهذا المشروع خصوصاً بعد الفياضانات والانزلاقات الطينية يلي عانت منها إيطاليا، والتي أودت بحياة ٣٠ شخصاً وشردت المئات، الأمر الذي جدد الدعوات إلى الاستثمار بمشاريع الوقاية من الكوارث وهدم المباني المخالفة لقواعد السلامة بدلاً من تبديدها في مشاريع عملاقة.

وبحسب تصريح لسيرجيو دانتوني مسؤول الحزب الديموقراطي من اليسار الوسط، "في الأوقات الصعبة مثل هذه، يجب تركيز الموارد الشحيحة المتاحة على أهداف ذات أولوية أكبر مثل خطة واسعة النطاق لدعم المناطق المعرضة لخطر الفياضانات".

عارض الكثير من السياسيين ونشطاء البيئة المشروع واعتبروه مكلفاً للغاية وغير ضروري، إذ يُعتبر مضيق ميسينا من أهم طرق عبور وهجرة الطيور والثديات البحرية، ويعد واحداً من أكثر أشكال التنوع البيولوجي تركيزاً في العالم. والجسر – أثناء البناء وبعده – سيعطل طرق هجرة الحيوانات والطيور من إفريقيا إلى أوروبا.

كما قام الصندوق العالمي للحياة البرية بحملة ضد إحياء المشروع. وقال "ستيفانو لينزي" مدير العلاقات المؤسسية في الصندوق العالمي للطبيعة أن منطقة مضيق ميسينا بأكملها منطقة محمية بموجب توجيهات الاتحاد الأوروبي، وإعادة إحياء المشروع يعتبر انتهاكاً للمناطق المحمية من قبل الاتحاد الأوروبي.

يُذكر أن أطول جسر معلق في العالم حالياً هو جسر "أكاشي كايكيو" باليابان الذي يبلغ طوله حوالي ٢ كلم، وإذا كُتب لهذا المشروع النجاح، فسوف يعزز نفوذ إيطاليا في المنطقة عن طريق إحياء المناطق الجنوبية الأكثر فقراً، وسوف تصبح إيطاليا محطة عالمية للبضائع القادمة من آسيا عبر قناة السويس.