المتطرفون وأفريقيا.. فرنسا تترك "حكومات ضعيفة" في خط المواجهة

إذا نظرت إلى خريطة تواجد الجماعات المتطرفة في أفريقيا، فستلاحظ أن الدول التي خضعت سابقاً للاستعمار الفرنسي والمعروفة بدول الساحل الأفريقي هي الأكثر عرضة للجماعات المتطرفة المسلحة، وهي على الشكل التالي:

• مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتشاد تنخر في أجسادهم جماعات "أنصار الإسلام" وداعش.

• هذا بالإضافة لجماعات "كتيبة سيرما" وحركة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (المرابطون)" و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" والذين يتخذون من مالي مركزاً لهم وشنّوا هجمات في بعض الدول المحيطة كساحل العاج.

• في الكاميرون والتشاد والنيجر تنشط جماعات "بوكو حرام" التي تتخذ من نيجيريا مقراً لها والموالية لداعش.

• في شمال بوركينا فاسو وجنوب مالي، تنتشر "جبهة تحرير ماسينا" المتشددة المنبثقة عن جماعة "أنصار الدين".

الأفارقة يتهمون الحكومة الفرنسية بالاستمرار حتى اليوم في سياسات تعد "استعمارية جديدة" تعمل على نهب ثروات بلادهم، وهي تهمة روجت لها أيضاً رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ملوني في مقطع فيديو تم تداوله على نحو واسع.

ميلوني ظهرت في الفيديو وهي تحمل عملة نقدية من الفرانك الأفريقي الذي تطبعه فرنسا حتى اليوم للدول التي استعمرتها في الماضي وقالت إن فرنسا تنهب ثروات تلك الدول ومعادنها النفسية مقابل أوراق ملونة.

اتفاقية الفرنك الأفريقي توجب على الدول المشاركة أن تضع نصف احتياطاتها من المال والذهب في وزارة الخزانة الفرنسية في باريس بالإضافة لنحو 20% أخرى كضمان للالتزامات المالية. ولا يسمح لأي من تلك الدول الأفريقية سحب أكثر من 15% من إيداعاتها سنوياً.

ميلوني استعرضت صورة طفل في منجم ذهب في بوركينا فاسو وقالت إن نصف ما يعثر عليه هذا الطفل من الذهب ينتهي في جيوب الفرنسيين دون أي مقابل، وهو ما يجعل بوركينا فاسو أحد أفقر الدول في العالم على حد قولها.

تدخلت فرنسا عسكريا نحو ٥٠ مرة في أفريقيا منذ عام 1960، ولديها قواعد عسكرية في مختلف الدول في وسط وشرق وغرب أفريقيا بدعوى محاربة الإرهاب.

الحكومة الفرنسية عملت أيضاً بشكل حثيث على تنصيب ودعم حكومات موالية لها في الدول التي استعمرتها سابقاً مثل عمر بونغو في الغابون الذي حكم بلاد منذ 1967 حتى 2009، ثم ورّث الحكم لابنه علي بونغو منذ 2009، وحتى الانقلاب العسكري ضده في أغسطس 2023.

هذا بالإضافة لدعم أنظمة حليفة لباريس مثل الرئيس فور غناسينغبي في توغو وإدريس ديبي في تشاد وبول بيا في الكاميرون وديني ساسو نغيسو في كونغو.

وهي أيضاً أحد أسباب ابتهاج بعض العامة في النيجر والغابون بعد الانقلابين العسكريين الأخيرين لأن البعض يقولون إنهم سئموا انعدام التغيير وظلم الأنظمة القديمة، بحسب دويتشه فيله.

فرنسا كانت أحد الدول الغربية المشاركة فيه إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011. لكن ما لم تحسب فرنسا حسابه على ما يبدو هو أن القذافي كان أحد كبار داعمي شمال دولة مالي الذي يعاني من التهميش من الحكومة المتواجدة في الجنوب.

لذلك، فإن موت القذافي وانقطاع الدعم الليبي لمالي ساهم في نشر الفقر والتهميش والمعاناة في شمالي مالي التي سرعان ما تحولت إلى بيئة خصبة للتطرف. كما وأدى انهيار الحكومة الليبية لارتفاع موجات تهريب السلاح لمالي ودول الساحل الأفريقي ووصولها لأيدي الجماعات الناقمة على الحكومة.

لذلك، بعد عام واحد من سقوط القذافي، انقلب جيش مالي على الحكومة. وفي العام نفسه، أعلنت مجموعات متمردة في الشمال إنشاء كيان مستقل خاص بهم وهيمنت الجماعات المتطرفة التابعة للقاعدة وداعش على تلك المجموعات.

فرنسا تدخلت عسكرياً ونجحت في إسقاط الكيان الجديد في شمال مالي بعد ١٠ أشهر على تكوينه، ولكنها لم تنجح في القضاء على المجموعات المسلحة التي فرت للصحراء، وبقي الشمال في مالي مهمشاً في ظل غياب أي تواجد حكومي قوي.

مجموعات مالي المسلحة تسربت للدول المحيطة بها مثل بوركينا فاسو والنيجر وساحل العاج.

ارتفاع درجات الحرارة في القارة الأفريقية لمستويات غير مسبوقة في تاريخ البشرية أدى لموجات صعبة من الجفاف والجوع والهجرة، وهو ما يساهم في انعدام استقرار القارة السمراء.

نحو 70% من سكان أفريقيا يعتمدون على الزراعة والماشية للعيش، بينما تهدد موجات الجفاف العنيدة طرق حياتهم تلك وتدفعهم نحو الفقر والإحباط وتجعلهم فريسة سهلة للجماعات المتطرفة لكسبهم لصفوفها.

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية إيقاف منح تأشيرات السفر لجميع مواطني النيجر وبوركينا فاسو ومالي.

الحكومة الفرنسية تقول إن السبب هو أمني نظراً لعدم استقرار الأوضاع في تلك البلاد وحكم الأنظمة العسكرية فيها. ولكن النتيجة هي حرمان الطلبة الجامعيين من الوصول لمقاعدهم الدراسية والعمال من الالتحاق بمهنهم في فرنسا، بالإضافة للحالات الإنسانية مثل لم الشمل.