أمن
.
عاد مصطلح "عنف الشرطة" في فرنسا إلى الواجهة مجددا، السبت، حيث تظاهر نحو 31 ألفا و300 شخص في كلّ أنحاء فرنسا بينهم 9 آلاف في باريس وفق حصيلة وزارة الداخلية، ضدّ ممارسات الشرطة الفرنسية، فيما قدر منظمو المظاهرة الأعداد بأكثر من ٨٠ ألف متظاهر.
في باريس، هتف المتظاهرون "الشرطة في كل مكان، ولا عدالة في أي مكان"، و"لا عدالة، لا سلام" و"العدالة لنائل"، المراهق الذي قُتل في 27 يونيو قرب العاصمة الفرنسية أثناء حاجز تدقيق مروري، في واقعة أثارت موجة من أعمال الشغب في البلاد، وفق ما نقلت فرانس برس.
فماذا نعرف عن جذور "عنف الشرطة" الفرنسية؟ ولماذا تستخدم القوة المفرطة؟ ولماذا تصفها الصحافة الفرنسية بأنها "قليلة الشعبية"؟
قتل الفتى نائل البالغ 17 عاما برصاص شرطي خلال تدقيق مروريّ، في 27 يونيو في ضاحية باريس. هذا الحدث أطلق موجة من أعمال العنف استمرت ٥ ليال في مدن فرنسا، كانت غير مسبوقة منذ 2005.
وألقت أعمال العنف الضوء على المشكلات التي يعاني منها المجتمع الفرنسي، من تردي أوضاع أحياء الضواحي الشعبية إلى تدهور العلاقات بين الشبان وقوات الأمن، وفق فرانس برس.
ودعت في يوليو نحو ١٠٠ جمعية ونقابة وحزب سياسي من اليسار إلى "مسيرات المواطنين" هذه للتعبير عن "الحداد والغضب" والتنديد بالسياسات التي تعتبر "تمييزية" ضدّ الأحياء الشعبية والمطالبة بـ"إصلاح عميق للشرطة".
من جهتها، نددت الحكومة بهذه الدعوات إلى التظاهر "في المدن الكبرى التي لم تتعاف بعد من أعمال التخريب". واحتجت وزارة الخارجية الفرنسية، في يوليو، على تصريحات لجنة خبراء أمميين انتقدوا بشدّة الجمعة طريقة تعامل قوات الأمن مع أعمال الشغب ودعوا إلى "حظر التنميط العنصري".
وتردد صدى مقتل نائل خارج حدود فرنسا وخصوصا في الجزائر التي تتحدر منها عائلته. وأعربت الخارجية الجزائرية عن "الصدمة والاستياء" مؤكدة أن نائل من "أفراد جاليتها" الذين يجب على فرنسا توفير "الحماية" لهم.
عمل نائل وفق محامي العائلة موظف توصيل بضائع. وسجلُ نائل الجنائي خالٍ من السوابق، لكنه واجه بعض المشاكل مع سلطات إنفاذ القانون لرفضه الانصياع، وفق ما ذكر المدعي العام في نانتير.
وزارة الداخلية الفرنسية قالت إنه تظاهر في فرنسا نحو 31 ألفا و300 شخص السبت، بينما قالت الكونفدرالية العامة للشغل وحزب "إل إف إي" اليساري الراديكالي إن عدد المتظاهرين بلغ نحو 80 ألفا بينهم 15 ألفا في العاصمة.
وكانت نحو ١٠٠ منظمة نقابية وسياسية وتجمعات أخرى من أحياء الطبقة العاملة دعت إلى هذه التظاهرة التي حظيت أيضا بدعم 150 شخصية سينمائية.
في العاصمة، وبعد انطلاق التظاهرة في أجواء هادئة، تشكّل موكب ضمّ مئات الملثمين وخرّبوا واجهات فروع مصارف وألقوا حجارة على سيارة للشرطة وفق ما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس.
ثم خرج شرطي فترة وجيزة من السيارة حاملا سلاحا لإبعاد المتظاهرين، وفقا لمقاطع فيديو عدة نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وأكّد صحتها مصدر في الشرطة.
بعدها وصل شرطيون آخرون إلى المكان وتمكنوا من إيقاف الهجوم. وقال المسؤول في الشرطة لوران نونييز لقناة "بي إف إم تي في" إن ثلاثة من عناصر الشرطة الأربعة الذين كانوا داخل السيارة أصيبوا بجروح طفيفة.
أضاف: "نعمل حاليا على محاولة التعرف إلى مرتكبي هذا الهجوم.
لدينا حتى الآن ٣ أشخاص يُشتبه في تورطهم في هذه الوقائع وقد اعتُقلوا". وفي المجمل، اعتُقل ٦ أشخاص في كلّ أنحاء فرنسا حسب تقرير نشرته وزارة الداخلية مساء، وفق فرانس برس.
تُتهم قوات الأمن في فرنسا بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية في تعاملها مع المظاهرات الحاشدة التي تجتذب مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع، ورصدت هيئات دولية، "الاستخدام المفرط للقوة" من قبل شرطة مكافحة الشغب الفرنسية خلال الاحتجاجات، التي بدأت في يناير.
"فرنسا هي موطن الحرية والمساواة والأخوة، ولكن عناصر شرطة مكافحة الشغب ربما لا يقرأون جميعهم إعلان حقوق الإنسان.
خلال العقود الأخيرة، أصبحت تكتيكات الشرطة الفرنسية أكثر صرامة مقارنة بأماكن أخرى في أوروبا، لأنّ ممارسات الشرطة الفرنسية تمتدّ إلى ما هو أبعد من فرنسا، التي تدرّب قوات الأمن في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم"، وفق ما جاء في تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية.
ورسم أعضاء المرصد الباريسي للحريات العامة، الذين كانوا يراقبون المسيرات في العاصمة الفرنسية من الأرض، صورة قاتمة لتهم الشرطة غير المبررة التي تهدف إلى "ترويع" المتظاهرين، والاعتداء الجسدي واللفظي على نطاق واسع على المتظاهرين، والاستخدام العشوائي لأسلحة مثل قنابل تفريق الحشود والرصاص المطاطي.
شهدت فرنسا موجات متعددة من المظاهرات المتوترة بشأن حقوق العمال، فضلا عن أشهر من الاضطرابات التي بدأت في عام 2018 بسبب حركة "السترات الصفراء" ضدّ الضرائب و"عدم المساواة الاقتصادية"، لكن كثيرين يقولون إن الطريقة التي تتعامل بها الشرطة الفرنسية مع المتظاهرين تجعل الأمور أسوأ.
شابت التظاهرات المنظمة في إطار تعبئة مستمرة في فرنسا احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد، أعمال شغب ترافقت مع ممارسات عنيفة للشرطة على ما أفادت منظمات عدة للدفاع عن حقوق الإنسان يوليو الماضي.
ووجهت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش الاتهام نفسه. وقالت "أعمال العنف المتفرقة لبعض المتظاهرين أو أفعال أخرى مدانة ارتكبها آخرون خلال تظاهرة، لا تبرر الاستخدام المفرط للقوة من قبل عناصر تابعين للدولة. هذه الأعمال لا تكفي كذلك لحرمان متظاهرين سلميين من التمتع بحرية التجمع"، حسب فرانس برس.
في المقابل، اعتمدت المنظمات غير الحكومية لهجة لاذعة أكثر. فقال رئيس رابطة حقوق الإنسان باتريك بودوان "الانجراف الاستبدادي للدولة الفرنسية وإضفاء الطابع العنيف على العلاقات بواسطة الشرطة وأعمال العنف على أنواعها والإفلات من العقاب تشكل كلها فضيحة مدوية".
واتهمت الرابطة السلطات بالمساس "بحق المواطنين في الاحتجاج من خلال الاستخدام غير المتناسب والخطر للقوة". وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش من جهتها "الاحتواء التعسفي للحشود وتكتيكات مكافحة الشغب".
الشرطة الفرنسية مسلّحة أكثر من تلك الموجودة في دول أوروبية أخرى، مثل الرصاص المطاطي الذي يمكن أن يسبب إصابات خطيرة وصولا إلى الموت، وهي أسلحة نادرا ما تُستخدم في بريطانيا أو ألمانيا، في حين تستخدم على نطاق واسع، وغالبا من دون سابق إنذار، في فرنسا.
وتعرضت الشرطة الفرنسية لانتقادات شديدة بسبب محاصرة واحتجاز مجموعات كاملة من المتظاهرين، بما في ذلك المجموعات السلمية، وغالبا ما تنتهي "مصائد" الشرطة هذه بالعشرات من الاعتقالات، ولكن يتم إطلاق سراح معظم المعتقلين بعد ذلك في غضون ساعات قليلة من دون أيّ اتهامات.
يشكل هذا علامة، وفق ما يقول المنتقدون، على أنه ما كان ينبغي احتجازهم مطلقا في المقام الأول.
ففي 16 مارس، تم اعتقال نحو 300 شخص في باريس وحدها، لكن ٩ فقط انتهى بهم الأمر إلى مواجهة الإجراءات القضائية.
وقال عضو اللجنة الاستشارية الوطنية الفرنسية لحقوق الإنسان، سيمون فورمان، حسب فورين بوليسي، إنّ هذا النوع من الممارسات "يثني الناس عن المشاركة في المظاهرات".
فالشرطة هي خدمة عامة وجدت لحماية ممارسة الحريات، وهو ما يعني حماية المتظاهرين.
فرنسا، وفق تقرير المجلة الأميركية، ليس لديها مشكلة مع الاحتجاجات فحسب. لأنه على مدى السنوات الـ٦ الماضية، أدينت البلاد ٥ مرات من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب الانتهاكات الجسدية التي ارتكبتها الشرطة في مواقف أخرى، والتي تميل إلى أن تكون أقل شعبية من متوسط الشعبية للشرطة في أوروبا عموما.
للشرطة الفرنسية تاريخ طويل من القسوة، وفق تقرير آخر لفورين بوليسي، لا سيما مع الأقليات العرقية. فعلى مدى عقود شكلت الضواحي المليئة بالمهاجرين والفقر والجريمة على أطراف أكبر مدن فرنسا تحديا دائما للشرطة. لكن التوترات بين السكان وقوات الأمن في الضواحي ازدادت سوءا على مدار الـ١٥ عاما الماضية، وفقا لروشيه.
وبعد العام ٢٠٠٥، في ظل حكومات مختلفة، طور نهج جديد للرقابة على الضواحي، وهو نهج يدور حول الوحدات الأكثر صرامة، مثل قسم مكافحة الجريمة، المصممة خصيصا لتنفيذ الاعتقالات وتميل إلى جذب العناصر الأكثر قسوة وفق ما نقلت المجلة الأميركية.
المتوسط الفرنسي التقريبي للأشخاص الذين قتلوا على أيدي الشرطة والبالغ عددهم 44 كل عام منذ مطلع العقد يتضاءل مقارنة بالمئات الذين يموتون في الولايات المتحدة، ولكنه أعلى بكثير مما هو عليه في ألمانيا أو المملكة المتحدة.
حسب تحليل المجلة تتعلق بعض أسباب جذور العنف بالمعايير المنخفضة والتدريب لمدة قصيرة الذي نتج عن جهود الرئيس الأميركي إيمانويل ماكرون لتعزيز صفوف الشرطة بسرعة بعد توليه منصبه في عام 2017.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت معدلات القبول من واحد من كل 50 مرشحا إلى واحد في خمسة. ويحصل المجندون الجدد الآن على ٨ أشهر فقط من التدريب، مقارنة بثلاث سنوات في ألمانيا.
هناك فقط 50٪ من الشباب في فرنسا يعتبرون الشرطة "صادقة"، ويعتقد 46٪ أن الشرطة تستخدم القوة بطريقة متناسبة، مقارنة بـ69٪ و63٪، على التوالي في ألمانيا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة