أمن
.
وسط دومينو الانقلابات الأفريقية، تقف دولة عربية أفريقية صامدة، تستحوذ على اهتمام دولي فائق نظرا لاعتبارها المعقل الوحيد للاستقرار السياسي النسبي في منطقة الساحل في الغرب الأفريقي، التي تتكون من أنظمة تقودها مجالس عسكرية مثل مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر.
وتدور هذه المنافسة حول احتياطيات تلك الدولة الأفريقية العربية من الغاز الطبيعي وإمكانات الطاقة الخضراء التي توفرها تضاريسها الصحراوية الشاسعة، وموقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي.
تحول موريتانيا إلى ملاذ آمن في منطقة الساحل المضطربة جعلها في مرمى منافسات القوى الخارجية. أ ف ب
موريتانيا، يتوقف عند حدودها حزام الانقلابات في أفريقيا، يتقرب منها الصينيون، والغرب، ودول عربية. وأوردت فورين بوليسي، المجلة الأميركية التي تصدر كلّ شهرين، أن أهميتها الجيوسياسية غالبا ما يتم التغاضي عنها.
فماذا نعرف أن الأهمية الاستراتيجية لموريتانيا؟ وكيف تحوّلت إلى الاستقرار بعد الاضطرابات؟
في 28 يوليو، التقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بنظيره الموريتاني، محمد ولد الغزواني، في مدينة تشنغدو الصينية. كان لقاء شي مع الغزواني هو الثاني له في غضون ٨ أشهر، بعد لقاء في قمة الصين والدول العربية في الرياض، في 9 ديسمبر 2022.
بعد اجتماعهما، وقعت الصين اتفاقيات تعاون شملت قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء، ومنحت 21 مليون دولار لتخفيف عبء الديون عن موريتانيا.
وانضمت موريتانيا إلى مبادرة الحزام والطريق، الصينية، في العام 2018.
لكن توقيت تودد الصين لموريتانيا كان لافتا، وفق تحليل المجلة الأميركية، فقد حدث ذلك بعد ساعات فقط من الانقلاب الذي نفذه عبد الرحمن تشياني ضدّ رئيس النيجر محمد بازوم في النيجر.
وأعقب ذلك زيارة وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولز في 14 أغسطس إلى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العاصمة الموريتانية نواكشوط.
كانت زيارة شولز بمثابة اعتراف ضمني بأهمية قبول موريتانيا، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 4.6 ملايين نسمة، ما يصل إلى 100 ألف لاجئ من البلدان المجاورة.
تودد الصين وألمانيا لموريتانيا يعكس مبادرات موازية من قبل قوى عظمى عالمية، وقوى إقليمية في الشرق الأوسط. وتمتد هذه الجهود من مبادرات مكافحة الإرهاب إلى تطوير الهيدروجين الأخضر، ومن المرجح أن تتكثف إذا قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التدخل عسكريا في النيجر، وفق المجلة الأميركية.
تحول موريتانيا إلى ملاذ آمن في منطقة الساحل المضطربة جعلها في مرمى منافسات القوى الخارجية.
ورغم انضمام موريتانيا إلى برنامج الحوار المتوسطي التابع لحلف شمال الأطلسي في عام 1995، إلّا أنّ سلسلة الانقلابات التي شهدتها أدّت إلى تقييد التعاون مع الدول الغربية.
وبعد انقلاب أغسطس 2008 الذي أوصل سلف الغزواني محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، سارعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى قطع جميع المساعدات غير الإنسانية عن موريتانيا.
في أكتوبر 2009، التقى عزيز بالرئيس الفرنسي، آنذاك، نيكولا ساركوزي وكبار رجال الأعمال في باريس، فتحسنت العلاقات بين موريتانيا والغرب.
وكانت هذه أخبارا مرحّب بها للشركات الغربية، مثل شركة تعدين الذهب الكندية ريد باك ماينينغ وشركة تعدين اليورانيوم الأسترالية مورشيسون يونايتد، التي حافظت على مصالحها التجارية في موريتانيا بعد الانقلاب.
ومع تحسن الوضع الأمني في موريتانيا وتحوّل نظامها السياسي إلى شبه ديمقراطي، تعززت علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي بشكل كبير. ودرّب حلف شمال الأطلس أفراد عسكريين موريتانيين وأنشأ ٤ مراكز لإدارة الأزمات في البلاد، ما ساعد في قدرته على مكافحة التهديدات الأمنية والصحة العامة.
وفي يناير 2021، أصبح الغزواني أوّل رئيس موريتاني يزور مقرّ الناتو.
وأثارت دعوة موريتانيا لحضور قمة مدريد في يونيو 2022، باعتبارها شريكا من خارج الناتو، تكهنات بإمكانية إنشاء قاعدة لحلف شمال الأطلسي على ساحلها الأطلسي الذي له قيمة استراتيجية.
توسيع التعاون الأمني بين الناتو وموريتانيا مدفوع أيضا برغبة الدول الأوروبية في كبح جماح تدفقات الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل. وتُعدّ موريتانيا طريق عبور شهير للمهاجرين الأفارقة الذين يسعون إلى دخول أوروبا عبر جزر الكناري.
في نوفمبر 2022، أبرمت إسبانيا اتفاقا لتقديم المساعدة اللوجستية لجهود موريتانيا لكبح جماح المهاجرين غير الشرعيين. فالتعليق الأخير لتعاون المفوضية الأوروبية في مجال الهجرة مع النيجر يزيد من أهمية موريتانيا في هذا المجال.
مع سعي الدول الأوروبية للبحث عن موردي الطاقة البديلة، اكتسبت موريتانيا أهمية استراتيجية جديدة. من المقرر أن تصبح موريتانيا مُصدّرا للغاز إلى أوروبا بحلول نهاية عام 2023.
يمكن لموريتانيا أيضا أن تضع نفسها بسهولة بصفتها مركزا للطاقة المتجددة في غرب أفريقيا، حيث تتوفر لها 700 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المتاحة لبناء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
في مارس 2023، وقعت شركة Conjuncta الألمانية لتطوير المشروعات مذكرة تفاهم مع شركة Infinity المصرية لتوفير الطاقة، وشركة مصدر الإماراتية، لمشروع هيدروجين أخضر بقيمة 34 مليار دولار في موريتانيا.
يمكن أن يؤدي هذا المشروع إلى إنتاج ما يصل إلى 8 ملايين طن متري من الهيدروجين الأخضر سنويا.
بما أنّ موريتانيا يمكن أن تساعد في منح الناتو موطئ قدّم بجوار عمليات مجموعة فاغنر في مالي، فقد وسع الكرملين تعاملاته مع نواكشوط.
ورغم أن العلاقات الدبلوماسية الروسية مع موريتانيا كان يقودها تقليديا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إلّا أنّ رئيسه، سيرغي لافروف، قام بزيارة تاريخية إلى نواكشوط في فبراير 2023.
وهدف لقاء لافروف مع الغزواني رسميا إلى تحسين ظروف عمل الصيادين الروس في المنطقة الاقتصادية الخالصة لموريتانيا. لكن لافروف عرض أيضا دعم موريتانيا في مكافحة الإرهاب في خليج غينيا.
وتنظر مجموعة فاغنر إلى غرب أفريقيا الساحلي باعتباره جبهة رئيسية للتوسع، حيث تظهر الروح المناهضة لفرنسا، والمؤيدة لروسيا.
تمتدّ سياسة موريتانيا الخارجية متعددة الاتجاهات إلى الشرق الأوسط، فتدفق العلماء الموريتانيين على مدى عقود إلى مكة وكان هناك إنشاء لأسس متينة للتعاون بين موريتانيا والسعودية.
وأطلقت السعودية مشاريع استثمارية، مثل قرض بقيمة 100 مليون دولار لتزويد مدينة كيفة بالمياه الصالحة للشرب من نهر السنغال، وإبرام اتفاقية تدريب عسكري مع موريتانيا في يناير 2017.
كما تعهدت الإمارات بالاستثمار بقيمة 2 مليار دولار، والتي تم التوصل إليها خلال زيارة الغزواني إلى أبو ظبي في فبراير 2020، وتعادل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا وهي عنصر أساسي في مبادرة الغزواني للرعاية الاجتماعية والبنية التحتية، وفق فورين بوليسي.
قدرة الغزواني على المزاوجة بين الملف الدبلوماسي المتنامي لموريتانيا والنمو الاقتصادي على المدى الطويل والتدابير الفعالة لمكافحة الإرهاب ستحدد ما إذا كان بإمكانها تجنب الانجرار إلى حزام الانقلابات في غرب أفريقيا، وفق المجلة.
شهدت أفريقيا ٧ انقلابات عسكرية منذ أغسطس 2020، قبل الانقلاب الذي بدأ في ٣٠ أغسطس في الغابون، وفق ما جاء في تقرير لفرانس برس.
من دون إراقة دماء، قاد الجنرال بريس أوليغي انقلابا عسكريا في 30 أغسطس ضدّ الرئيس علي بونغو أونديمبا بعيد إعلان إعادة انتخابه، بعدما حكمت عائلته البلاد لمدة 55 عاما.
واتهم الجيش فريق بونغو بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية وبـ"سوء الحكم" و"الفساد".
في 26 يوليو 2023، أعلن عسكريون إطاحة الرئيس محمد بازوم. وأصبح الجنرال عبد الرحمن تياني الرجل القوي الجديد في النيجر.
وأعلنت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إكواس، في 10 أغسطس تفعيل قوة تدخل إقليمية "لاستعادة النظام الدستوري"، مع مواصلتها تفضيل المسار الدبلوماسي لحل أزمة النيجر.
واقترح الانقلابيون فترة انتقالية لا تزيد عن "ثلاث سنوات" وتنتهي بتسليم السلطة إلى مدنيين، لكن إكواس رفضتها.
انقلابان خلال ٨ أشهر، ففي 24 يناير 2022، أطاح الجيش الرئيس روش مارك كريستيان كابوري من السلطة، وتم تنصيب اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيسا في فبراير.
في 30 سبتمبر، أقال الجيش داميبا وعيّن الكابتن إبراهيم تراوري رئيسا انتقاليا حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو 2024.
في 25 أكتوبر 2021، أقصى عسكريون بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان المسؤولين المدنيين الانتقاليين الذين كان من المفترض أن يقودوا البلاد نحو الديمقراطية.
في 5 سبتمبر 2021، أطيح بالرئيس ألفا كوندي في انقلاب عسكري. وفي 1 أكتوبر، نُصّب الكولونيل مامادي دومبويا رئيسا. وتعهّد العسكريون تسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين بحلول نهاية عام 2024.
انقلابان خلال ٩ أشهر، في 18 أغسطس 2020، أطاح الجيش الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وشكّلت حكومة انتقالية في أكتوبر.
لكن في 24 مايو 2021، اعتقل الجيش الرئيس ورئيس الوزراء، ونصّب الكولونيل أسيمي غويتا رئيسا انتقاليا في يونيو. وتعهد المجلس العسكري تسليم السلطة إلى مدنيين بعد الانتخابات المقررة في فبراير 2024.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة