أمن
.
في بضع سنوات، اهتزّت علاقات لبنان مع دول عربية عدّة بسبب تهريب المخدرات إليها، وحتى الآن ما زالت القوى الأمنية اللبنانية تضبط مصانع لتلك المادة المخدرة في مناطق مختلفة، كما توقف متورطين بتصنيعها وترويجها وتهريبها عبر المرافق الحدوديّة.
الساعات الماضية كانت شاهدة على مقطع فيديو انتشر في لبنان ويظهر شاباً فقد السيطرة على نفسه نتيجة تعاطي المخدرات.
المشهد الذي تم رصده احتلّ مواقع التواصل الإجتماعي وأعاد إلى الواجهة الحديث عن الكبتاغون وغيره من الحبوب المخدرة.
بلدة اليمّونة البقاعية شرق لبنان، المعروفة بزراعة الحشيش. أسوشيتدبرس
كذلك، ضجت المواقع اللبنانية بمقطع فيديو آخر قيلَ إنه يوثّق عمليّة بيع مخدرات داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تُعد أحد معاقل جماعة حزب الله اللبنانية.
فماذا تقول المعلومات عن واقع تصنيع وانتشار الكبتاغون في لبنان؟ أين تتمركز مصانع تلك المادة؟ ما هي تكلفة صناعتها وبيعها؟
دخول الكبتاغون إلى لبنان ليس جديداً، ويقول رئيس جمعية جاد (شبيبة ضد المخدرات) جوزيف حواط لبلينكس، إنَّ صناعة تلك المادة المخدرة في لبنان بدأت عام 1990، وقال "في البدايات، كانت هناك مصانع للكبتاغون في المخيمات الفلسطينية، ثم بدأت تنتشر في مناطق أخرى عديدة".
ما قاله حواط يؤكده مصدر أمنيّ لبناني تحدث لبلينكس، شرط عدم الكشف عن هويته، مشيراً إلى أنّ وجود مصانع الكبتاغون تعزّز أكثر بين العامين 2011 و2017 حينما هربت المعامل التي كانت قائمة في سوريا إلى لبنان وتركزت في بقع جغرافية عديدة ضمن منطقة البقاع، شرق البلاد.
المصدر الأمني نفسه قال لبلينكس، إنَّ هناك بعض المناطق المحورية كانت تُشكل مركزاً لتصنيع مادة الكبتاغون المُخدرة، مشيراً إلى أن تلك الأماكن معروفة وأمرها ليس خفياً على أحد.
يُعدّد المصدر المناطق المعروفة بتصنيع المخدرات، قائلاً إنّ جميعها يقع في البقاع، وهي على النحو التالي: الشراونة، الدار الواسعة، الهرمل، دير الأحمر، يونين، عرسال، بريتال، وغيرها من المناطق الأخرى.
وللإشارة، فإن الشراونة، الهرمل والدار الواسعة تعدّ مناطق خاضعة لسلطة "حزب الله"، هذا فضلاً عن مناطق أخرى يجري ترويج وبيع المخدرات فيها وتعدّ معقلاً للحزب أيضاً، مثل الضاحية الجنوبية لبيروت.
المصدر الأمني عينه يقول لبلينكس، إنّ هناك مناطق أخرى باتت أساسية جداً على صعيد تلك الصناعة، مشيراً إلى أنها تقع في نقاط جغرافية متداخلة بين لبنان وسوريا، ويصعب الوصول إليها من قبل الأجهزة الأمنية.
يكشف المصدر أن هناك بقعة جغرافية خطيرة تتضمن معامل عديدة لتصنيع الكبتاغون وهي جرماش.
يضيف المصدر "المنطقة هذه جُردية وتقع في منطقة متداخلة بين الحدود اللبنانية - السورية، وتسيطر عليها جماعات تابعة لمطلوبين وخارجة عن القانون".
بحسب المصدر، فإنَّ هذه المنطقة تعتبر منطلقاً أساسياً للحبوب المخدّرة، قائلاً إنه لا مداهمات تحصل هناك لأنَّ أجزاء كبرى من تلك النقطة ليست خاضعة لسلطة الدولة اللبنانية.
يُذكّر المصدر أنّ اسم جرماش برز خلال شهر مايو الماضي، وقد ارتبط بعملية خطف مواطنٍ سعودي في لبنان على يد جماعات مسلحة، ويوضح "المواطن المخطوف نُقل إلى تلك المنطقة وتم تنفيذ عملية أمنية هدفت إلى تحريره، وقد حصلت توقيفات حينها لمتورطين في تلك القضية".
في 9 أبريل 2022، نشرت وكالة "فرانس برس" خريطة أظهرت مواقع إنتاج الكبتاغون الرئيسية في سوريا ولبنان.
الخريطة لفتت إلى هناك 15 مركزاً كبيراً للإنتاج في سوريا في حين أن هناك 20 مصنعاً صغيراً في لبنان.
من جهته، يقول المصدر الأمني إن عدد المصانع يفوق المعلن بكثير، لاسيما أن بعضها ليس مكشوفاً ويمكن أن يكون داخل منازل أو مبانٍ سكنية يصعب تحديدها.
إلى ذلك، يوضح حواط أن لبنان يُصنع يومياً ما يُقارب 3 مليون حبة كبتاغون، مشيراً إلى أن هناك أساليب جديدة للتصنيع تعتمد على سيارات متنقلة وبالتالي لم يعد هناك أي داعٍ لمصانع ثابتة.
كشف عدد من المصادر الأمنية عن أبرز شخصيات عديدة متورطة في مجال صناعة الكبتاغون أبرزها: "م.د."، "ن.ز."، "ح.ز." وغيرهم.
في شهر ديسمبر من العام الماضي 2022، قضت محكمة الجنايات في بيروت، بالسجن لـ7 سنوات مع الأشغال الشاقة، بحق حسن دقو الملقب بـ"ملك الكبتاغون"، وهو أحد أبرز تجار المخدرات في لبنان.
وحينها، تم اعتبار المحاكمة التي حصلت بمثابة أوّل إدانة لتاجر "كبتاغون" بارز على هذا المستوى في لبنان، علماً أن دقو تم اعتقاله في أبريل 2022 وأقرّ بأنه يعمل لصالح مؤسسات عسكرية سوريّة.
إنتاج حبوب الكبتاغون المخدرة يعدّ الأرخص بين أنواع المخدرات الأخرى المعروفة، ويقول تقرير لصحيفة "الأنباء الكويتية" إنّ كلفة صناعة حبة الكبتاغون تبلغ 20 سنتاً ويصل سعر البيع إلى 20 دولاراً أميركياً خارج لبنان.
بدوره، يقول حواط لبلينكس، إن كلفة حبة الكبتاغون تبلغ نحو 17 سنتاً، كاشفاً أنّ إنتشار تلك المخدرات بات كبيراً باعتبار أنه يتم بيعها في السوق بأقل من كلفتها.
في المقابل، يقول تقرير لوكالة فرانس برس، إنّ "حبة الكبتاغون ليست ذائعة الصيت في لبنان وحجم الطلب عليها لا يُقارن بباقي أنواع المخدرات نظراً لارتفاع سعرها الذي يتراوح بين 5 و 10 دولارات للحبة الواحدة".
يتبين أن الطرق الأكثر بروزاً لتهريب المخدرات من لبنان إلى الخارج هي مطار بيروت الدولي.
المصدر الأمني الذي تحدث عبر بلينكس، يقول إنّ "الكبتاغون كان يُهرّب عبر الطرق البرية سابقاً، لكن مع الحرب السورية انتقل التهريب ليُصبح عبر الجو وعبر البحر أيضاً من خلال مرفأ بيروت".
بدوره، يقول حواط إن العين يجب أن تكون على المعابر الحدودية البرية، متسائلاً عن سبب عدم ضبط أي حبة كبتاغون عبر تلك المعابر، لاسيما معبر المصنع الحدودي الذي يعد أبرز معبر يستخدمه لبنان.
يضيف حواط "شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك اللبنانية ضبطت 72 مليون حبة كبتاغون خلال الأشهر القليلة الماضية، وهذا الرقم يمثل 12% من إجمالي ضبطيات المخدرات في العالم".
خلال حديثه لبلينكس، يكشف حواط أن المواد الأوليّة لتصنيع الكبتاغون مثل الكافيين الأبيض، تدخل لبنان من دون أي رقابة تحت مسميات عديدة، وسأل: "من المسؤول عن ذلك ولماذا هذا التساهل؟".
كذلك، ينتقد حواط عدم دعم الدولة اللبنانية لجهاز شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك ومكتب مكافحة المخدرات المركزي في قوى الأمن الداخلي.
يقول "هناك 10 أشخاص فقط لديهم مسؤولية ضبط كافة المعابر الحدودية والمرافق الحيوية على صعيد مكافحة المخدرات، بينما هناك ما يقارب الـ7000 عنصر أمني لحماية شخصيات سياسية. هل هذا الأمر منطقي؟ هل تكفي 10 عناصر لحماية أبنائنا من الكبتاغون؟".
يتحدث حواط أيضاً مشيراً إلى أن الدولة امتنعت عن تركيب 33 جهاز كشفٍ على المعابر الحدودية، علماً أن هذا الأمر جاء وفق عروضات شبه مجانية، وسأل: "ما السبب وراء ذلك؟ هل يمكن اعتبار هذا الأمر بمثابة تساهلٍ في مكافحة المخدرات؟".
خلال شهر مايو 2023، ردّ زعيم "حزب الله" حسن نصرالله على الاتهامات ضد جماعته بالتعامل مع تجار مخدرات لتهريب "الكبتاغون" إلى دول عربية، واصفاً هذه الاتهامات بـ"الكاذبة" ومعتبراً أنه لولا "دور حزب الله لما تمكنت الحكومة اللبنانية من مواجهة تجار المخدرات".
في المقابل، تتهمُ إدارة مكافحة المخدرات الأميركية ميليشيا حزب الله بالوقوف وراء صناعة وتهريب المخدرات لتمويل أنشطتها وأعمالها.
خلال شهر سبتمبر 2020، نشرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية تقريراً قالت فيه إنّ "حزب الله" ينقل ويبيع المخدرات في الخارج لصالح عصابات الكوكايين، خصوصاً في كولومبيا، مشيرة إلى أن هذه العمليات تدرّ عليه أرباحاً تقدر بـ200 مليون دولار شهرياً.
صحيفة ذا دويتشه تسايتونغ الألمانية تحدثت من جهتها قائلة إنّ "حزب الله طور خلال السنوات الماضية شبكة إجرامية قوية تستغل الأراضي الألمانية في تهريب المخدرات وغسيل الأموال".
الخبير في شؤون أميركا اللاتينية، إيمانويل أوتولينغي قال في مقابلة مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إنّ حزب الله نجح في إيصال المخدرات إلى أماكن بعيدة، وأظهر قدرات كبيرة على التهريب بشتى الوسائل والطرق.
أوتولينغي يشير إلى أن الحزب يضطلع بتهريب وترويج مادة الكبتاغون بشكل ملحوظ، إذ أشارت عدة تقارير إلى استخدامها داخل الأراضي السورية بشكل واسع لزيادة حدّة وقسوة المقاتلين وجعلهم قادرين على تحمّل الإصابات.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة