أمن
.
تبرز تحديات عدّة بوجه الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، ومن أهمها نظام الأنفاق المعروفة بـ"مترو غزة"، الذي يهدد استهدافه آلاف المدنيين، وينذر بحرب معقدة.
وطلبت إسرائيل من سكان غزة الاتجاه جنوبا، وهو ما فعله مئات الآلاف بالفعل في القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني شخص.
داخل قطاع غزة المحاصر، حيث تتدهور الأوضاع ويرتفع عدد القتلى بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، يقول مدنيون إنهم ليسوا آمنين في أيّ مكان.
فماذا نعرف عن نظام الأنفاق المعقد؟ ومتى ظهر للوجود؟ وكيف أسسته حركة حماس تحت الأرض في ظل الحصار؟
تُعرف الأنفاق "التي لا تُعدّ ولا تحصى" تحت غزة بأنّها ممرات تستخدم لتهريب البضائع من مصر وشنّ هجمات على إسرائيل، وفق تقرير لـ سي إن إن.
ولكن هناك شبكة ثانية تحت الأرض يشير إليها الجيش الإسرائيلي باسم "مترو غزة".
إنّها متاهة واسعة من الأنفاق، التي يبلغ طولها كيلومترات عدّة تحت الأرض، حسب بعض الروايات، وتستخدم لنقل الأشخاص والبضائع، وتخزين الصواريخ ومخابئ الذخيرة، وتضمّ مراكز قيادية تابعة لحماس، وكلّها بعيدة عن رادارات طائرات الجيش الإسرائيلي وطائرات الاستطلاع من دون طيار.
ادعت حماس في عام 2021 أنها بنت أنفاق بطول 500 كيلومتر تحت غزة، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا الرقم دقيقا أم مجرّد وهم، حسب سي إن إن، وإذا كان هذا صحيحا، فإن أنفاق حماس تحت الأرض ستكون أقلّ بقليل من نصف طول نظام مترو الأنفاق في نيويورك.
قالت الأستاذة في جامعة رايخمان الإسرائيلية والخبيرة في حرب الخنادق والأنفاق، دافني ريتشموند باراك: "إنها شبكة معقدة، وكبيرة، وضخمة، من الأنفاق على قطعة صغيرة من الأرض".
ومن غير الواضح كم تكلف شبكة الأنفاق حماس، التي تحكم القطاع الساحلي الفقير. ومن المرجح أن يكون هذا الرقم كبيرا، سواء من حيث القوى العاملة أو رأس المال.
يقول خبراء إن الحفارين الذين يستخدمون الأدوات الأساسية من المحتمل أن يحفروا عميقا تحت الأرض لحفر الشبكة الموصلة بالكهرباء والمعززة بالخرسانة. ولطالما اتهمت إسرائيل حماس بتحويل الخرسانة المخصصة للأغراض المدنية والإنسانية نحو بناء الأنفاق.
ويقول منتقدو حماس أيضا إن الإنفاق الهائل الذي خصصته الحركة على الأنفاق كان من الممكن أن يغطي بدلا من ذلك تكاليف ملاجئ المدنيين من القنابل أو شبكات الإنذار المبكر مثل تلك الموجودة عبر الحدود في إسرائيل، حسب سي إن إن.
كانت الأنفاق أداة حربية مهمة منذ العصور الوسطى. وهي اليوم توفر للجماعات المسلحة مثل حماس ميزة في الحرب غير المتكافئة، مما يلغي بعض المزايا التكنولوجية لجيش أكثر تقدما مثل الجيش الإسرائيلي.
ما يجعل أنفاق حماس مختلفة عن أنفاق القاعدة في جبال أفغانستان أو حركة الفيتكونغ في غابات جنوب شرق آسيا هو أنها بنت شبكة تحت الأرض، أسفل واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على الأرض. ويعيش ما يقرب من مليوني شخص في مساحة 88 ميلا مربعا التي تشكّل مدينة غزة.
"من الصعب دائما التعامل مع الأنفاق، حتى عندما تكون في منطقة جبلية، ولكن عندما تكون في منطقة حضرية، يصبح كل شيء أكثر تعقيدا، الجوانب التكتيكية، والجوانب الاستراتيجية"، حسب ما قالت ريتشموند باراك، وتابعت أن "الجوانب العملياتية معقدة، وأيضا الحماية التي يجب ضمانها للسكان المدنيين".
منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر بإسرائيل، زعم الجيش الإسرائيلي أن حماس تختبئ داخل هذه الممرات "تحت المنازل وداخل المباني المأهولة بالمدنيين الأبرياء في غزة".
ومن المتوقع أن يستهدف الجيش الإسرائيلي الشبكة في توغله البري المقبل في غزة، كما بذل في السنوات الأخيرة جهودا كبيرة للقضاء على أنفاق حماس. وشنّت إسرائيل هجوما بريا على غزة في عام 2014 لمحاولة القضاء على الممرات تحت الأرض.
وقالت ريتشموند باراك إن نقل المدنيين من مدينة غزة من شأنه أن يساعد في جعل عملية إزالة الأنفاق أكثر أمانا، لكن مثل هذه العمليات ستكون خطيرة.
ويمكن للجيش الإسرائيلي إما أن يجعل الأنفاق غير صالحة للاستخدام مؤقتا أو أن يدمرها. ووفقا لحديث ريتشموند باراك لـ سي إن إن، فإنّ قصف الممرات تحت الأرض هو عادة الطريقة الأكثر فعالية للقضاء عليها، لكن مثل هذه الضربات يمكن أن تؤثّر على المدنيين.
حرب العصابات في المناطق الحضرية تفرض قتالا شخصيا وتقلل من الرؤية وتزيد الفخاخ وتطمس القدرة على التمييز بين المدنيين والجنود، حسب ما جاء في تقرير لفرانس برس.
ووصف ضابط بريطاني سابق أصبح محللا لدى مجموعة "جاينز" المعلوماتية، أندرو غالر، في حديث لفرانس برس، ساحة معركة بـ"زاوية 360 درجة حيث التهديد في كلّ مكان"، من المجاري إلى الأسطح ومن الطوابق السفلية إلى الأسقف الزائفة.
ويوضح أن تأمين كلّ مبنى يحتمل أن يكون محاصرا يعني تعبئة خبراء لإزالة الألغام ونشر سلالم وحبال ومتفجّرات وكلّ ذلك "ربما خلال تعرّضه لضربات" ربّما ليلية.
بالإضافة إلى ذلك، "هناك أخطار من النيران الصديقة"، مرتبطة بانتشار المقاتلين وتنقّلاتهم وفق قوله.
وأضاف "كما أظهرت نزاعات عدّة منذ قرن، يمكن لاستخدام المدفعية أن يفاقم الأمور" حين تصبح الأنقاض غطاء.
يطلق أهالي القطاع على شبكة الأنفاق السرية التي حفرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي اسم "المدينة الأرضية"، في حين تسميها إسرائيل "مترو حماس" أو "مترو غزة" وقد استهدفتها مرارا بالقصف والتدمير.
ظهرت الأنفاق للمرة الأولى في القطاع في العام 2006 عندما استخدمت حماس أحدها لأسر الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، خلال هجوم على موقع حدودي في رفح في جنوب القطاع. وأفرجت الحركة عن شاليط في العام 2011.
وتكثف حفر الأنفاق بعد بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة إثر سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007، وإقفال مصر معبر رفح المؤدي الى القطاع. وأقام الفلسطينيون أنفاقا على الحدود مع مصر استخدمت لتهريب مقاتلين وأسلحة، حسب فرانس برس.
لكن منذ العام 2014، حفرت حركة حماس أنفاقا داخل القطاع نفسه.
ويتمركز المقاتلون على عمق يصل إلى 30 أو 40 مترا تحت الأرض، وينتشرون بعيدا عن نطاق الضربات. يمكن لبطاريات قاذفات الصواريخ المخبأة على عمق بضعة أمتار أن تخرج من خلال نظام الباب المسحور لتطلق النار وتختفي مرّة أخرى.
وكان الجيش الإسرائيلي قصفها بشكل مكثف في العام 2021. ولكن إذا كان جزء من هذه الشبكة معروفا بلا شكّ لإسرائيل، يبقى البعض الآخر سرّيا وينذر بتعقيد عملياتها.
جزم مدير الأبحاث في مركز صوفان في نيويورك كولين كلارك أن حركة حماس "تعرف أنفاقها عن ظهر قلب".
وأضاف: "بعضها فيها فخاخ. الاستعداد للقتال في مثل هذه الأماكن، سيتطلب معلومات استخباراتية واسعة النطاق، والتي قد لا يمتلكها الإسرائيليون".
وتتمتّع حركة حماس بميزة تكتيكية كبيرة، وفق فرانس برس.
وأقرّ ألكسندر غرينبرغ لوكالة فرانس برس بأنّ "الجميع يعلم أن العملية ستكون طويلة وصعبة مع الكثير من الخسائر"، مضيفا أن هناك "روبوتات ووسائل خاصة أخرى تسمح بالدخول في أنفاق".
بالنسبة لحماس، "إنها ميزة يمكن أن تشكّل أيضا فخّا. فعندما يتمّ تحديد مواقع الأنفاق، يمكن حبس من بداخلها. في هذه الحالة، ستكون التعليمات لا رحمة"، حسب ما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية.
سينطوي على العملية تعقيد إضافي، هو أن حماس احتجزت عشرات الأسرى غالبيتهم من المدنيين، بجانب عمّال أجانب وجنودا، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
تقول الباحثة في علم الاجتماع في المجلس الوطني للبحوث العلمية في فرنسا سيلفين بول المتخصصة بالشؤون الإسرائيلية "لن يغفر المجتمع الإسرائيلي إذا لم تكن حياة الأسرى أولوية. الضغط الذي يمارسه الرأي العام كبير ونتنياهو يعرف ذلك تماما"، وفق فرانس برس.
تضيف: "في الحسابات التي سيطالب بها المجتمع الإسرائيلي، تظهر مقولة إن لم تضمنوا أمننا، أعيدوا الأسرى إلينا"، متوقعة "بلا شك صراعات بين الجيش والسياسيين".
في الواقع، إسرائيل ليست حاليا في موقع تفاوض، بحسب ما نقلت فرانس برس عن الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب، كوبي مايكل.
وأضاف مايكل: "مع كلّ الحزن والألم، لا يمكن لمشكلة الأسرى أن تكون الأولوية الأولى لإسرائيل". وتابع: "إسرائيل لن تحلّ مشكلة الأسرى إلّا عندما تهزم حماس وتضعف. ليس قبل ثانية واحد من ذلك".
الإثنين، أكّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، أنّ "لا مكان حاليا" للتفاوض مع إسرائيل حول تبادل للأسرى في ظلّ استمرار العملية العسكرية".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة