سجون بريطانيا.. من مراكز تأهيل لمصانع دمج "التطرف والجريمة"
تحوّلت السجون البريطانية في السنوات الأخيرة إلى بيئة خصبة يتقاطع فيها التطرف بالجريمة المنظمة، حيث لم يعد التطرف محصوراً في زنازين منفردة، بل بات ينتشر عبر شبكات معقدة داخل السجون نفسها.
في هذه المؤسسات، يتعلّم السجناء العاديون من السجناء المتطرفين كيفية تصنيع المتفجرات، بينما ينقل أفراد العصابات للمتطرفين مهارات غسل الأموال، واستخدام الإنترنت المظلم، وطرق الحصول على الأسلحة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته صحيفة
التلغراف.
وبدلاً من أن تكون السجون مراكز لعزل المجرمين وإعادة تأهيلهم للاندماج في المجتمع، أصبحت معامل خطرة لإنتاج عناصر أكثر فتكاً وتنظيماً.
هذا الواقع، الذي تؤكده تقارير أمنية وحكومية متعددة، دفع روبرت جينريك، وزير العدل في حكومة الظل، إلى التحذير قائلاً: "هذا فشل كامل في القيادة، وتخلٍّ خطير عن واحدة من أبرز واجبات الدولة الأساسية: الحفاظ على النظام داخل السجون".
تشير
دراسة أعدّتها الباحثة هانا بينيت من جامعة ستافوردشير البريطانية إلى أن الانقسام التقليدي بين سجناء الجريمة المنظمة والمتطرفين بدأ يتلاشى، ما أفسح المجال أمام تبادل خبرات خطيرة بين الطرفين.
فقد بات بعض السجناء، وفقاً لشهادات من داخل المؤسسات العقابية، يخرجون وهم قادرون على صنع عبوات ناسفة، بينما تعلم آخرون أساليب الجريمة المالية المتطورة تشمل التزوير والاحتيال المالي لتمويل أنشطتهم.
وقد أشارت التقارير إلى أنّ هجمات مدريد عام 2004 تم تمويلها من خلال تجارة المخدرات، كما لجأت القاعدة إلى عمليات احتيال مالي متقدمة باستخدام بطاقات الائتمان.
لماذا أصبحت السجون مؤسسات خصبة لهذا التداخل؟
تُظهر دراسة بينيت أنّ السجون ذات الحراسة المشددة، التي تعاني من العنف والفساد وضعف الرقابة، تُعدّ البيئة الأكثر عرضة لتداخل المجرمين مع المتطرفين، نتيجة تهاون الموظفين في تطبيق الإجراءات المعقدة الخاصة بالإبلاغ والتصدي لتلك الظواهر.
وتشير
تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن هذه السجون أشبه بـ"الثقوب السوداء"، حيث تُجمع شخصيات ذات قدرة فتاكة، من صانعي القنابل إلى مروجي الأسلحة، في مكان واحد دون إشراف فعّال، ما يضاعف الخطر على الأمن القومي.
وأكد أحد السجناء المشاركين في دراسة بينيت أن "السلطات عمياء عمّا يجري"، مشيراً إلى أن الكثيرين يغادرون السجون وهم أكثر تطرفاً وتنظيماً من ذي قبل.
وفي هذا السياق، حذّر البروفيسور إيان أتشيستون، وهو مسؤول سابق في وزارة الداخلية، من هذا التداخل القاتل بين المتطرفين وزعماء الجريمة، والذي يجعل من السجون منطلقاً لعمليات خطرة قد تمتد خارج أسوارها، حسب ما نقلته التلغراف.
التعاون بين التطرف والجريمة
يشير تقرير نشرته مركز
غلوبسيك للأبحاث على وجود شراكات فعلية بين المتطرفين وشبكات الجريمة المنظمة، تستند إلى المصالح وليس الأيديولوجيا.
كما يؤكد
تقرير نشره المعهد الدولي للأبحاث حول الجريمة والعدالة التابع للأمم المتحدة أنه توجد أدلة تُظهر أنّ بعض الجماعات المتطرفة تعتمد على أشخاص ذوي سوابق جنائية ليس فقط لتسريع عملية التطرّف، بل ولإسناد أدوار رئيسية لهم في عمليات التجنيد، ما يشير إلى أنّ هذه الجماعات تُولي أهمية خاصة للمجندين من أصحاب الخبرة الإجرامية.
وأكدت دراسة بينيت أن تجنيد مجرمين سابقين يمنح الجماعات المتطرفة قدرات التنفيذ الفوري للعمليات، كما حدث في هجمات مدريد 2004، التي تم تمويلها عبر تجارة المخدرات. إضافة إلى حالة شريف كواشي وأميدي كوليبالي، اللذين التقيا لأول مرة في سجن فلوري-ميروجيس، حيث تلقّيا التوجيه على يد المجنّد التابع لتنظيم القاعدة جمال بيغال، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى مشاركتهما في هجمات باريس عام 2015.
ماذا تفعل الحكومة البريطانية لمواجهة هذه الظاهرة؟
في مواجهة هذا التهديد المتنامي، تبنّت الحكومة البريطانية عدداً من الإجراءات الوقائية، منها منع السجناء المتطرفين من أداء أدوار قيادية داخل السجون، وتشديد القيود على ممتلكاتهم، وإنشاء وحدات مراقبة عالية مثل تلك في سجن فرانكلاند، وفقا لبيان صدر عن
وزارة العدل.
غير أن تقرير
مكتبة مجلس اللوردات شكك سابقا في فعالية هذه السياسات، مشيراً إلى أن 95٪ من برامج نزع التطرف فشلت في تحقيق نتائج ملموسة.
وبالرغم من وعود
الحكومة بإعادة تقييم البرامج وضخ المزيد من التمويل، لا تزال القدرة على التحكم الفعلي في بيئة السجون وتحقيق نتائج قابلة للقياس موضع شك، في ظل تزايد الهجمات التي يرتكبها سجناء مفرج عنهم.