أمن
.
مظاهرات غاضبة أمام مقر شركة تويتر X في سان فرانسيسكو يوم الإثنين، والسبب ليس إيلون ماسك الذي يشبّه نفسه بـ"Iron Man" ويثير الجدل بأسلوب إدارته لموقع السوشيال ميديا العملاق، وإنما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سافر آلاف الأميال لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكنه صمم أن تكون أول محطة له هي شركة ماسك في كاليفورنيا قبل لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن أو الجاليات اليهودية في نيويورك.
فلماذا اختار نتنياهو هذا اللقاء، وما هو السر الذي يدفعه لمحاولة إنقاذ قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الإسرائيلي الذي شهد انسحابات متتالية وخروج من الدولة التي تتفاخر باحتضانها أكبر عدد من الشركات التقنية الناشئة والكبرى؟
الإسرائيليون غاضبون مما يرونه خيانة لهم، فرئيس حكومتهم اختار أن يقابل الملياردير ماسك الذي تلاحقه اتهامات بالتساهل والترويج لمعاداة السامية والتهجم على رابطة مكافحة التشهير (أحد أكبر المنظمات اليهودية للدفاع عن اليهود وإسرائيل).
الصحف الإسرائيلية ناشدت نتنياهو التحدث مع ماسك عن تلك المشكلة لكن "بيبي" (لقب نتنياهو) أصر على أن يقتصر حواره الذي يبث على تويتر مع "أيرون مان" فقط على مستقبل الذكاء الاصطناعي، وهو ما يراه الإسرائيليون بأنه تبييض لصورة ماسك وإضفاء للشرعية على أفكاره اليمينية التي تعادي اليهود (بحسب وجهة نظرهم).
نتنياهو مؤمن أن بإمكانه إقناع الملياردير الشهير بالاستثمار في قطاع الشركات التكنولوجية في إسرائيل ما قد يشكل انتصاراً تحتاجه حكومته بشدة في الوقت الذي تقول فيه المعارضة الإسرائيلية إن التعديلات القضائية أضرت بالاقتصاد الإسرائيلي ودفعته نحو الهاوية.
لكن هناك مشكلة واحدة في طريق نتنياهو لجلب الاستثمارات إلى شركات High-tech الإسرائيلية، أين هي تلك الشركات أصلاً؟ وخصوصا أن هناك هروب كبير للشركات التكنولوجية الإسرائيلية نحو الخارج منذ بداية العام ٢٠٢٣ بسبب الأوضاع في البلاد.
"سوروس يذكرني بماغنيتو" هكذا كتب إيلون ماسك في شهر مايو الماضي عن أحد أشهر رجال الأعمال اليهود وصاحب مؤسسة Open Society للأعمال الخيرية جورج سوروس مشبهاً إياه بالشخصية الشريرة التي تريد حكم العالم في أفلام X-Men الهوليودية.
ماسك كتب بعدها "أود الاعتذار عن هذا المنشور، فهو حقاً ليس منصفاً لماغنيتو" في إشارة إلى أن سوروس أسوأ من الشخصية الشهيرة تلك.
وفي مرة أخرى كتب ماسك "إنه (سوروس) يريد تدمير النسيج الحضاري ذاته. سوروس يكره البشرية".
مكافحو معاداة السامية يرون أن مثل هذه المنشورات تروّج لنظريات مؤامرة من اليمين المتطرف التي تستهدف سوروس (92 عام) الناجي من محرقة الهولوكست لكونه يهودياً وتقول إن "اليهود يحكمون العالم" أو "يتمتعون بنفوذ مطلق".
ماسك يبدو مصمماً على آرائه المثيرة للجدل ضد سوروس، فيوم الأحد، عاد إيلون وكتب على تويتر أن "منظمة سوروس لا تريد أقل من تدمير الحضارة الغربية" في رده على سيدة ادعت أن اللاجئين الأفارقة القادمين لإيطاليا هم "غزو ممول من قبل سوروس".
"توقفوا عن التشهير بي" هكذا رد ماسك في شهر نوفمبر العام الماضي على المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير جونثان جرينبلات عندما انتقد الأخير قرار إيلون إعادة حساب دونالد ترامب على منصة تويتر ووصفه بأنه ينم عن "عدم الجدية فيما يتعلق بحماية المنصة من الكراهية والتحرش والمعلومات المضللة".
هذه كانت بداية حرب إيلون ماسك على أحد أقدم المنظمات اليهودية في أميركا.
رابطة مكافحة التشهير ADL التي تأسست عام 1913 وتعمل على "محاربة معاداة السامية والتطرف" بحسب وصفها بما في ذلك نظريات التفوق العرقي للرجل الأبيض.
لكن الرابطة أيضاً تتهم بملاحقة أنصار القضية الفلسطينية بسبب انتقاداتهم للسياسات الإسرائيلية.
