أمن
.
منذ 6 أشهر وحتى الآن، اغتالت إسرائيل 9 قيادات من جماعة حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، وذلك منذ بدء الاشتباكات بين الطرفين يوم 8 أكتوبر الماضي، على خلفية اندلاع الحرب في غزة.
الحادثة الأخيرة استهدفت فيها طائرة من دون طيار في بلدة كونين بجنوب لبنان المسؤول في وحدة الصواريخ التابعة لحزب الله، إسماعيل الزين، الأحد 31 مارس.
قبل هذه الحادثة بأيام، قتلت إسرائيل القيادي المتخصص في الصواريخ علي نعيم، في غارة طالت سيارته في بلدة البازورية في جنوب لبنان.
تتابع الاغتيالات التي تطول قادة ميدانيين في الميليشيا المدعومة من إيران يطرح تساؤلات عديدة عن كيف تتبع إسرائيل قيادات الحزب قبل اغتيالهم؟ وما هي الأسباب التي ساهمت في اختراق التنظيم من الناحية التقنية؟
تقرّ مصادر من حزب الله لبلينكس بأن هناك عمليات اختراق قائمة داخل الميليشيات، مشيرة إلى أن هذا الأمر بات معروفاً ولا يمكن نفيه بتاتا من أي جهة.
المصادر التي ترفض الكشف عن هويتها، تقول إن أنواع الاختراقات عديدة، مؤكدة أن الحزب يُجري تحقيقات داخلية باستمرار لكشف الجهات التي ساهمت بشرياً أو تقنياً في مساعدة إسرائيل على تحديد الأهداف التي تم اغتيالها.
تلفت المصادر أيضاً إلى أن الجهاز الأمني التابع للحزب يحقق في جميع العمليات التي وقعت، كاشفة عن أن هناك توقيفات داخلية وقعت بالفعل بين صفوف الحزب لأشخاص مشتبه بتورطهم في عمليات تسريب معلومات لإسرائيل، إلا أنه لا يجري حالياً الكشف عن هذه الأمور بصورة علنية.
بجانب العناصر البشرية التي تقوم بتسريب المعلومات؛ تقول مصادر لبلينكس، إن للاختراقات التقنية دور إضافي. وتشير المصادر إلى قدرة إسرائيل التجسسية الكبيرة، وهي تعمل على وضع بنك للأهداف منذ فترة طويلة.
تشييع وسام الطويل، مسؤول رفيع في حزب الله في بلدة خربة سلم في جنوب لبنان، ٩ يناير، ٢٠٢٤. أسوشيتدبرس
المصادر تقول إن هناك وسائل كثيرة تستغلها إسرائيل لتحديد الأهداف تقنياً، أبرزها الهواتف التي يمكن من خلالها القيام بعمل تجسسي كامل.
وتذكّر المصادر بما سمته "التكليف" الذي أطلقه أمين عام حزب الله حسن نصر الله قبل أشهر، حينما طلب من التابعين للحزب ومن سكان جنوب لبنان، الاستغناء عن استخدام الهواتف الذكية.
المصادر تقول إن إجراء إطفاء الهواتف من الناحية التقنية قد لا يكون كافياً، فهناك أمور أخرى تساهم في الاختراق، والدليل على ذلك هو أن عمليات الاغتيال لم تتوقف، ما يعني أن الاختراقات لا تمر فقط عبر الهواتف، وإنما عبر وسائل أخرى يسعى الحزب لتفكيكها ومعرفتها.
خبير اتصالات لبناني اشترط عدم الكشف عن هويته تجنباً لأي مضايقات، يشرح لبلينكس آلية يمكن أن تكون متبعة لملاحقة قيادات الحزب تقنياً.
الخبير المُطلع والمتابع لشؤون حزب الله، قال إن بصمة الصوت هي العامل الأساسي للتجسس على صاحبها وتحديد مكانه تمهيداً لاستهدافه.
يقول الخبير، إنه قبل الحرب كان معظم قادة حزب الله يستخدمون هواتف ذكية باعتبارها "حاجة وضرورة للتواصل"، ما سمح لإسرائيل بتعقب ومراقبة هؤلاء من بعيد، وجمع كل المعطيات عنهم.
حسن نصرالله على شاشة ضخمة خلال كلمته بمناسبة الذكرى السنوية لـ "قادته الشهداء"، ١٦ فبراير، ٢٠٢٤. أسوشيتدبرس
وارتكن الخبير إلى فرضية أن شبكة خطوط الهواتف في لبنان مخترقة، ما يعني أن تحديد أرقام القيادات قائم ومعروف منذ زمن، ويضيف أن "اختراق خطوط الهاتف وتحديد أصحابها ومكانها سيؤدي إلى تسهيل عملية الوصول إلى بصمة الصوت من خلال التنصت على الاتصالات".
ويكمل: "في هذه الحالة، ستجتمع عناصر عديدة مع بعضها وهي: تعيين المكان، واختراق الاتصالات والتنصت، وتحديد بصمة الصوت. انطلاقاً من ذلك، ستحصل عملية المراقبة من جهة وجمع جميع المعلومات عن الهدف وتخزينها في بنك أهداف لاستخدامه عند الحاجة من جهة أخرى، وهذا ما حصل حالياً خلال المعركة الراهنة".
المصدر عينه يقول إن "الهواتف الموصولة على الإنترنت وتحديداً تلك الذكية، هي التي تساهم إلى درجة كبيرة في تحديد بصمة الصوت بشكل واضح، الأمر الذي يسمح للجهة التجسسية بالتعرف فوراً على صاحب الصوت وبشكل سريع ونقي".
عسكرياً، يُعد سلاح الإشارة عنصراً أساسياً لدى أي جيش من الجيوش، كما أن حزب الله يعتمده خلال عمله العسكري.
وتعريفاً، فإن سلاح الإشارة هو أداة التواصل والاتصال بين القوى العسكرية على الجبهة القتالية، ومن الممكن أن يكون سلكياً أو لاسلكياً.
الخبير العسكري والعميد المتقاعد بسام ياسين قال لبلينكس إن الاتصالات اللاسلكية في جهاز الإشارة قد تكون مشفّرة أو غير مشفّرة، مشيراً إلى أنه من الممكن حصول اختراق يطول هذا السلاح، وذلك من خلال التنصت عليه ومعرفة ما يُحكى ضمنه.
سيارة وسام الطويل التي فجرتها إسرائيل بعبوة ناسفة في بلدة خربة سلم في جنوب لبنان، ٩ يناير، ٢٠٢٤. أسوشيتدبرس
ياسين يلفت إلى أن الإسرائيليين لديهم قدرات تقنية تمكنهم من إتمام هذا الاختراق الذي قد يستهدف العمل الميداني للمقاتلين، ويقول "حزب الله أنشأ نظام اتصالات سلكية، وفي أكثر من منطقة تمكن الإسرائيليون من الوصول إلى خوادم الشبكة السلكية والتجسس عليها، وتفسير ومعرفة ما يحكى عليها من أجل تعزيز المعلومات واستثمارها لتنفيذ مخططات معينة".
وعن مدى مساهمة اختراقات سلاح الإشارة في عملية الاغتيال، لا يستبعد ياسين حصول هذا الأمر، لكنه يقول إن مسألة الاستهداف هي عملية تحتاج إلى خطوات كثيرة قد لا تكون مرتبطة بسلاح الإشارة فقط، وقال: "أكثر طريقة تساهم في عملية الاغتيال هي بصمة الصوت.. الطائرات من دون طيار بإمكانها التجسس وتحديد تلك البصمات وتحليلها وتنفيذ عمليات الاغتيال وهذا ما يجري".
ما لا يمكن إغفاله هو أن أغلب قادة حزب الله، الذين اغتالتهم إسرائيل في الجنوب، كانوا موجودين في سوريا خلال السنوات الماضية، إذ كان لهم دور ميداني وقتالي هناك إلى جانب الجيش السوري.
تشييع جثمان مسؤول حزب الله علي الدبس، النبطية، جنوب لبنان، ١٦ فبراير، ٢٠٢٤. أسوشيتدبرس
خبير الاتصالات بدوره قال لبلينكس، إن الاختراقات التقنية كبيرة جداً في سوريا، ومن الممكن جداً أن تكون بصمات الصوت والمعلومات عن قادة الحزب المستهدفين قد بدأت من هناك أولاً.
الخبير نفسه يقول أيضاً، إن إسرائيل تمكنت من اختراق إيران سيبرانياً، فهي نفذت هجمات ضد علماء نوويين إيرانيين، كما أنها عطلت منشآت كبيرة هناك واخترقتها تقنياً، وأضاف "المعلومات عن عناصر وقادة حزب الله موجودة في إيران بطبيعة الحال كون التعاون كبيرا.. فما الذي يمنع حصول اختراق لتلك المعلومات والحصول عليها؟".
مصدر الحزب الذي تحدّث في البداية والخبير المتخصص بشؤون الاتصالات يُجمعان على أن "الجواسيس" موجودون بكثافة في مختلف المناطق، كما أنهما يؤكدان وبصورة "جازمة" أن كل التقنيات المستخدمة تحتاج في النهاية إلى شخص حقيقي يُسرب معلومة ويقوم بالمراقبة وتحديد الهدف.
تشييع وسام الطويل في بلدة خربة سلم، ٩ يناير، ٢٠٢٤. أسوشيتدبرس
مصدر ثالث أيضاً مقرّب من الحزب، يقول إن عملية اغتيال قائد "قوات الرضوان" في الحزب وسام الطويل كانت مختلفة تماماً عن عمليات الاغتيال التي جاءت بعدها، إذ حصلت عبر عبوة ناسفة، وما تبين هو أن هناك عنصرا بشريا أساسيا هو المسؤول عن عملية الاغتيال وزرع العبوة أسفل السيارة التي لم تقصفها طائرة مسيرة.
من ناحيته، يقول أحد الخبراء العسكريين المتابع لشؤون الحزب لبلينكس، إن المركبة التي يتم استهدافها من قبل الطائرة من دون طيار يمكن تحديدها من خلال طرق عديدة وهي:
اللافت أيضاً هو أنه وخلال عمليات استهداف عديدة حصلت لقادة في حزب الله، تبيّن أن بعض السيارات المستخدمة عادية، كما أن اللوحات الموضوعة عليها "قديمة"، وليست جديدة، وهي تعد لافتة للنظر خصوصاً في جنوب لبنان.
الكلام هذا لم تنفهِ مصادر الحزب التي تحدثت معها بلينكس، ملمّحة بصورة غير مباشرة إلى أن معظم السيارات التي يجري استخدامها "غير مسجلة" في سجلات الدولة اللبنانية. لهذا السبب، وبحسب ما تم رصده في أكثر من عملية، كان يتم نزع اللوحات بسهولة.
الخبير العسكري المتابع لشؤون الحزب قال بدوره لبلينكس، إن مسألة نزع اللوحات فور حدوث أي استهداف سببه منع تقديم معلومات عن تلك اللوحة، لأنها قد لا تكون صحيحة، وثانياً من الممكن أن تكون صورية ومركبة فقط من أجل أن تجعل السيارة قانونية شكلا، وتحديداً في أثناء مرورها على الحواجز الأمنية، لأن السيارة من دون لوحات قد يتم توقيفها وتفتيشها.
المصدر عينه فسّر لبلينكس مسألة اختلاف مناطق الاغتيال، وقال "الحزب لديه وحدات مختلفة في مناطق عديدة، وكل مسؤول يتبع لوحدته المسؤولة عن نطاق أو قطاع معين. لهذا السبب، فإن أماكن انتقال القادة الميدانيين تكون مختلفة، وفي نطاقات متباعدة ويعود هذا الأمر إلى مكان العمليات الأساسي الذي يتوجب على المسؤول متابعته".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة