أمن
بمرور الساعات يتضاءل الأمل بالعثور على أحياء في درنة في شرق ليبيا، إذ مرت ستة أيام على فيضانات عنيفة اجتاحت المدينة عندما ضربت العاصفة دانيال المدينة وتسببت الأمطار الشديدة في انهيار سدين، لتجتاح موجات من المياه طرقات المدينة وتجرف معها أحياء بأبنيتها وبنيتها التحتية.
في ظل صعوبة الوصول والاتصالات وعمليات الإغاثة والفوضى السائدة في ليبيا حتى قبل الكارثة، تتضارب الأرقام عن أعداد الضحايا، حسب وكالة فرانس برس.
وقد أعطى وزراء في حكومة الشرق أرقاما غير متطابقة، لكن في آخر حصيلة لهم، أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة الشرق الأربعاء الماضي أن أكثر من 3800 شخص قضوا في الفيضانات، أما المفقودون بالآلاف، وفق مصادر عدة، بينها الصليب الأحمر الدولي.
إلا أن الهلال الأحمر الليبي يُعطي تقديرا مختلفا تماما، إذ يرجح أن عدد الضحايا بلغ ١١ ألف و ٣٠٠ شخص، بينما تجري أعمال البحث عن حوالي ١٠ آلاف مفقود آخر، حسب وكالة أسوشيتد برس.
وفي تصريحات تليفزيونية قال عمدة درنة، عبد المنعم الغيثي، إن عدد القتلى ربما يرتفع إلى 20 ألفا، بالنظر إلى عدد الأحياء التي أغرقتها المياه.
وتحدثت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 38 ألف شخص في الشرق الليبي بينهم 30 ألفا من درنة.
بالإضافة إلى تباين البيانات الرقمية، فلا يمكن اعتبار الأوضاع الميدانية في ليبيا قياسية كذلك، فعلى سبيل المثال تصف مانويل كارتون المنسقة الطبية لفريق من منظمة "أطباء بلا حدود" التي وصلت قبل يومين إلى درنة الوضع بأنه "فوضوي" ويمنع حسن سير عملية إحصاء الضحايا والتعرف على هوياتهم.
فوفقا كارتون، دفن بالفعل عدد كبير من الضحايا في مقابر جماعية، إلا أن الكثير من هؤلاء لم تحدد هوياتهم، خاصة أولئك الذين انتشلوا بأعداد كبيرة من البحر فتقول: "الناس الذين يعثرون على الجثث يدفنونها فورا".
ففيما يشكل القلق من انتشار الجثامين في المدينة هاجس لدى المواطنين أكدت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، أن الوضع قابل للسيطرة: "لديك الكثير من المياه الراكدة. هذا لا يعني أن الجثث تشكل خطرا، لكنه يعني أن المياه نفسها ملوثة بكل شيء. لذا عليك التركيز على ضمان حصول الناس على المياه الصالحة للشرب".
لكن تدخل المتطوعين يجعل المشهد أكثر تخبطا من وجهة نظر كارتون التي قالت أنها وجدت متطوعين من جميع أنحاء البلاد توافدوا إلى درنة بمجرد وصولها، ويعيقون العاملين في المجال الإنساني في بعض الأحيان.
وأضافت: "الجميع يريد المساعدة، لكن الأمر أصبح فوضويا. ثمة حاجة هائلة إلى تنسيق".
يعيق الوضع السياسي في ليبيا كذلك عمليات الإغاثة، فليبيا غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حماد وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.
ودعت الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز وهي ممثلة الأمم المتحدة السابقة في ليبيا، إلى تدخل دولي عاجل، حيث كتبت عبر منصة "اكس": "الواجب الأخلاقي (..) المتمثل بحماية (المدنيين) الذي كان دافعا للتدخل (العسكري) في 2011 (ضد نظام معمر القذافي) يجب أن يوجه تحرك الأسرة الدولية إثر الفيضانات التي اجتاحت شرق ليبيا وتسببت بمقتل آلاف الليبيين الأبرياء والأجانب".
ودعت إلى إنشاء آلية مشتركة وطنية ودولية للإشراف على أموال المساعدة، حاملة على الطبقة السياسية الليبية التي تميل إلى استخدام "حجة السيادة"، كما وصفتها، لتوجيه عمليات المساعدة "بحسب مصالحها".
وقال الناطق باسم المشير حفتر أحمد المسماري في مؤتمر صحافي مساء الجمعة في مدينة بنغازي الكبيرة في شرق ليبيا إن حاجات الإعمار هائلة.
ومع أن الكارثة وقعت في منطقة خاضعة لسيطرة المعسكر الشرقي، إلا أن الدبيبة، الذي يتخذ من الغرب مقرا له، اعتبر خلال الأسبوع الراهن أن ما حصل سببه ما تم تخطيطه في السبعينات والذي لم يعد كافيا اليوم، بالاضافة إلى الإهمال الزمني ومن آثار السنوات، وقال خلال اجتماعه مع الوزراء والخبراء إن هذه إحدى "نتائج الخلافات والحروب والأموال التي ضاعت".
وطلبت عريضة عبر الانترنت جمعت أكثر من ألفي توقيع في غضون 24 ساعة مساعدة الأسرة الدولية وتشكيل "لجنة تحقيق دولية ومستقلة" لتبيان ملابسات الكارثة وتحديد المسؤولين بغية محاكمتهم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة