"الأمن المائي" يؤرق بال أبو محمد.. أزمة المياه في الأردن تتفاقم

في عام 2022 أطلق الأردن رؤية التحديث الاقتصادي، التي تضمنت تحديثا لعدد من القطاعات، كان من بينها التركيز على قطاع المياه، حيث أوعز العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بالاهتمام بمشروع تحلية المياه باعتباره أولوية وطنية.

مشروع "الناقل الوطني" يهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر من مدينة العقبة جنوبا، ونقلها إلى محافظات المملكة شمالا، عبر خط ناقل بطول 450 كيلومترا، لتلبية احتياجات المحافظات من المياه وبكميات تتراوح بين 250 و300 مليون متر مكعب، وبتكلفة تصل لمليار دولار في مرحلته الأولى.

وبالنسبة لأبو محمد، فهو يأمل وغيره من الأردنين في أن يرى مشروع التحلية النور، فالحكومة وعدت به منذ سنوات، وما زال على رفوف الدراسة كغيره من مشاريع كثيرة كما يقول.

يقول أبو محمد لبلينكس "عندما قررت بناء البئر قبل عقد من الزمان وصلت تكلفته إلى ألفين دينار، فهو يتسع لـ30 متر من المياه، أما الآن فمن الممكن أن تصل التكلفة إلى 4 آلاف، هذا البئر يعد ضرورة لكل منزل ولا يمكن الاستغناء عنه، ووجوده يشكل أمنا لنا، فشراء المياه يفوق قدراتنا المادية".

يجمع أبو محمد مياه الأمطار، وفي كل عام يعمل مع المختصين على تنظيف هذا البئر لضمان سلامة المياه التي يستعين بها لسقاية أشجار الفاكهة المزروعة على دونمات كبيرة وفي تلبية احتياجات أسرته.

وزارة المياه والري الأردنية، تؤكد أن الأردن يبذل جهودا لمواجهة التحديات التي تحيط قطاع المياه، هذا القطاع الذي يعاني من ازدياد الطلب وتراجع المتاح، وتراجع مستوى الأحواض الجوفية في مختلف المناطق نتيجة الضخ الجائر، وارتفاع تكاليف توفير مصادر مائية نظيفة.

وزير المياه والري، رائد أبو السعود، قال في تصريحات لبلينكس، إن مشروع الناقل الوطني مازال قيد الدراسة، وينفذ الأردن مشاريع متعددة لتأمين مصادر مائية جديدة، وهنالك مشاريع تركز على خفض الفاقد المائي للوصول إلى المستويات العالمية بحلول 2040 بمعدل 2%.

وأضاف "نسعى لتأمين مصادر مائية من مصادر غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر والاستفادة من المياه الجوفية العميقة من خلال حفر الآبار، وكذلك التوسع في مشاريع معالجة المياه العادمة، حيث نستفيد من 200 مليون متر مكعب لتوفيرها للزراعة"، بحسب قول الوزير.

تركز استراتيجية قطاع المياه التي أطلقتها وزارة المياه والري للأعوام 2019 - 2025 لسد الفجوة بين الطلب والمتاح من المصادر المائية بأكثر من 15٪، وتطوير المتاح منها لزيادة حصة الفرد من المياه الصالحة للشرب.

أبو السعود قال إن المملكة تسعى لتنفيذ مشروعات توفر مصادر مائية بطاقة 180 مليون متر مكعب إضافية، وزيادة كميات المياه المعالجة في محطات الصرف الصحي والمعاد استخدامها حاليا من 116 مليون متر مكعب لأغراض الزراعة المقيدة، للوصول إلى 240 مليون متر مكعب بحلول العام 2025.

وشدد على السعي لتحقيق الاستدامة في مصادر المياه وزيادة الحصاد المائي في السدود لرفع التخزين إلى 400 مليون متر مكعب بحلول العام 2025 من خلال بناء سدود جديدة، قائلا "التخزين الحالي في السدود لا يتجاوز 36% من الطاقة الكلية للسدود والبالغة 336 مليون متر مكعب".

يشير أبو محمد إلى أن المواطنين يتلقون دوما تحذيرات عبر وسائل الإعلام من أجل الحذر من التعدي على خطوط المياه الناقلة، فضلا عن حفر الآبار الجوفية من دون ترخيص لما لها من مخاطر، وهنالك عقوبات تقع على المعتدي كالسجن والغرامات، ومع ذلك فإن الاعتداءات مستمرة.

ووفقا لأستاذ علوم المياه في الجامعة الأردنية، د. إلياس سلامة فإن الوضع المائي في الأردن يمكن تصنيفه بالخطير، وهذا الوضع المقلق هو نتاج تراكمي لخطط رُسمت ولم تنفذ على أرض الواقع، والتأجيل زاد من المشكلة.

يقول سلامة وهو خبير في المياه لبلينكس إن الحل المثالي هو المضي في مشروع تحلية المياه، خاصة أنّ مصادر المياه في الأردن شحيحة، المياه المتجددة (السطحية والجوفية) لا تزيد عن 750 مليون متر مكعب في السنة.

ويضيف "في حين أن الاستخدام يصل إلى ألف متر مكعب، وهناك ما يقارب 300 مليون متر مكعب تحت مسمى الضخ الجائر للمياه الجوفية، وهذا الضخ سيكون له عواقب لا يستهان بها"، بحسب سلامة.

وعند سؤال الخبير عن أخطار استنزاف المياه الجوفية، أشار سلامة إلى أنه مع الوقت "سنشهد نضوب الحمامات المعدنية، وسوف تتردى نوعية هذه المياه، ولا يمكن استخدامها بعد ذلك، المياه الموجودة في الأردن تكفي لـ4 ملايين شخص، ونحن وصلنا إلى حاجز 11 مليون شخص".

وأوضح أن الأردنيين يحصلون على المياه مرة في الأسبوع، وأغلب الأسر تلجأ لشراء المياه لتغطية النقص الحاصل، وتوفير المياه للشرب والاستخدامات المنزلية، وهو أمر مكلف لا سيما أنه يتكرر أسبوعيا، وفي فصل الصيف يزداد الطلب وتصبح المشكلة أكثر حدّة، وفق سلامة.

يقول أبو محمد: "العائلات الأردنية لديها وعي كامل بخطورة الوضع المائي، ولكن هناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن حجم السكان يزداد ولا ينقص، وهذا الحق ليس لنا فقط وإنما للأجيال المقبلة، ومن هنا تكمن أهمية البحث عن حل طويل المدى، وبناء الآبار يجب أن يصبح إلزاميا عند كل عائلة".

بالمقابل، فإن نقيب الجيولوجيين الأردنيين، خالد الشوابكة، يبيّن في حديثه لبلينكس أنه من المهم الاعتراف بداية في أن المملكة تواجه زيادة في عدد السكان بشكل كبير، وبشكل صادم نتيجة موجات النزوح والهجرة واللجوء التي تدفقت عليها خلال سنوات، مما أدى تباعا إلى الزيادة في الطلب على المياه.

وأكد أنّه من الجدير أولا أنّ ندرك الحاجة ومدى العجز، حيث تبلغ حاجة الأردن من المياه نحو 3 ملايين متر مكعّب يوميا، وهي تشمل الاستخدامات كافة، أما العجز في قطاع مياه الشرب وحده وصل إلى نحو 45 مليون متر مكعّب في العام 2022، أما العجز الكلي للاحتياجات كافة فيزيد عن 450 مليون متر مكعب سنويا.

ويشرح الشوابكة وهو عضو اللجنة الوطنية للسدود، أنّ الحل الجذري لهذا الملف يكون على الشكل التالي:

• تحلية مياه البحر كحل مستدام، وهذا يتطلّب تسخير التكنولوجيا، واستخدام الطاقة المتجددة.
• تحلية مياه البحر باعتماد أسلوب استئجار سفينة تحلية ترسو على شاطئ خليج العقبة، وتعمل على توفير نحو، 30-40، مليون متر مكعب وتضخ إلى محافظات الوسط والشمال.
• تطوير أساليب الاستفادة من مياه الأمطار بالحصاد المائي، وخاصة في المناطق المأهولة، وإدارة الفاقد المائي وغيرها من خطوات.

ولفت نقيب الجيولوجيين إلى أنّ ملف المياه في الأردن، هو ملف يواجه معضلات إدارية، وأيضا سياسية، ومن بين الحلول الطويلة المدى هو تفعيل الاتفاقيات المائية مع دول الجوار العربي، بما يضمن حصول الأردن على حصته الكاملة من هذه المياه.