نصرالله وسليماني.. "المحور" يخسر في لعبة جس النبض

قبل 3 أشهر من اغتيال الولايات المتحدة الأميركية قاسم سليماني في يناير 2020 في العراق، تفاخر رئيس فيلق القدس آنذاك في مناقشة أمنية في إيران أنه تمكن من رعاية 6 جيوش خارج البلاد، حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد، في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، والميليشيات في سوريا.

سليماني الذي حظي بكاريزما عالية ومهارات عسكرية استراتيجية وقبول كبير في الأوساط الشيعية كان له الفضل الكبير في تشكيل "محور" إيران، وفقا لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.

بعد توليه منصبه خلال العام 1998 كقائد لفيلق القدس، بدأ سليماني في التعاون على نطاق واسع مع نصرالله وعمل على تمكين قدرات الحزب والتأكيد على مكانة المجموعة كرأس حربة للجماعات المسلحة المناصرة لإيران في المنطقة.

في ذلك الوقت، كان التحالف الذي عمل سليماني على تقويته يضم فيلق بدر في العراق، وحماس والجهاد في غزة، وحزب الله في لبنان.

ثم جاء الغزو الأميركي للعراق عام 2003 كفرصة لسليماني لتعميق النفوذ الإيراني، فسارع قائد فيلق القدس على لعب دور محوري في إنشاء "جيش المهدي" في نهايات نفس العام، وكان يرعى ما يعرف بـ"عصائب أهل الحق" وكتائب حزب الله وجماعات أخرى قتلت وأصابت جنودا أميركيين في مختلف أنحاء العراق.

رعى عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وجماعات أخرى. لقد قتلت هذه الميليشيات وأصابت جنودا أميركيين في مختلف أنحاء العراق.

وطلب سليماني من نصرالله المساعدة في جبهة العراق، وهو ما دفع حزب الله لتأسيس الوحدة 3800 المسؤولة عن دعم الجماعات المسلحة في العراق.

اقتنص سليماني فرصة لزيادة النفوذ الإيراني في سوريا، وتأسيس ميليشيات شيعية مثل لواء الفاطميين الأفغاني ولواء الزينبيين الباكستاني، بالإضافة للحرب في اليمن التي أتاحت لفيلق القدس تعزيز "المحور" وتوسيعه بشكل كبير عبر تسليح وتدريب جماعات الحوثيين.

سليماني كان يتحرك بحرية كبيرة بين إيران والعراق وسوريا ولبنان ليعمل بشكل شخصي على ترسيخ المحور المدعوم إيرانيا، وكانت له علاقات شخصية واسعة ومتينة مع قادة جميع تلك التنظيمات، لدرجة أن خليفة نصرالله المحتمل، هشام صفي الدين، زوج ابنه لابنة سليماني زينب في 2008.

لذلك اغتيال الولايات المتحدة الأميركية لقائد فيلق القدس في العراق عام 2020 كانت ضربة هائلة للمحور، ولكن ما كان أكثر إثارة للدهشة هو غياب أي رد إيراني حقيقي على تلك الضربة، سواء ضد القواعد الأميركية في العراق أو ضد إسرائيل التي لعبت دورا محوريا في عملية الاغتيال تلك وفقا لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، تامير هيمان.

إيران في ذلك الوقت، اقتصرت في ردها على إطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين أميركيتين في العراق، مما لم يسفر عن وقوع إصابات أو قتلى سوى بضعة جنود أصيبوا بإصابة "دماغية رضية" من صوت الانفجار.

وتعمد المسؤولون الإيرانيون تجنب التسبب في أي إصابات أو قتلى في صفوف الأميركيين لتفادي الرد الأميركي، بل أخبروا أميركا سلفا بالضربة على تلك القواعد، وهو ما أعطى انطباعا لإسرائيل بأن إيران غير قادرة على الثأر بشكل واقعي.

قبل الـ7 من أكتوبر، دخلت إسرائيل في دوامة مع حزب الله بسبب نصب عناصر الحزب خيمة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في مناطق تحتلها إسرائيل.

الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت لم يكن يجرؤ على ضرب تلك الخيمة، وسعى لإدخال وساطات دولية لحل الأزمة وخشي من أنه إذا قام بأي هجوم على الخيمة فإن حزب الله سيثأر بشكل قوي.

بعد ٧ أكتوبر ودخول حزب الله على خط المواجهة بشكل محدود، سارعت إسرائيل لانتهاز الفرصة وقصف تلك الخيمة، ولكن بقي التصعيد الإسرائيلي محدودا أيضا خشية الدخول في حرب على جبهتين في آن واحد.

وخلال شهر يناير، اغتالت إسرائيل الرجل الثاني في قيادة حماس في الخارج، صالح العاروري، في ضربة جوية على الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، وكانت تلك الضربة بمثابة جس نبض لرد الحزب على اختراق إسرائيل أحد الخطوط الحمراء والعودة لتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان.

لم تقد تلك الضربة لأي عمليات ثأر حقيقية من لبنان، وهو ما فتح الباب لإسرائيل لاختبار حزب الله أكثر فأكثر بتنفيذ عمليات اغتيال ضد قادته الميدانيين تدرجت حتى وصلت للرجل الثاني في الحزب فؤاد شكر في نهاية يوليو 2024.

ولكن مجددا، لم يرد الحزب سوى بـ300 صاروخ على إسرائيل في هجوم وصفه خبراء بالمتواضع.

طوال فترة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل منذ أكتوبر الماضي، كان الخبراء في إسرائيل يحذرون من أن استفزاز إسرائيل للحزب قد ينتهي بكارثة، حيث توقع الإسرائيليون أن يقوم الحزب بضرب إسرائيل بنحو 5 آلاف صاروخ يوميا ليتمكن من استنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية واختراقها.

لكن في كل مرة تجرأت فيها إسرائيل على تصعيد هجماتها أكثر فأكثر، لم يتحقق سيناريو الصواريخ الهائلة تلك، إلى أن قام الجيش الإسرائيلي بعملية تفجير أجهزة البيجرز واللاسلكي التي أدت لإصابة نحو 1500 عنصر من الحزب، بعضهم أصيب بالعمى أو بتر الأطراف.

ومع ذلك، كان رد الحزب دون التوقعات، حيث اكتفى بتعميق مدى استهداف إسرائيل لبلدات لم يستهدفها من قبل.

إسرائيل انتهزت الفرصة لتنفيذ آلاف الضربات على الحزب وسلسلة اغتيالات واسعة ضد قادة الصفوف الأمامية فيه، من دون أن يقوم الحزب بالدخول في مواجهة شاملة وإغراق إسرائيل بالصواريخ.

لذلك، كانت النهاية المتوقعة لهذه الاغتيالات المتصاعدة هي الوصول لرأس الهرم، حسن نصرالله، بعدما قتلت إسرائيل معظم القادة المحيطين به.