أمن
.
في حفل نوفا قبل عام، كانت الفصائل المسلحة الفلسطينية حاضرة من خلال هجومها على مستوطنات غلاف غزة، لتبدأ الحرب التي لم تتوقف وتتسع جبهاتها.
لكن الأرض التي شهدت الحفل وغيرها من الأماكن التي شهدت هذا الهجوم تحولت في غضون عام إلى مزار سياحي.
"السياحة المظلمة" هو مصطلح يرتبط بالمواقع التي شهدت أحداثا مشابهة عالميا، وقد أصبحت المستوطنات التي شهدت أحداث السابع من أكتوبر واحد من هذه المزارات السياحية، لتجذب، وفق التوقعات، ما بين 1.2- 2.5 مليون سائح وزائر سنويا، بعد أن كانت ميتة ما يرفع العوائد الاقتصادية من جهة وتحسين صورة إسرائيل دوليا من جهة أخرى بحسب موقع والا الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، فإن هذه الرحلات تثير غضب سكان المستوطنات لا سيما وأن كثير منهم لا يستطيع حتى الآن العودة إلى منزله وشهد ما حدث في السابع من أكتوبر.. فماذا نعرف عن سياحة الكوارث لموقع نوفا؟
قبيل السابع من أكتوبر2023، وتحديد بين يوليو وأغسطس لم يأتِ أي سائح إلى منطقة غربي النقب أو "غلاف غزة"، سواء سياح أجانب أو زوار من داخل إسرائيل نفسها، بحسب دورون أشتان، الرئيس التنفيذي لجمعية السياحة "شكما باشور" لموقع والا .
لذلك، يقول شاحار شيلو، رئيس قسم الدراسات السياحية في الكلية الأكاديمية في عسقلان، إنه "أمام أعيننا تحدث عملية مذهلة - يتم إنشاء وجهة سياحية هنا. في الماضي، لم ينزل أي سائح في إسرائيل وذهب على الفور لرؤية النقب الغربي".
إلى جانب موقع حفل نوفا، يأتي السياح للمنطقة لرؤية مركز شرطة سديروت الذي أصبح مزارا للكثيرين، والذي تمكنت الفصائل الفلسطينية من السيطرة عليه في 7 أكتوبر وقتل 30 شخص داخله، حتى هاجمته القوات الإسرائيلية بأعيرة نارية ثقيلة وجرافات لهدم جدرانه والوصول للعناصر المتحصنة فيه.
ويذهب الزوار أيضا لرؤية الملاجئ التي اختبئ فيها الإسرائيليون ذلك اليوم بالإضافة لموقف سيارات رعيم وموقف السيارات بالقرب من تكوما، بحسب والا.
ويضيف شيلو، الذي يعمل أيضا مستشار تطوير سياحي في أشكول ويملك شركة متخصصة في التخطيط السياحي، أن إسرائيل تتوقع على أقل تقدير أن يأتي لمنطقة غلاف غزة في السنوات المقبلة أكثر من مليون و250 ألف زائر سنويا، بينهم أكثر من 300 ألف سائح أجنبي على أقل تقدير.
ويتوقع أن ينضم إلى زائري المنطقة يهود من جميع الشرائح، مثل طلاب مدارس وجامعات أو رحلات شبابية أو نزهات استكشافية.
وهناك أيضا الزوار من المسيحيين الإنجيليين المناصرين لإسرائيل والذين يتبنون نظرة أنه يجب إرسال جميع اليهود للعيش في إسرائيل من أجل عودة المسيح.
هذا بالإضافة للوفود الدبلوماسية والسياسية التي تنظمها الحكومة والجيش للزوار الأجانب، كقادة الدول أو رؤساء الشركات الكبرى مثل إيلون ماسك أو منظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والممثلين المشاهير والفنانين.
بعد وقت قصير من هجوم 7 أكتوبر، وضع موقع "سديروت للسياحة" رسالة ترويجية تعرض تنظيم جولات سياحية إرشادية للمنطقة، بحسب والا.
وجاء في تلك الرسالة: "تدعوكم شركة سديروت للسياحة إلى جولة خاصة بعد الحرب. وكجزء من الجولة، سنزور أنقاض مركز الشرطة القديم، ونستمع مباشرة إلى شهادة حول المعركة مع الشرطة في يوم السبت الأسود وسنشاهد فيلما تم إعداده من شهادات وصور من جميع أنحاء المدينة".
وتضيف الرسالة "لتخصيص الجولة خصيصا لمجموعتك، تحدث معنا على WhatsApp".
وتعمل شركات السياحة الإسرائيلية على تسيير رحلات جماعية لتلك المناطق تشبه رحلات الحج إلى لقدس والرحلات الكلاسيكية الأخرى كالبحر الميت وتل أبيب.
لكن تلك الشركات تشتكي من تواضع البنية التحتية في منطقة غلاف غزة، سواء من حيث قدرة الطرق على تحمل أعداد كبيرة من الزوار أو عدم توفر أماكن إقامة كافية للسياح ومواقف سيارات منظمة وخدمات عامة.
لذلك، تتعاون تلك الشركات مع وزارة السياحة الإسرائيلية لتأهيل المنطقة لتصبح جاهزة في غضون عامين لاستقبال أعداد كبيرة من السياح بالشكل الصحيح.
وخصصت الحكومة الإسرائيلية حوالي 18 مليار شيكل في شهر ديسمبر 2023 لإعادة تأهيل منطقة غلاف غزة في خطة لخمس سنوات، وكانت أحد بنود تلك الخطة هي استغلال الأماكن التي تعرضت لهجمات في 7 أكتوبر لتحويلها لمتاحف ومزارات سياحية.
توافد السياح لزيارة منطقة غلاف غزة يندرج تحت ما يعرف بالسياحة المظلمة، وهي الرحلات السياحية التي تركز على المواقع المرتبطة بالكوارث.
فعلى سبيل المثال، يتوافد ملايين السياح سنويا لزيارة معسكرات الاعتقال والتعذيب النازي في بولندا وألمانيا مثل أوشفيتز، أو موقع تفجير البرجين في نيويورك بالولايات المتحدة لإحياء ذكرى 11 سبتمبر أو حديقة السلام في هيروشيما في اليابان.
وفي هذا السياق، يشير الدكتور شيلو إلى أن هذا النوع من السياحة يعتبر جزءً من السياحة التراثية وأحد دوافعها قد يكون الفضول أو التعاطف أو التعلم أو التعرف على الضحايا.
ويضيف: "يبدو الأمر كما لو أن الناس يريدون رؤية حقول القتل في نورماندي - موقع إنزال الحلفاء في فرنسا في الحرب العالمية الثانية. يأتي الزوار لتقديم احترامهم - ثم يعودون إلى النبيذ والأجبان الفاخرة القريبة. لقد أصبحت نورماندي مكانا سياحيا".
في شهر يناير 2024، رضخت الحكومة الإسرائيلية للضغوط الدولية وقبلت بالسماح لوفد من الأمم المتحدة زيارة مناطق شمال غزة بعد فرض حصار مطبق كامل على ذلك النصف من القطاع، لكنها اشترطت على الوفد زيارة مستوطنات غلاف غزة التي تعرضت للهجوم في 7 أكتوبر، أولا.
هذا الطلب ليس لمجرد التقاط الصور، بل هو لتعريض الزوار لصدمة من قصص الرعب التي يرويها عليهم جنود وضباط الجيش فيما يعرف بـ"atrocity propaganda" أو "دعاية الفظائع" لكي يشعروا بتفهم أكبر لحرب إسرائيل على غزة.
لذلك، حينما زار مالك منصة إكس إيلون ماسك إسرائيل، اصطحبه نتنياهو شخصياً لمناطق غلاف غزة وشاهدا معا سرير لطفل رضيع مليء بالرصاص، بينما قص عليهم ضابط أن مسلحي حماس أعدموا هذا الطفل.
صحف عالمية بعدها قالت إن الرصاص الذي ظهر في السرير هو رصاص دبابة ميركافا إسرائيلية وأن صورا سابقة لنفس السرير أظهرته بدون أي من تلك الرصاصات، ما يعني أن مسرح الجريمة مفبرك، واتضح لاحقا أنه لم يقتل أي رضيع في هذه المستوطنة من الأساس.
لذلك يقول يوسي فتال، مدير مكتب منظمي السياحة الوافدة إلى إسرائيل: "إن سماع القصص بشكل مباشر له أيضا أهمية استراتيجية لصورة إسرائيل الدولية"، فتأثير مشاهدة السرير المليء بالرصاصات بعينيك أثناء سماع القصة من أحد الضباط الذين شهدوا أحداث ذلك اليوم له بالطبع وقع أعمق وأكبر من مجرد قراءة القصة في أحد الصحف.
ويضيف: "إن السياحة الوافدة في السنوات المقبلة مهمة في الدبلوماسية العامة، ويجب أن تكون عنصرا مهما جدا في خطة استعادة صورة إسرائيل ومكانتها في العالم".
يصادف مزارع الأفوكادو، بار حيفتس، في مستوطنة نيريم القريبة من غزة، أثناء عمله في الحقل يوميا مجموعة من السياح قادمة للمنطقة التي هاجمها عناصر حماس في 7 أكتوبر ويسأله بعضهم "أين يمكننا رؤية المنازل المحروقة؟"، ليتولد لديه شعور أن مستوطنات غلاف غزة أصبحت "رسميا مثل السفاري".
ويثير هذا الأمر غضب حفيتس، ذلك أن شركات السياحة تجني المال مقابل تنظيم تلك الزيارات الميدانية، بحسب القناة 12، في وقت لاتستطيع عائلته العودة لمنزلها ما "يمثل عدم احترام" خاصة أن هناك من قتل في تلك المنازل.
ويضيف: "إنه أمر فظيع حقا. فهم فضوليون على كل حال، ولم يقم أحد بدعوتهم إلى هنا. إنه أمر لا معنى له على الإطلاق".
وبحسب حيفتس، فإن ثمة شركات متخصصة تنظم رحلات مقابل المال لمناطق غلاف غزة لتأخذ السياح في جولة حول البيوت المحروقة أو المدمرة وتقدم لهم أبرز قصص الرعب من ذلك اليوم، علاوة على جمعيات ومؤسسات تأتي بزوار لتلك المناطق من أجل جمع التبرعات واستعطاف قلوب الناس، مثل منظمة زاكا التي روجت لرواية قطع رؤوس الأطفال الرضع.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة