فرنسا تفقد إمبراطوريتها.. كاليدونيا على خطى أفريقيا

كاليدونيا الجديدة تقع في قارة أوقيانوسيا جنوب غرب المحيط الهادئ، على بُعد 1210 كم (750 ميلًا) إلى الشرق من أستراليا، وتبلغ مساحتها نحو 18 ألف كيلومتر، ويبلغ تعداد سكانها أقل من 300 ألف نسمة، وفق آخر تعداد في عام 2024.

وهي واحدة من 5 مناطق جزرية تسيطر عليها فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي محور خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ بلاده في المحيط الهادئ.

فُرضت حالة الطوارئ في الأرخبيل الفرنسي بعدما تصاعدت احتجاجات المعارضة ضدّ إصلاح دستوري، تبناه المشرعون في باريس، يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية، ليشمل كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها لأكثر من 10 سنوات.

الاحتجاجات تأججت ضد الإصلاح المقترح للهيئة الانتخابية في الإقليم -الذي يقول الانفصاليون إنه سيضعف تمثيل سكان الكاناك الأصليين- بسبب الاضطرابات الاقتصادية العميقة في الأرخبيل الاستوائي النائي.

الحكومة الفرنسية ألقت بعض اللوم على القوى الأجنبية، خاصة أذربيجان، التي أقامت علاقات مع الانفصاليين. لكن التوترات السياسية المقترنة بالبؤس الاقتصادي هي التفسير الأكثر ترجيحاً لتلك الاحتجاجات، بحسب سي إن إن.

قُتل 6 أشخاص، واعتقل أكثر من 140 شخصا، في حين أُصيب ما لا يقل عن 60 من أفراد الأمن في الاشتباكات بين الجماعات القومية المحلية والسلطات الفرنسية، بحسب صحيفة لو فرانك.

وتشير الحكومة الفرنسية إلى الظهور المفاجئ للأعلام الأذربيجانية إلى جانب رموز الكاناك في الاحتجاجات، في حين تدعم مجموعة مرتبطة بالسلطات في أذربيجان الانفصاليين علنًا، وتدين حكومة باريس، وفق ما نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية.

ثروة كاليدونيا الجديدة تكمن إلى حد كبير في صناعة التعدين المتعثرة، إذ تمتلك ما يقرب من 30% من احتياطيات العالم من النيكل -وهي مادة أساسية في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ وكذلك البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية- مع سعي أوروبا للحاق بالصين في الاندفاع لتأمين المناطق الحرجة، بحسب بوليتكو.

وقال الرئيس السابق لحكومة كاليدونيا الجديدة المناهض للاستقلال، فيليب جوميز، لصحيفة بوليتيكو: "نحن في وضع اقتصادي كارثي، صناعة النيكل في حالة إرهاق تام، وهو السبب الرئيسي للاحتجاجات".

كانت فرنسا من أكبر الإمبراطوريات الاستعمارية حول العالم، وامتد نفوذها لما وراء البحار في آسيا وأفريقيا.

وفي الوقت الذي تخلّت فيه عن بعض مستعمراتها طواعية، أو لمقاومة شعوبها، ظل إرثها باقيا في بعض الدول، باتفاقيات طويلة، وجيوش لحفظ ما تجنيه من أرباح.

لكن في العامين الأخيرين تحديدا قررت مستعمرات قديمة الخروج من العباءة الفرنسية، وأجبرت باريس على سحب قواتها منها، مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد.

وبعد انقلاب عسكري دعّمته روسيا بصورة صريحة، وجدت باريس نفسها مضطرة إلى سحب قواتها من النيجر في ديسمبر الماضي، لتفتح حلقة جديدة لدول أخرى، للتفكير في طرد القوات الفرنسية من أراضيها.

السنغال كانت آخر المستعمرات القديمة التي ألمحت إلى طرد جيوش باريس تماما من أراضيها، إذ قال رئيس الوزراء، عثمان سونكو، الخميس، أنه لا يرى سببا لوجود قواعد فرنسية في بلاده الواقعة في غرب أفريقيا.