بريطانيا تدقّ ناقوس القُصّر.. المراهقون على طريق الإرهاب
في بريطانيا، أطلق رئيس جهاز المخابرات الداخلية (MI5)، السير كين مكالوم، تحذيرًا غير مسبوق بعدما كشف أن واحدًا من كل خمسة موقوفين العام الماضي بتهم إرهابية كان قاصرا دون الـ١٧.
الرقم الذي نقلته وكالة "أسوشيتد برس" يعكس تحوّلا مقلقا في طبيعة التهديدات داخل البلاد، إذ قال مكالوم إن الإرهاب "يتكاثر في زوايا الإنترنت القذرة"، معلنًا عن إنشاء مركز جديد للتدخّل المبكر يضم خبراء أمنيين ومتخصصين في الصحة النفسية للتعامل مع الحالات التي تشمل مراهقين أو أشخاصًا ذوي اضطرابات ذهنية أو مخاطر معقّدة.
وأوضح في خطابه بلندن أنّ العالم الرقمي بات يطمس الحدود بين الفكر المتطرّف والعنف الفردي، ما يستدعي "تفكيرًا جديدًا" في طريقة التعامل مع هذا الجيل الذي يعيش حياته ومشكلاته في الفضاء الافتراضي.
أرقام بريطانيا ترتفع.. وخريطة أوروبية مقلقة
وفق المفوضية الأوروبية، لا تقف الظاهرة عند حدود بريطانيا، بل تمتد عبر القارة بمعدلات متسارعة.
ففي فرنسا، حوكم 18 قاصرًا بتهم إرهاب عام 2024، أي ما نسبته 20% من مجمل القضايا الإرهابية، مقارنة بـ١٥ قضية عام 2023 وقضيتين فقط في 2022.
وفي بلجيكا، شكّل القاصرون 18% من التهديدات المتطرفة التي حلّلتها خلية تنسيق تحليل التهديدات (CUTA)، بينما أكدت الاستخبارات البلجيكية أنّ ثلث تحقيقاتها بين عامي 2022 و2024 شملت قاصرين.
أما في بريطانيا، فالأرقام لا تقلّ صدمة: 82 قاصرًا أوقفوا في قضايا إرهاب بين عامي 2023 و2024، مقارنة بـ12 فقط عام 2019، فيما تعود ٦ من كل ١٠ إحالات إلى برنامج "Prevent" إلى قاصرين، بحسب المفوضية.
الظاهرة نفسها رُصدت في أستراليا، حيث أوضحت وكالة الاستخبارات (ASIO) أنّ نحو 20% من قضايا مكافحة الإرهاب ذات الأولوية تشمل شبابًا، وأن الشرطة حققت في 35 قضية تخصّ قاصرين منذ عام 2020.
الإنترنت كمسرّع.. من التعرّض إلى الانزلاق
تشير المفوضية الأوروبية إلى أن هناك عاملين متلازمين يفسّران هذا التصاعد: الأول نفسي، والثاني رقمي.
- فمن الناحية النفسية، يعيش المراهقون مرحلةً تتّسم بالتمرد، والغضب، والحاجة إلى الاعتراف، ما يجعلهم أكثر قابلية لتبنّي سرديات متطرفة تُبسّط العالم إلى صراع بين خير وشر وتجرّد الآخر من إنسانيته. كما أنّ ضعف قدرتهم على ضبط النفس والحكم النقدي يزيد احتمال انزلاقهم نحو سلوكٍ عنيف.
- أما من الناحية الرقمية، فالفضاء الإلكتروني يشكّل اليوم البيئة الأساسية التي تتغذى منها تلك النزعات. فـ"الجيل الرقمي" يقضي وقتًا طويلًا على الإنترنت حيث تنشأ علاقاته الاجتماعية والعاطفية، وغالبًا ما يتعرّض لخطابات سامة أو عنصرية أو ذكورية، حتى حين تأتي في قالبٍ ساخر. هذه اللغة اليومية تُطبع تدريجيًا، لتصبح مدخلًا إلى التطرف العنيف، سواء عبر تفاعلات اجتماعية أو مقاطع فيديو أو خوارزميات اقتراح المحتوى. وهكذا يتحوّل الإنترنت من مساحة للتعبير إلى أداةٍ لتطبيع العنف.
تدخّل مبكر بدل مطاردة متأخرة
بحسب الغارديان، يواجه جهاز MI5 عالمًا أكثر عدائية يشهد أكبر تحوّل في مهامه منذ أحداث 11 سبتمبر، إذ ارتفع عدد التحقيقات في التهديدات القادمة من دول أخرى بنسبة 35% خلال العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، حذّر مكالوم من أن التهديد الإرهابي الرئيسي في بريطانيا لم يعد يأتي من تنظيمات كبيرة، بل من أفرادٍ أو مجموعات صغيرة غالبًا ما تكون من أشخاص مضطربين تعرّضوا للتطرّف عبر الإنترنت.
ولمواجهة هذا النمط الجديد، أنشأت المخابرات البريطانية مركزًا متخصصًا للتدخّلات الوقائية يتولّى إدارة التهديدات في مراحلها الأولى، ويعمل على احتواء القاصرين قبل أن يتحوّلوا إلى خطرٍ فعلي.
كما كشف مكالوم أن الجهاز أحبط 19 مخططًا إرهابيًا متقدمًا منذ عام 2020، بمعدل ٤ مؤامرات كل عام، مؤكدًا أن الهدف لم يعد فقط تعقّب المتطرفين، بل كبح دورة التجنيد الإلكتروني التي تدفع المراهقين من التفاعل إلى التنفيذ.