في الأسابيع الماضية، انطلقت حملة من تيارات أقصى اليمين للمطالبة بإلغاء ADL واتهامها بتقويض حرية التعبير وملاحقة الأصوات اليمينية على الإنترنت.
سرعان ما تفاعل ماسك مع تلك الحملات وكتب عدة منشورات ينتقد فيها الرابطة ويتهمها بالضغط لإغلاق حسابات تويتر اليمينية، واتهم إيلون ADL بمحاولة "قتل هذه المنصة عبر اتهامها واتهامي زوراً بمعاداة السامية".
الملياردير صاحب شركة تسلا قال إن رابطة مكافحة التشهير تقف خلف حملة مقاطعة ضده وضد منصته تسببت في خسائر مالية كبيرة بعد انسحاب ما يقارب ثلثي المعلنين، واتهمها بالتسبب بما يزيد عن 4 مليار دولار من الخسائر لتويتر.
ماسك هدد ADL بمقاضاتها بتهم التشهير والمطالبة بتعويض وتعهد ساخراً بأنه إذا فاز بالقضية فسيجبرهم على تغيير اسمهم "لرابطة التشهير".
"نحن على أعتاب عصر جديد للبشرية، عصر الذكاء الاصطناعي. الليلة الماضية أجريت محادثة طويلة مع إيلون ماسك، الذي أقدر بشكل كبير بصيرته ومساهمته للإنسانية". هذه كانت كلمات نتنياهو في شهر يونيو الماضي.
حينها قال إن ماسك "أعرب عن وجهة نظره بأن إسرائيل يمكن أن تصبح لاعباً عالمياً مهماً في هذا المجال. وأنا متأكد من أن هذا صحيح وسوف نفعل ذلك".
رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إنه أوعز بتشكيل فريق لصياغة سياسات إسرائيل في مجال الذكاء الاصطناعي وأنه يعالج هذا الأمر على أعلى مستوى وبجدية كبيرة لتكون بلاده رائدة في ذلك المجال.
مراقبون إسرائيليون رأوا بأن هذه تعتبر محاولة "مزيفة" لتشتيت أنظار الإسرائيليين عن تعديلاته القضائية المثيرة للجدل وإلهائهم بوعود اقتصادية فضفاضة.
الغريب أن ماسك رد على تغريدة نتنياهو قائلاً "شكراً لك على إدراك المخاوف بشأن أمان الذكاء الرقمي الفائق، الذي يؤثر على البشرية جمعاء". لكنه لم يتطرق لادعاء نتنياهو بأن إسرائيل ستصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي.
رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين تعاقبوا على الكرسي عكفوا على وصف دولتهم بكلمة The Start-Up Nation أو "بلد الشركات الريادية الناشئة" للتفاخر بأنه توجد روح عالية من الإبداع والابتكار.
شركات الهاي تيك التكنولوجية الإسرائيلية ليست فقط مهمة لتسويق صورة إيجابية عن الدولة اليهودية، وإنما هي مسؤولة عن أكثر من نصف الصادرات الإسرائيلية وحوالي خُمس الناتج القومي الإجمالي كما وتوظف نحو 11% من القوى العاملة في البلاد برواتب تفوق معدل الدخل المحلي.
لكن في الأشهر الأخيرة، تصاعد هروب الشركات التكنولوجية والريادية من إسرائيل بشكل كبير. فنحو 80% من الشركات الإسرائيلية الريادية الناشئة هذا العام أُقيمت خارج إسرائيل نفسها، بينما قامت نحو 68% من الشركات الريادية الإسرائيلية المتواجدة في البلاد باتخاذ إجراءات لنقل أجزاء من أعمالها إلى خارج إسرائيل في ظل الإصلاحات القضائية وفقاً لوكالة رويترز.
الغالبية العظمى من الشركات الريادية الإسرائيلية (نحو 80%) يقولون إن تلك الإصلاحات أثرت سلباً على أعمالهم، سواء بسبب نقص وهروب الاستثمارات الأجنبية أو سعي بعض الموظفين للانتقال لخارج البلاد وصعوبة الحصول على تمويل أجنبي.
وارتفعت نسبة شركات اليونيكورن (التي تزيد قيمتها السوقية عن مليار دولار) الهاربة من إسرائيل بنسبة 10%، حيث أن 88 شركة من تلك الشركات ال98 المليارية تتخذ الآن من الولايات المتحدة مقراً لها. في الوقت ذاته، رصد تقرير لصندوق الاستثمار Viola في شهر فبراير بأن نصف شركات اليونيكورن الإسرائيلية فقدت قيمتها لتهبط ما دون المليار دولار.
وفي منتصف شهر فبراير، قالت البنوك الإسرائيلية إن نحو 4 مليار دولار خرجت من البلاد خلال أقل من 3 أسابيع. وكان هذا بعد أقل من شهرين على تولي نتنياهو للحكم، بينما انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بأكثر من 12% خلال عام واحد.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة