"وعود طالبان الكاذبة".. أفغانيات يهاجرن بحثا عن مدرسة

لم تتخيل رقية.ن (٢١ سنة)، أن تتغير حياتها بالكامل بعد انتقال أسرتها لباكستان قبل ستة أشهر.

هي الآن تدرس سنة أولى هندسة في جامعة بيشاور، المحاذية لأفغانستان، بعد أن ضاق والداها ذرعاً بسياسات حكومة طالبان التي حظرت تعليم الفتيات.

"منعوا الطالبات من الدراسة دون تقديم أي بديل لهن، ولم يعد لي وشقيقتاي أي مستقبل في بلدنا" تقول الشابة لـ "بلينكس" وهي ترتب كتبها فوق مكتبها.

يعيش أفراد هذه الأسرة في باكستان كلاجئين مسجلين لدى السلطات، ويطمح والدها لتغيير وضعه ليصبح مقيماً دائماً في البلد الجار.

وترى رقية أنها كانت محظوظة بقرار والدها مغادرة مدينة مزار الشريف، مسقط رأسها، لأن "حلمها أن تدرس وتصبح مهندسة معلوماتية كان سيتحول لكابوس منذ سيطرة طالبان على الحكم قبل عامين".

أصدر مسؤولو حركة طالبان المحليون في عدد كبير من محافظات أفغانستان مجموعة جديدة من القيود على التعليم للبنات، إذ منعوا الفتيات اللاتي تجاوزن سن العاشرة من الالتحاق بصفوف المدرسة الابتدائية.

هذا القرار الصادر عن وزارة التعليم التي تديرها حركة طالبان، أثار مخاوف واسعة من حقوق النساء وإمكانية الوصول إلى التعليم في البلاد.

أمرت حركة طالبان في مارس من العام الماضي، بإغلاق جميع المدارس الثانوية للفتيات، بعد ساعات فقط من إعادة فتحها.

يأتي هذا الإجراء بعد أن سمحت حركة طالبان سابقاً بالتعليم للفتيات حتى الصف السادس. وتُرسل الفتيات اللواتي يتجاوزن الصف الثالث إلى منازلهن، ويُمنع دخول الفتيات اللواتي تجاوزن سن العاشرة إلى المدارس.

ومع ذلك، ظلت بعض المدارس العامة مفتوحة في مناطق معينة من البلاد، بضغط من العائلات ووجهاء محليين.

لكن مدارس البنات لا تزال مغلقة في غالبية الولايات الأفغانية، لا سيما في العاصمة كابول وقندهار، معقل طالبان.

كشف صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن التعليم الثانوي محظور على نحو ٣ ملايين فتاة في أفغانستان، وفق أبحاث ميدانية أجراها هذا العام.

ومنذ ديسمبر الماضي، قامت الحركة بتوسيع الحظر ليشمل الطالبات في الجامعات والكليات، وفرضت قيوداً غير محددة المدى على التعليم الجامعي لآلاف الفتيات.

اضطرت فرح ناز، 16 سنة، إلى إعادة سنة دراسية كاملة في إحدى ثانويات مدينة مردان، غرب بيشاور، لكي تستطيع استكمال دراستها.

"لم أكترث لقرار الثانوية هنا بقدر ما كنت سعيدة بالعودة إلى فصول الدراسة من جديد، إنه حلم يتحقق"، توضح لـ"بلينكس".

بعد أن تأرجح قرار أسرتها بين إيران وباكستان، قرر والدها أخيراً النزوح إلى الجارة النووية بإلحاح من أبناء عمومته الذين يعيشون فيها.

اضطر لبيع كافة أراضيه في غارديز، عاصمة ولاية بكتيا، لكي يبدأ حياة جديدة مع أبنائه وبناته.

وتبدي ناز أسفها لأوضاع صديقاتها اللواتي لزمن منازلهن وتبخرت أحلامهن، وتضيف: "معظم صديقاتي قررن دراسة العلوم الشرعية في مدارس دينية، لأنها الوحيدة المسموح لها باستقبالهن، وعود طالبان بأن الفتيات سيدرسن كانت كذبة".

هي وغيرها من الفتيات اللاتي غادرت عائلاتهن البلاد يطمحن للعمل في أفغانستان مستقبلاً بعد مغادرة طالبان الحكم. ورفض قياديو طالبان المطالب الدولية بإزالة القيود على النساء، معتبرين ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

فريق من خبراء الأمم المتحدة في حقوق الإنسان أنهى بعثة استغرقت ثمانية أيام إلى البلاد في مايو الماضي، وأفاد بوجود "حالة غير مسبوقة من التمييز القائم على النوع الاجتماعي في المؤسسات" في أفغانستان.

في اجتماعات مع مدراء المدارس أُعلِن بشكل صريح أن "أي فتاة تتجاوز سن العاشرة ليس مسموحاً لها بالدراسة في المدارس الابتدائية."

وفي بعض المحافظات، شاركت السلطات المحلية من "وزارة الوعظ والإرشاد" أيضاً في فصل الفتيات بناءً على العمر، مما يزيد من المخاوف بشكل أكبر بشأن مستقبل التعليم للإناث في المنطقة.

يرى الباحث السياسي اسكندر عامر أن "هذا يسمح أيضاً لعناصر طالبان بصياغة سياستهم المحلية الخاصة بناء على تفسيرهم الشخصي للشريعة".

ويتابع في حديث مع "بلينكس": "يجب أن يتم إرسال رسالة قوية ومنسقة إلى طالبان بأنه إذا لم يُسمح للفتيات بالوصول إلى التعليم الابتدائي والعالي، سيقوم المجتمع الدولي بتقليص تمويل قطاع التعليم".

تم منع العديد من النساء الأفغانيات، بما في ذلك اللواتي يعملن لصالح الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، من الوصول إلى أماكن العمل والأماكن العامة.

وتؤكد اليونسكو أن 80% من الفتيات الأفغانيات ممن هنَّ في سن المدرسة، لا يدرسن هذا العام، و30% تقريباً من الفتيات لم تطأ أقدامهنَّ المدرسة الابتدائية على الإطلاق.

حظر تعليم الفتيات يجعل أفغانستان البلد الوحيد في العالم الذي يمنع نصف سكانه من الحصول على التعليم الثانوي، حسب عامر.

هذا القرار يشبه إلى حد كبير الإجراءات التي استخدمتها حركة طالبان في التسعينات، عندما حكمت أفغانستان آخر مرة، حيث قام عناصرها بمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة دون إصدار مرسوم رسمي يحظر ذلك، حسب ما تشير الغارديان البريطانية.

وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلقه العميق" لقرار الحكومة الأفغانية ، داعيا الحركة الإسلامية المتشددة إلى "ضمان المساواة في الحصول على التعليم على كل المستويات".

وتعرض مسؤولو الحركة لانتقادات من جانب العديد من الحكومات الأجنبية وبعض الأفغان لتراجعها عن إشارات سابقة بفتح جميع مدارس الفتيات الثانوية.

وجعل المجتمع الدولي من حق التعليم للجميع، نقطة أساسية في المفاوضات حول المساعدات والاعتراف بنظام طالبان الجديد، فيما عرضت دول ومنظمات عدة دفع رواتب الأساتذة.