واشنطن تراقب هدنة غزة من داخل "مستودع في إسرائيل"
تحوّل مستودع ضخم على أطراف مدينة كريات غات جنوب إسرائيل إلى ما يشبه غرفة عمليات مركزية لخطة السلام التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة. فقد شرعت قوات أميركية وإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي في إنشاء مركز التنسيق المدني-العسكري (CMCC)، ليكون منصة لمراقبة الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، وتنسيق تدفق المساعدات الإنسانية والأمنية إلى القطاع، بحسب تقرير
لصحيفة وول ستريت جورنال.
ويعمل في المركز نحو 200 جندي أميركي من الجيش ومشاة البحرية والقوة الفضائية، إلى جانب ضباط إسرائيليين وممثلين عن دول غربية.
ويُعدّ هذا المركز أحد الركائز التنفيذية لخطة ترامب للسلام، التي تمكنت من إطلاق سراح آخر دفعة من الرهائن في غزة قبل أسبوعين، وتدخل اليوم مرحلة أكثر تعقيدًا تتمثل في إيجاد بدائل مدنية وأمنية لإدارة القطاع بعيدًا عن حماس.
مقر من الخرسانة والعشب الصناعي
داخل قاعة إسمنتية واسعة أعيد تجهيزها بعشب صناعي، تُقسَّم المساحة إلى عشرات المناطق باستخدام ألواح بيضاء ضخمة، وتعلو الجدران شاشات رقمية تعرض بنود الخطة العشرين للسلام.
في إحدى الزوايا، يتوسط مركز قيادة ميداني يعرض خرائط وتحديثات من وسائل الإعلام، بينما تضيء على الجدران عبارة كبيرة بخط أخضر تقول: "يوم جديد وجميل يشرق، وها قد بدأ البناء من جديد"، بتوقيع الرئيس دونالد ترامب.
تقول الصحيفة أن هذا المركز هو تجسيد عملي لنهج ترامب غير التقليدي: إعلان النصر أولًا، ثم العمل على التفاصيل لاحقًا. وهو الأسلوب الذي مكّن الإدارة الأميركية من فرض هدنة هي الأطول منذ اندلاع الحرب قبل سنتين.
شهدت الأيام الأخيرة حراكًا دبلوماسيًا أمريكيًا مكثفًا في إسرائيل، حيث توالى وصول كبار المسؤولين الأميركيين لتثبيت اتفاق الهدنة ومتابعة عمل المركز. فقد زار الموقع كل من وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس جي دي فانس، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وصهر ترامب جاريد كوشنر.
وخلال جولة ميدانية، صرّح روبيو بأن العمل في هذا المركز هو "المفتاح للحفاظ على كل ما تحقق"، مضيفًا بحزم: "لا توجد خطة بديلة، هذه هي الخطة الوحيدة والأفضل".
وأكدت مصادر أميركية للصحيفة أن المركز يمثل رمزًا ملموسًا لالتزام واشنطن باتفاق السلام، ويهدف إلى ضمان عدم تجدد القتال ما دامت حماس تلتزم ببنوده، إلى جانب مراقبة الضغوط السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من داخل ائتلافه المعارض لإنهاء الحرب.
رسائل متبادلة وتحذيرات واضحة
وفي لقاء جمع ويتكوف وكوشنر بنتنياهو، شدد المبعوثان على ضرورة أن تكون ردود إسرائيل على أي خرق محتمل للهدنة "متناسبة ومدروسة"، لتفادي العودة إلى التصعيد. في المقابل، وجه الرئيس ترامب تحذيرًا شديد اللهجة إلى حماس، متوعدًا بأنها "ستُمحى تمامًا" في حال خالفت الاتفاق.
ويضم المركز ضباطًا من عدة دول غربية ضمن الجهد الدولي لمراقبة الهدنة، من بينها ألمانيا وفرنسا واليونان وقبرص والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا، في حين بات الوجود العسكري الأميركي ملموسًا بشكل غير مسبوق، ما أثار اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية.
إلى جانب المتابعة الأمنية، ينسق المركز مع منظمات إنسانية دولية مثل برنامج الأغذية العالمي لتأمين دخول المساعدات إلى غزة، مع التركيز على المواد الضرورية لفصل الشتاء والرعاية الصحية. كما تم تشكيل فريق خاص لتسهيل إدخال المواد مزدوجة الاستخدام التي تواجه عادة قيودًا إسرائيلية.
ويشرف على هذه الجهود الجنرال باتريك فرانك، قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، الذي يعمل بتنسيق مباشر مع الأدميرال براد كوبر، أحد أبرز المخططين العسكريين للمشروع. ووفق مصادر في الإدارة الأمريكية، فقد تم إنشاء المركز خلال أقل من أسبوعين ونصف منذ إعلان الخطة رسميًا في 8 أكتوبر.
قوة استقرار دولية قيد التشكل
ورغم تأكيد واشنطن أنها لن تنشر قوات أميركية داخل غزة، فإنها تعمل على تشكيل قوة استقرار دولية تضم شركاء من الشرق الأوسط وآسيا. ومع ذلك، ما زالت تفاصيل هذه القوة، من حيث التفويض والقيادة والتمويل، قيد البحث بين الأطراف المعنية.
وقال الوزير روبيو تعليقًا على تلك المناقشات: "هناك الكثير من الأمور التي يجب تسويتها، ولهذا نرى هذا العدد الكبير من العاملين في هذا المبنى".