على حدود قطاع غزة.. لماذا عادت المظاهرات التي تؤرق إسرائيل؟

في العام 2018، زحف عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة نحو السياج الحدودي مع إسرائيل حاملين أعلاماً فلسطينية ومطالبين برفع الحصار الإسرائيلي عن غزة وإعادة كافة حقوقهم بما في ذلك حق العودة للقرى التي هجروا منها.

المسيرات استمرت نحو عامين وانطلقت بشكل أسبوعي كل يوم جمعة، وواجه المتظاهرون جنود الجيش الإسرائيلي المتمترسين خلف تلال رملية عالية والذين استعملوا ضدهم الرصاص الحي والرصاص المتفجر والمطاطي وقنابل الغاز مع أدى اللي قتل أكثر من 223 متظاهر وإصابة ما يزيد عن 30 ألف.

مئات الشبان الفلسطينيين أصيبوا بإعاقات دائمة بسبب الرصاص المتفجر المحرم دولياً، وبعضهم بترت أطرافهم، لكن ذلك لم يثن الجماهير الفلسطينية عن مواصلة الزحف نحو الشياج الفاصل.

هذا الأمر دفع الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو للتوصل "لتفاهمات" مع حركة حماس الحاكمة للقطاع برعاية مصرية-قطرية نصت على تخفيف بعض مظاهر الحصار والقيود المفروضة على قطاع غزة مقابل استعادة حماس للهدوء في المناطق الحدودية بشكل خاص وفي القطاع بشكل عام.

وكانت إحدى التسهيلات هي ما يعرف بـ"المنحة القطرية"، وهو مبلغ شهري يبلغ حوالي 30 مليون دولار تدفعها حكومة قطر لشراء الوقود لمحطة توليد الطاقة الكهربائية في غزة ولتوزيع مبلغ 100 دولار على نحو مئة ألف عائلة ولدعم رواتب الموظفين الحكوميين في حكومة حماس.

تدريجياً، تقلصت الأعداد المشاركة في المسيرات إلى أعلنت الهيئة التنظيمية للمسيرة إيقافها بشكل رسمي في بداية عام 2020، ومن ثم حالت جائحة كورونا دون استئنافها مرة أخرى.

في العام 2020، أشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن رئيس جهاز الموساد الاستخباراتي زار الدوحة وطلب من الحكومة القطرية مواصلة منحتها لغزة للمحافظة على هدوء الأوضاع، بينما قال وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان إن رئيس الموساد "توسل" لقطر لتدفع المال لحماس وأن نتنياهو هو من أرسله.

لذلك حماس تدرك أن استخدام وسائل الضغط المختلفة على الحكومة الإسرائيلية قد يدفعها لطلب رفع المنحة من القطريين.

في نهاية شهر أغسطس الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار إعادة تأهيل مناطق التجمعات الخمس الرئيسية للمسيرة وشوهدت جرافات في المناطق الحدودية وهي تمهد الطرق المؤدية لمناطق التجمعات تحضيراً لاستئناف المسيرات بشكل رسمي.

لكن الهيئة لم تحدد موعداً رسمياً للحشد والتعبئة الجماهيرية للانطلاق نحو المنطقة الفاصلة مع إسرائيل بأعداد كبيرة مثلما حدث في العامين 2018-2019. وهو ما ترجمه البعض بأنه مجرد رسالة إنذار لإسرائيل من سخونة الأوضاع في قطاع غزة بسبب ضيق الحال ونفاذ صبر أهل القطاع.

في الوقت نفسه الذي لم يتم فيه استئناف المسيرات بشكل رسمي، انطلق عشرات الشبان الفلسطينيين على مدار الأيام السبعة الماضية نحو السلك الفاصل للتظاهر ضد الحصار. وقام بعضهم بإشعال الإطارات المطاطية لإحداث سحابات دخانية للاحتماء من أعين القناصة والجنود الإسرائيليين، بينما قام آخرون بإلقاء الحجارة وأكواع متفجرة بدائية الصنع نحو مناطق تواجد الجنود.

