ترسانة حزب الله بالأرقام.. هل لبنان قادر على نزع ما بقي منها؟
تكليف الحكومة اللبنانية في اجتماعها الثلاثاء، الجيش وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الدولة، اصطدم مع الحزب وحليفه الرئيسي، حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، اللذان يقولان إنه يجب تغيير هذا المسار، بانسحاب إسرائيل ووقف غاراتها قبل أي محادثات بشأن سلاح الحزب.
ويملك حزب الله ترسانة عسكرية ضخمة، لكنها دُمرت إلى حدّ كبير خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل.
ورغم سريان وقف لإطلاق النار منذ أكثر من ٨ أشهر، تتعرّض البنية التحتية العسكرية للحزب لضربات تعلن إسرائيل شنّها بين الحين والآخر، وتقول إن بعضها يستهدف محاولات إعادة ترميم بعض القدرات والمواقع.
وعمل الحزب، وهو التنظيم اللبناني الوحيد الذي احتفظ بأسلحته بعد انتهاء الحرب الأهلية، 1975-1990، بعد الحرب المدمرة التي خاضها صيف 2006 ضد إسرائيل، على تطوير قدراته العسكرية بشكل كبير.
لكن السؤال المطروح هو ماذا تبقى من ترسانة الحزب والتي تنوي حكومة الرئيس نوّاف سلام حصرها بيد الدولة اللبنانية؟
شنت إسرائيل هجوما عنيفا على حزب الله العام الماضي في حرب اندلعت على خلفية الصراع الدائر في قطاع غزة، مما تسبب في مقتل كثير من كبار قادة الجماعة و5 آلاف من مقاتليها قبل هدنة في نوفمبر الماضي توسطت فيها الولايات المتحدة.
وألزم الاتفاق لبنان بحصر حيازة الأسلحة على 6 أجهزة أمن حكومية محددة، ونص أيضا على مصادرة الأسلحة غير المصرح بها ومنع إعادة تسليح الجماعات غير الحكومية.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، تعهدت الحكومة اللبنانية الجديدة بحصر الأسلحة في جميع أنحاء البلاد بيد الدولة، لكن طريق حزب الله الرئيسي للحصول على الأسلحة انقطع بعد الإطاحة بحليفه بشار الأسد من رئاسة سوريا في ديسمبر، وهاجمت إسرائيل إيران الداعم الرئيسي للحزب في يونيو.
وتواجه الحكومة ضغوطا من واشنطن وخصوم حزب الله المحليين للتحرك بسرعة وسط مخاوف من أن تكثف إسرائيل غاراتها الجوية على لبنان.
ماذا تضم ترسانة حزب الله؟
بحسب الخبير العسكري رياض قهوجي، فقد تضررت ترسانة الحزب بشدة، جراء الحرب الأخيرة والضربات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت مستودعات أسلحته.
وخسر الحزب "وفق المعلومات الاستخباراتية المتوافرة جزءا كبيرا من ترسانته الثقيلة، لا سيما صواريخه البعيدة المدى"، وفق قهوجي، والتي تقدّر "بنحو 70 في المئة من قدراته".
وفكّك الجيش اللبناني، وفق ما أعلن رئيس الحكومة سلام في يونيو، أكثر من 500 موقع عسكري ومستودع أسلحة، في جنوب البلاد، تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار.
وتشنّ إسرائيل ضربات شبه يومية تقول إنها تستهدف بنى تحتية للحزب ومستودعات أسلحة وقياديين ناشطين ضدها. وتقول إنها لن تسمح للحزب بإعادة ترميم قدراته العسكرية.
خلال الأسبوع الماضي، شنّت إسرائيل سلسلة غارات في جنوب لبنان وشرقه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن بعضها استهدف "أكبر موقع لإنتاج الصواريخ الدقيقة" للحزب في لبنان.
مع سقوط النظام السوري السابق، خسر حزب الله حليفا رئيسيا كان يسهّل نقل أسلحته من داعمته إيران، التي تلقت بدورها ضربة موجعة إثر حرب مع إسرائيل استمرّت 12 يوما في يونيو.
وأقرّ حزب الله الذي شكّل القوة السياسية الأبرز في لبنان قبل أن تضعفه المواجهة المفتوحة الأخيرة مع إسرائيل، بخسارته "طريق الإمداد العسكري عبر سوريا"، بعد وصول السلطة الانتقالية إلى دمشق.
وأعلنت السلطات السورية خلال الأشهر القليلة الماضية إحباطها عمليات تهريب شحنات أسلحة إلى لبنان.
ويعتبر قهوجي أن قدرة حزب الله على "إعادة بناء قدراته العسكرية" باتت "محدودة بشكل كبير".
ومع ذلك، يواصل محاولات "إنتاج بعض الأسلحة محليا، إذ يمتلك ورش تصنيع على الأراضي اللبنانية، ينتج فيها خاصة الصواريخ من نوع كاتيوشا".
وبحسب خبراء، امتلك الحزب قبل اندلاع الحرب قرابة 150 ألف صاروخ.
ومنذ وقف إطلاق النار، أفاد عدد من المسؤولين الأمنيين عن قيام الجيش اللبناني بتدمير وإغلاق العديد من شبكات الأنفاق التي حفرها حزب الله في الجنوب، خاصة في المنطقة الحدودية مع إسرائيل.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مرارا استهدافه أنفاق للحزب.
خلال الحرب مع إسرائيل، استخدم حزب الله بكثافة الطائرات المسيّرة في هجماته على مواقع عسكرية، قريبة عموما من الحدود وأحيانا أكثر عمقا داخل إسرائيل. وأعلن مرارا إرسال مسيّرات مفخخة.
وفي أحد تصريحاته، قال الزعيم السابق لحزب الله، حسن نصرالله، الذي قتل في سبتمبر الماضي بغارات إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، إن العدد الكبير من الطائرات المسيّرة التي يمتلكها الحزب مرده إلى أن جزءا منها مصنوع محليا.
واعترض الجيش اللبناني مؤخرا، وفق قهوجي، حاوية تنقل قطع غيار لطائرات مسيّرة صغيرة، كانت في طريقها إلى حزب الله، ما يعد "دليلا واضحا على سعي الحزب لتطوير قدراته" في هذا الصدد.
وبحسب مصدر لبناني مطلع على النقاشات بشأن السلاح، فقد أبدى حزب الله مرونة لناحية استعداده لـ"تسليم سلاحه الاستراتيجي أي الصواريخ البعيدة المدى"، إذا انسحبت إسرائيل من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب وسمحت ببدء إعادة إعمار المناطق المهدمة في جنوب لبنان وأوقفت ضرباتها، مقابل احتفاظه "بالسلاح الدفاعي على غرار المسيّرات وصواريخ الكورنيت".
في سبتمبر، أعلن حزب الله أن عدد مقاتليه يقدّر بنحو 100 ألف عنصر، في حين قدّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية العدد بنصف ذلك تقريبا.
واستهدفت إسرائيل خلال الحرب الأخيرة التي استمرت لأكثر من عام، أبرز قادة الحزب وعددا كبيرا من كوادره ومقاتليه. وأحصت السلطات مقتل أكثر من 4 آلاف شخص في لبنان، بينهم عدد كبير من مقاتلي الحزب.
كما أصيب الآلاف من عناصره بجروح، خاصة حين أقدمت إسرائيل على تفجير آلاف أجهزة الاتصال (بايجر) وأجهزة اتصال لاسلكية كان يستخدمها الحزب.
ورغم وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل شنّ ضربات تستهدف عناصر من الحزب خاصة في الجنوب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 230 شخصا وإصابة قرابة 500 آخرين بجروح، وفق إحصاء إعلام حزب الله.
في يونيو، اقترح المبعوث الأميركي، توماس براك، خريطة طريق على المسؤولين اللبنانيين لنزع سلاح حزب الله بالكامل مقابل وقف إسرائيل غاراتها على لبنان وسحب قواتها من 5 نقاط لا تزال تحتلها في جنوب لبنان.
لكن حزب الله وحليفه الرئيسي حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري يقولان إنه يجب تغيير هذا المسار، بانسحاب إسرائيل ووقف غاراتها قبل أي محادثات بشأن سلاح حزب الله.
لكن صبر واشنطن آخذ في النفاد، إذ تطالب حكومة بيروت باتخاذ الخطوة الأولى بالالتزام الرسمي بنزع سلاح حزب الله.
وصف حزب الله قرار الحكومة مطالبة الجيش بوضع خطط لنزع سلاحها بأنّه "خطيئة كبرى" وأنه "يحقق مصلحة إسرائيل بالكامل".
ورفض الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم جميع بنود خريطة طريق براك، وعندما تحدّث الثلاثاء، تجولت عشرات الدراجات النارية يقودها رجال يحملون رايات حزب الله في معقل الجماعة بالضاحية الجنوبية لبيروت في استعراض لاحتفاظها بقوتها.
وأي محاولة لإجبار الحزب على نزع سلاحه تعيد إلى الأذهان نوبات الاضطرابات المدنية السابقة، ومنها سيطرة حزب الله على أجزاء من بيروت في قتال عام 2008 (٧ أيار)، وأشعلته محاولة الحكومة إغلاق شبكة الاتصالات العسكرية للجماعة، وهي من ركائزها المهمة، لكنها لا تزال أقلّ أهمية من أسلحتها.
يوزع نظام تقاسم السلطة في لبنان مواقع قيادة المؤسسات العامة، والتي تشمل البرلمان والحكومة وغيرها من المؤسسات، على مختلف الطوائف الدينية وفقا لحصص.
ويهدف هذا النظام إلى ضمان عدم إقصاء أي طائفة عن صنع القرار، لكن منتقديه يقولون إنّه يؤدي إلى شلل سياسي.
ويهيمن حزب الله وحركة أمل على التمثيل الشيعي في كلّ من البرلمان والحكومة.
وقال قاسم إن "أي قرار حكومي يتطلب إجماعا وطنيا، وقد يكون هناك تشكيك في شرعية قرارات مجلس الوزراء المتخذة من دون مشاركة الشيعة".
أعطى قرار مجلس الوزراء الجيش مهلة لتقديم خطة نزع السلاح إلى الحكومة بحلول نهاية أغسطس. وستناقش جلسة أخرى مقررة الخميس اقتراح براك.
وتواصل بعض الأحزاب اللبنانية مساعيها لإيجاد حل بديل يتجنب المواجهة بين حزب الله والدولة، وفي الوقت نفسه تجنب ضربات إسرائيلية أشد وطأة.