ليزر في السماء وكابلات تحت الماء.. من يسبق روسيا أم بريطانيا؟
في تصعيد خطير في حرب الظلّ البحرية بين موسكو ولندن، ووسط مخاوف من استهداف البنية التحتية تحت البحر، حذرت بريطانيا روسيا الأربعاء، من أنها مستعدة للتعامل مع أي توغل في أراضيها بعدما جرى رصد سفينة التجسس "يانتار" بالقرب من المياه البريطانية شمال أسكتلندا.
وقال وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، في مؤتمر صحافي، إن سفينة التجسس الروسية دخلت المياه البريطانية وأطلقت أشعة الليزر على الطيارين بهدف إبهار أو حتى تعمية طاقم الطائرة، محذرا من أن المملكة المتحدة تواجه "عصرا جديدا من التهديد" من الدول المعادية.
وأضاف هيلي أنّ هذه ليست المرة التي تختبر فيها يانتار دفاعات بريطانيا. فهل دخلت المواجهة بين روسيا وبريطانيا مرحلة جديدة تجمع بين حرب الليزر في السماء.. وحرب الكابلات تحت الماء؟
وفق تقرير ل
لإندبندنت، فسفينة يانتار بنيت لأغراض خاصة من قبل المديرية الرئيسية السرية للأبحاث تحت الماء (GUGI) التابعة للبحرية الروسية، وهي جزء من القوات المسلحة الروسية، مع أنها تتبع وزارة الدفاع مباشرة.
ووفقًا لمجلس الجيواستراتيجية، وهو مركز أبحاث غير ربحي مقره وستمنستر، لندن، فإن هدفها هو تشغيل غواصات لجمع معلومات استخباراتية في أعماق البحار، مما يسمح بتخريب محتمل للكابلات تحت الماء.
أُطلقت يانتار عام 2012 ودخلت الخدمة عام 2015، ويبلغ طولها 107.8 أمتار، ويمكن أن تصل سرعتها إلى 15 عقدة (28 كيلومترا في الساعة).
ومنذ ذلك الحين، رُصدت وهي تُجري عمليات بالقرب من جزر الكاريبي، والبرازيل، والنرويج، وغرينلاند، والبحر الأبيض المتوسط، وأيرلندا، وغيرها من المناطق.
في يناير رُصدت سفينة يانتار قرب المياه البريطانية، ووصفها وزير الدفاع هيلي بأنّها "مثال آخر على الحرب الروسية المتزايدة".
وعندما اقتربت يانتار من المياه البريطانية في يناير قال هيلي إنّها استُخدمت لرسم خرائط للبنية التحتية المائية الحيوية للمملكة المتحدة.
وتشعر المملكة المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي بقلق متزايد إزاء المخاطر التي تشكلها موسكو على الكابلات البحرية وخطوط الأنابيب والبنية التحتية الأخرى الحيوية لاتصال الإنترنت.
من مقرّه في 10 دوانينيغ ستريت، كشف هيلي الأربعاء عن التصعيد الأخير، قائلا إنّ السفينة الروسية وجّهت أشعة ليزر على طياري طائرات المراقبة التي تراقب أنشطتها. ووصفها بأنّها ضمن أسطول روسي مصمم لتعريض البنية التحتية تحت البحر للخطر.
صرّحت إليزابيث براو، الباحثة البارزة في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث أمني أميركي، لبرنامج على راديو بي بي سي 4، بأنّه كان "تصعيدا لا محالة".
وأضافت: "في الأساس، يُفعل ذلك لمنع الطيارين من أداء عملهم. لا نعرف بالضبط مدى قوة أشعة الليزر، ولكن حتى لو لم تُعمي الطيارين، فقد كان الأمر استفزازيا".
وقال هيلي خلال إحاطته الصحفية في لندن "رسالتي لروسيا ولبوتين هي: نحن نراكم. ونعلم ماذا تفعلون. "وإذا ما تحركت يانتار جنوبا الأسبوع الجاري فنحن مستعدون".
وكشف وزير الدفاع البريطاني أنّ سفينة يانتار أطلقت أشعة الضوء على طيارين كانوا يقودون طائرة صائدة للغواصات من طراز P-8 Poseidon تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني بعد إرسال الطائرة لمراقبتها، وفق ما نقلته صحيفة
التلغراف.
ووصف استخدام يانتار لليزر بأنّه تصعيد "خطير للغاية".
وأضاف هيلي أنّ السفينة، التي يُعتقد أنّها جزء من "أسطول الظل" التابع للكرملين، تعقبتها فرقاطة HMS Somerset، التابعة للبحرية الملكية، قبالة سواحل اسكتلندا. وقالت وزارة الدفاع إنه تم تعقب السفينة بين 5 و11 نوفمبر.
وبعد تحذير الأسبوع الماضي، غادرت يانتار المياه البريطانية إلى البحر المتوسط.
موسكو ترد على تحذيرات هيلي
ردا على تعليقات هيلي، أعلنت السفارة الروسية لدى المملكة المتحدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنها لاحظت "تصريحاته الاستفزازية الأخيرة"، وأصرّت على أن السفينة "سفينة أبحاث أوقيانوغرافية.. في المياه الدولية".
وأكدت السفارة أن تحركات روسيا "لا تهدف إلى تقويض" أمن المملكة المتحدة.
وانتقدت بشدة "نهج الحكومة البريطانية المعادي لروسيا وتصاعد الهستيريا العسكرية"، حسب وصفها، وحذّرت من أنه "يُهيئ الظروف لمواقف خطيرة جديدة"، وحثّت لندن على "الامتناع عن اتخاذ خطوات هدامة"، وفق ما نقلته شبكة "
سكاي" الإخبارية.
رغم محاولة هيلي طمأنة الرأي العام البريطاني وتحذير موسكو في مؤتمره الأربعاء، إلا أنّ لجنة استراتيجية الأمن القومي حذّرت في تقرير صدر في سبتمبر من أنّ الهجمات على الكابلات البحرية قد تُسبب "اضطرابات كارثية" في الأنظمة المالية والاتصالات التي يعتمد عليها البريطانيون.
كانت يانتار ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للمملكة المتحدة، والتي تمتد حتى 200 ميل بحري- نحو 230 ميلا، قبالة الساحل، لكنها كانت على حافة المياه الإقليمية البريطانية، على بُعد 12 ميلا بحريا (13.8 ميلا) من الساحل.
ووفق تقرير لـ
بي بي سي، فإن التصعيد الأخير الذي كشف عنه هيلي، يُخشى أن يكون جزءا من عملية مستمرة للكرملين لتحديد مواقع وخرائط جميع الكابلات وخطوط الأنابيب البحرية الحيوية التي تربط المملكة المتحدة ببقية العالم.
كما أنّه جزء من نمط أوسع من النشاط الروسي، إذ يختبر ردود فعل الناتو وعزيمته ودفاعاته. وقد سجلت تحركات مماثلة مع توغلات الطائرات المسيرة الأخيرة في أنحاء أوروبا، واختراق الطائرات الحربية الروسية المجال الجوي للناتو.
عندما دخلت ٣ طائرات مقاتلة روسية أجواء إستونيا من دون إذن في سبتمبر، سارعت إيطاليا وفنلندا والسويد بإرسال طائرات في إطار مهمة الناتو لتعزيز حدوده الشرقية. وفق بي بي سي، هذه الاستجابة تعتبر معلومات استخباراتية مثيرة للاهتمام بالنسبة لروسيا.
الكابلات والأنابيب غير محمية؟
بصفتها دولة مكونة من جزر، تعتمد بريطانيا اعتمادا كبيرا على شبكتها من الكابلات البحرية التي تنقل البيانات. كما توجد خطوط أنابيب حيوية للنفط والغاز تربط بريطانيا بجيرانها في بحر الشمال، مثل النرويج.
ووفق تقرير بي بي سي، فهذه الكابلات والأنابيب غير محمية إلى حدّ كبير، ويبدو أنّها ذات أهمية كبيرة لسفن الأبحاث الروسية.
وكان حلف شمال الأطلسي (الناتو) حدد كابلات أعماق البحار كجزء من البنية التحتية الحيوية للعالم. لكنها تُمثل أيضا نقاط ضغط استراتيجية، كما يقول، محذرا من أن الخصوم قد يستغلونها من خلال التخريب أو الحرب الهجينة، مما يهدد الاتصالات المدنية والعسكرية على حدّ سواء.
أوضح القائد المتقاعد في البحرية الملكية، توم شارب، ما قد تفعله سفينة التجسس: "الأمر الأكثر وضوحا هو أنها تستقرّ فوق كابلاتنا وبنيتنا التحتية الحيوية تحت الماء، وتتجسس على الكابلات التي تنقل معاملات مالية تصل قيمتها إلى 7 تريليونات دولار يوميا بيننا وبين أميركا وحدها"، وفق بي بي سي.
بريطانيا تفتقر خطة دفاعية
تأتي تعليقات وزير الدفاع البريطاني بعد ساعات من مراجعة مقلقة حذّرت من أن بريطانيا ليست مستعدة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم عسكري، رغم من وعد الحكومة بتعزيز جاهزيتها بإنشاء مصانع أسلحة جديدة.
وتم تحديد ما لا يقل عن 13 موقعًا في جميع أنحاء المملكة المتحدة لمصانع جديدة لإنتاج الذخائر والمتفجرات العسكرية، ويتوقع هيلي أن تبدأ صناعة الأسلحة العمل في المصنع الأول العام المقبل.
وأشار التقرير، الصادر عن لجنة الدفاع في مجلس العموم، إلى أن المملكة المتحدة "تفتقر إلى خطة للدفاع عن الوطن وأقاليم ما وراء البحار"، وحثّ الحكومة على إطلاق "جهد منسق للتواصل مع الجمهور بشأن مستوى التهديد الذي نواجهه"، وفق تقرير "سكاي".