عناصر أمن حماس المعروفة باسم "الضبط الميداني" والمتواجدة في العادة في المناطق الحدودية لم تقم بمنع المتظاهرين من الوصول للسلك الفاصل وهو ما رآه مراقبون دليلاً على أن للحركة هدف استراتيجي من السماح بهذه النسخة المصغرة من المسيرات للضغط على الحكومة الإسرائيلية.

في الوقت الذي تسعى فيه المسيرات الحدودية الضغط على إسرائيل لتخفيف قيودها المفروضة على قطاع غزة، تحاول الحكومة الإسرائيلية العمل بشكل معاكس، عبر تضييق الخناق على الفلسطينيين في القطاع وزيادة قيودها لإخماد المسيرات.

من جهة، العنف المستخدم ضد المتظاهرين والصحفيين بالقرب من السياج الفاصل يهدف لردع المواطنين الوافدين للمنطقة ولإخافة الغزيين بشكل عام من التفكير بالانضمام للمسيرات.

ومن جهة أخرى، أعلنت الحكومة الإسرائيلية إغلاق معابرها الحدودية مع قطاع غزة حتى إشعار آخر، وهو ما يعني قطع نحو 17,000 مواطن غزي ممن يعملون داخل الخط الأخضر عن مصدر رزقهم بهدف الضغط على حركة حماس وحكومتها لمنع المتظاهرين من الوصول للمنطقة.

اتحاد نقابات العمال الفلسطينيين أدان هذا القرار كسياسة عقاب جماعي غير مشروعة تحت القانون الدولي لتحقيق مكاسب سياسية على حساب العمال.

وفقاً لوكالة صفا المحلية، فإن المنحة القطرية من المتوقع أن يتم صرفها قريباً للعائلات الغزية، لكن لم يتم تحديد موعد بعد لعملية الصرف.

نشطاء غزيون يقولون إن هناك خلاف بين حركة حماس والحكومة القطرية حول تجديد منحة الموظفين المدنيين في حكومة غزة، أما صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فتحدثت عن أن حركة حماس تطلب من قطر رفع مبلغ المنحة لمواكبة التضخم وارتفاع أسعار الوقود التي أضعف عائدات الحكومة المحلية وبالتالي خفضت من قدرتها على دفع رواتب موظفيها.

حكومة حماس في غزة كانت قد أعلنت قبل يومين بأنها لن تستطيع سوا دفع 55% من قيمة رواتب موظفيها بحد أدنى 1700 شيكل (نحو 446 دولار)، وهو ما اعتبر انخفاضاً بنسبة 5% عن نسب الرواتب السابقة. فالحركة لأكثر من عشر سنوات لم تستطع سوى دفع ثلثا رواتب موظفيها الحكوميين بسبب ضعف مواردها المالية.

في نهاية شهر أغسطس الماضي، ظهر نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في تهديد في مقابلة صحيفة وهدد إسرائيل بـ"حرب إقليمية" شاملة إذا فكرت في الرجوع لسياسة الاغتيالات أو القتل المستهدف لقيادات الفصائل الفلسطينية.

الكابينت الإسرائيلي الوزاري اجتمع في تلك الفترة لدراسة خطوات تصعيدية تجاه العمليات المسلحة في الضفة الغربية، وخرج ببيان رسمي قال فيه إنه وافق على "سلسلة قرارات لاستهداف الإرهابيين وتفويض رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالتصرف في هذا الشأن".

تسريبات من هذا الاجتماع أوضحت بأن سياسات الاغتيالات كانت أحد القرارات المطروحة التي تبناها الكابينت وظهر اسم العاروري كأحد أبرز الأسماء بصفته أحد المسؤولين عن تسليح الحركة في الضفة.

العاروري ظهر بعدها بزي عسكري للقول إنه لا يخشى التهديدات الإسرائيلية، وقال "إذا وصلنا لمواجهة شاملة، فإن إسرائيل ستُهزم هزيمة غير مسبوقة في تاريخها".