أفغانيات يفضلن الانتحار على "بلد طالبان".. وهذه قصة عائشة

لم يتوقع شهزاد علي أن تنتهي الشكاوى المتكررة لشقيقته من سوء معاملة زوجها لها بنهاية مأساوية.

لم تتمكن من مزاولة عملها كمحاسبة في جلال أباد، شرق أفغانستان، بعد أن حظرت شركتها عمل النساء فيها انصياعاً لقرارات حركة طالبان.

"زوجها كان يضربها ويعنفها منذ أن أصبحت عاطلة عن العمل. طلبنا منها أن تصبر عليه كلما زارتنا وكانت يائسة جداً" يوضح علي لـ"بلينكس".

وقبل شهرين، استقبل علي مكالمة من زوجها يخبرهم أنها فارقت الحياة إثر تناول جرعة أدوية زائدة.

اختارت العائلة أن تخبر أقاربها وأصدقاءها أنها كانت تعاني من مرض مزمن تفاقم وتوفيت بسببه.

يقول علي "لا نريد أن نخبرهم أنها انتحرت لأن ذلك سيجلب لنا العار. حزننا على فراقها وعلى مصير طفليها لا يضاهيه أي ألم".

لم تنشر حكومة طالبان أي إحصائيات حول اتساع ظاهرة انتحار الأفغانيات، ومنعت العاملين في مجال الرعاية الصحية من مشاركة أي أرقام بخصوص ذلك.

ومنع مسؤولو الحركة النساء من دخول الحدائق العامة والصالات الرياضية، ومن متابعة تعليمهن بعد المرحلة الابتدائية.

الحظر شمل أيضا معظم فرص العمل، إلى جانب إغلاق صالونات التجميل.

ناشطون يقولون إن الاكتئاب ينتشر بشكل كبير في صفوف النساء، بسبب حظر التعليم والتوظيف، الأمر الذي يزيد من سوء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بالفعل للعديد من العائلات التي تعاني من الفقر.

وتشمل العوامل الأخرى الزيجات القسرية، والعنف المنزلي، ونقص الحياة الاجتماعية بشكل عام.

وصرحت أليسون دافيديان، مساعدة ممثلة الأمم المتحدة لشؤون النساء في أفغانستان، أن أعداداً متزايدة من النساء والفتيات في هذا البلد يرون أن الموت أفضل من العيش تحت الظروف الحالية.

"نحن نعيش أزمة صحية عامة ملّحة جعلت أفغانستان واحدة من الأماكن القليلة في العالم تنتحر فيها النساء أكثر من الرجال"، يؤكد الأكاديمي الأفغاني محمد زبير في حديث مع بلينكس.

وأفاد تقرير للقناة المحلية "طلوع نيوز" بوجود ٢٥٠ محاولة انتحار في البلاد خلال العام الماضي، ١٨٨ من الحالات كن نساء مقابل ٦٢ رجلاً.

رفض عائشة.ك الزواج من قريبها كان بمثابة مؤشر على عصيان لم يخطر على بال والدها. منعها من متابعة الدراسة جعلها تدخل في نوبة اكتئاب، لتفكر أسرتها في تزويجها سريعا لبدء حياة جديدة.

قرار لم تستسغه الشابة التي لم تتجاوز ١٧ سنة.

يتذكر والدها كيف فشلت جهوده في إطفاء النيران التي التهمت جسدها بعد أن صبت ابنته البنزين على نفسها.

يقول بحسرة "كانت سعيدة عندما كانت تدرس. سنغير مكان إقامتنا هنا في كابول لأن الجميع يتحدث أمامنا عن حادث انتحارها، وهو ما لا نقوى على تحمله".

يرى زبير أن المرأة في بلاده عادت إلى ما كانت عليه قبل عقود من الزمن بعد أن حدّت طالبان من حريتها، دون وجود بوادر على تغيير الأوضاع.

ويضيف: "بعض النساء اللواتي يحاولن الانتحار قد لا يتم نقلهن للعلاج، وبعض اللواتي يمتن قد يُدفن دون تسجيل الانتحار كسبب للوفاة".

وذكرت شهرزاد أكبر، المديرة التنفيذية لمنظمة حقوق الإنسان الأفغانية "راواداري" لوكالة أناضول: "يعترف الأقارب بالانتحار بمحض إرادتهم فقط عندما لا يرغبون في توجيه اتهام بالقتل إلى أحد أفراد العائلة".

وتابعت أن مقدمي الرعاية الصحية ونشطاء حقوق الإنسان أطلقوا "إنذاراً" بشأن الزيادة المذهلة في حالات الانتحار بين نساء أفغانستان.

يؤكد زبير لـ"بلينكس" أن فقدان الحرية والأمل، وزيادة الزيجات القسرية والزواج في سن مبكرة والعنف المنزلي، جعل النساء أكثر ضعفاً خلال العامين الأخيرين.

وقال أحد الأطباء في مستشفى محافظة هرات، غرب أفغانستان، لرويترز إن حوالي ٩٠٪ من الحالات التي تصل قسم الصحة النفسية في المستشفى هي لنساء "ينهرن تحت وطأة القيود الجديدة".

وأضاف أن أعلى حالات للانتحار ومحاولات الانتحار هي بين النساء، واصفاً المكان بأنه مكتظ، حيث يتوفر فقط 25 سريراً للصحة النفسية لسكان يبلغون الملايين.

وسجلت هرات، وفق بحث أجرته مجلة "بي إم سي" للطب النفسي، مستويات عالية من العنف الجنسي والانتحار بين النساء لسنوات عديدة.

وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت احتياجات الرعاية الصحية بشكل كبير منذ تولي حركة طالبان السلطة.

قال أحد العاملين في مجال الصحة: "المرضى لا يحصلون على الاستشارة التي يحتاجون إليها. في كثير من الأحيان، نُضطر لوضع مريضين في سرير واحد".

تشير الدراسات التي اعتمدت على سجلات وزارة الصحة للحكومة السابقة إلى أن الاكتئاب والعنف المنزلي كانا من الأسباب الرئيسية لمحاولات الانتحار من قبل الأفغانيات.

ووجدت أيضًا أن "المعتقدات والتابوهات الاجتماعية والثقافية" قد أنشأت حاجزاً يمنع العديد من النساء من الكشف عن مشاكلهن الصحية النفسية للأطباء والبحث عن المساعدة.

وحتى قبل عودة حركة طالبان إلى السلطة، كان قد تم تشخيص حوالي مليوني امرأة أفغانية بالاكتئاب الشديد.