مجتمع

في الحقل والمصنع.. ١٦٠ مليون طفل لا يعرفون الطفولة

نشر

.

Qassam Sbeih

ساعة صغيرة بجانب فراشه، يملأ منبهها الغرفة التي ينام فيها ٤ أطفال ضجيجاً؛ ليستيقظ خالد* في تمام الساعة ٦:١٥ صباحاً. ينهض صاحب الـ ١٤ سنة من فراشه ويجلب حبة الدواء لأمه مع كأس ماء، ويبدأ يتجهز للذهاب إلى ورشة تصليح السيارات التي يعمل بها تحت يد "المعلم".

يعتمد "المعلم" في ورشات تصليح السيارات في منطقة "البيادر" في العاصمة الأردنية عمّان على الأطفال في تسيير أمور الورشة، فمثلاً يعمل خالد على إحضار قطع السيارات من الورش الأخرى في حال لم تكن متوفرة في ورشة المعلم، وكذلك يمتطي ظهر دراجته النارية ليوصل قطعاً من الورشة التي يعمل بها "للمعلمين" الآخرين.

لا نشغّل أطفالنا، بل أطفال الآخرين

يعمل خالد بنظام "المياومة" ويتقاضى ٦ دنانير أردنية، ٨.٥ دولار أميركي في اليوم. وتسمّي منظمة العمل الدولية هذا النظام بـ"العمل غير النظامي". وفي دراسة ميدانية أجرتها المنظمة في ٢٠١٦، يشكل الأطفال ما نسبته ٤٤٪ من العاملين في القطاع غير النظامي في الأردن. وسجلت المنظمة في ملاحظاتها أن هذا القطاع العمل ينمو بمعدل أسرع من قطاع العمل النظامي.

لا يرضى أصحاب الورشات أن يشغلوا أطفالاً من أقاربهم، إذ أن الدراسة وجدت أن ٨٣٪ من الأطفال العاملين في الأردن لا تربطهم صلة قرابة بمن يعملون عندهم، وكذلك النسبة وصلت إلى ٨٠٪ كمتوسط في البلاد العربية.

خالد وأبناء جيله الذين يسعون لتأمين القوت اليومي لعائلاتهم لا يعلمون أن يوم ١٢ يونيو من كل عام هو اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، وفي التقرير السنوي لعام ٢٠٢٣ تقول منظمة العمل الدولية إن العاملين الأطفال وصل عددهم لـ١٦٠ مليون طفل حول العالم، أي أن ١ من كل ١٠ أطفال حول العالم يعملون يومياً وبعضهم في ظروف قاسية.

تدعو الأمم المتحدة في هذا اليوم إلى مكافحة عمل الأطفال ووضع خطط للحد من ذلك من قبل دول العالم كما نصت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١٣٨ والتي حددت سن العمل بـ ١٨ عام فما فوق، وكذلك الاتفاقية رقم ١٨٢ التي نصت بحظر عمل الأطفال واتخاذ إجراءات فورية للقضاء عليها.

لبنان.. العمل تحت الشمس

لا يختلف خالد الأردني عن أقرانه اللبنانيين، فمنذ الأزمة الاقتصادية اللبنانية والتي أسمتها اليونيسيف بـ "الفوضى العارمة" وعمالة الأطفال في ازدياد. يعمل غالبية الأطفال اللبنانيين في الزراعة بمتوسط ٥ ساعات يومياً، يقضونها في قطف الثمار من الأشجار كالحمضيات أو جمع الثمار الأرضية كالبندورة والخيار وتعبئتها في صناديق.

العمل في الزراعة تحت الشمس تصنّفه اليونيسيف بـ "الأعمال الخطرة"، بجانب تعرضهم لاستنشاق المواد الكيميائية المستخدمة في رش المزروعات. ومع انهيار سعر الليرة اللبنانية والتي وصلت لـ ٩٥ ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي، لا يتعدى أجر الطفل اللبناني العامل الدولار الواحد يومياً وهو مبلغ ضئيل وغير عادل، حسب اليونيسيف.

الجزائر.. اكتساب "الرجولة"

في غرب البلاد العربية لا يختلف الواقع كثيراً عن شرقها، ففي دراسة أجرتها جامعة حسيبة بن بوعلي التي تقع في ولاية الشلف، ٢٠٠ كيلومتر غربي العاصمة الجزائر، تبين أن قطاعا من الشعب الجزائري يعتبر عمل الذكور من سن ٩ حتى ١٦ طريقة لصقل شخصيته وانخراطه في المجتمع، وجعله قادراً على تحمل المسؤولية ورعاية أسرته في المستقبل.

منذ عقود والقانون الجزائري يحاول الحد من عمالة الأطفال عن طريق قوانين يسنها أبرزها المادة ١٥ من قانون العمل التي جعلت سن الـ ١٦ حداً أدنى للعمل في الجزائر وفرضت غرامة تصفها الدراسة بـ "غير الكافية" حيث لا تتعدى الغرامة الـ ٢٠٠٠ دينار جزائري، ١٤.٦ دولار أميركي.

في دراسة ميدانية أجرتها المنظمة في ٢٠١٦، يشكل الأطفال ما نسبته ٤٤٪ من العاملين في القطاع غير النظامي في الأردن

الكيلو بنصف شيكل في غزة

يعود خالد إلى منزله في تمام الساعة ٥ مساء، وذات يوم وجد أمه في مكالمة هاتفية مع أختها التي تزوجت في فلسطين منذ عشرين سنة. لاحظ خالد أن ابن خالته الذي يصغره بسنة واحدة يعيش حياة تشبه حياته إلى حد كبير. في فلسطين تنتشر تجارة "الخردة" إذ يذهب الأطفال إلى المناطق التي يرمي فيها أصحاب المصانع والورشات بقايا المعادن التي يستخدمونها في التصنيع.

يجمعها الأطفال ويبيعون كيلو الحديد بنصف شيكل، ٠.١٦ دولار أميركي، إذ تنتشر سيارات شراء الخردة في الضفة وغزة بكثرة، يشاهدهم الأطفال يتجولون بين أزقة الأحياء ينادون بالسماعة "إلي عنده حديد خربان للبيع".

تحظر المادة 14 من قانون الطفل الفلسطيني، والمادة 93 من قانون العمل الفلسطيني، تشغيل الأطفال دون سن الـ ١٥، ويسمح بعمل الأطفال 15-17 عام بشروط معينة منها، ألا تكون هذه الأعمال خطرة، وأن تكون ساعات العمل قصيرة، وتوفير الكشف الطبي للأطفال كل 6 أشهر. وبحسب بيانات وزارة الإحصاء الفلسطينية في ٢٠٢٢، فإن ٣٪ من أطفال فلسطين يساهمون في إعالة أسرهم.

الولايات المتحدة.. ضحايا العمل

لم تقتصر مشاكل عمالة الأطفال على خالد وأقرانه العرب، بل امتدت المشكلة إلى الولايات المتحدة الأميركية،

حيث أشار تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أن ٣٥٠ عاملا تقل أعمارهم عن ٢٥ عام لقوا حتفهم خلال العمل، وكان ٢٤ منهم تحت سن الـ ١٨. وفي شهر مارس الماضي لاقى مقترح قانون في مجلس الشيوخ الأميركي استنكاراً كبيراً من العاملين، حيث نص المقترح على السماح لمن أعمارهم بين ١٦ و ١٧ بالعمل في قطع الأشجار وصناعة الأخشاب.

مقترح كهذا أعاد لذاكرة الأميركيين قصة كول بوستويك، الذي لقي مصرعه في ٢٠١٤ بعمر الـ 18 عامًا، في حادث خلال عمله بقطع الأشجار في واشنطن حيث كان والده ، تيم بوستويك ، يعمل أيضًا. ذات التقرير أشار إلى أن نسبة التبليغ عن عمالة الأطفال ارتفعت في أميركا، حيث تم الإبلاغ عن 1012 حالة لأطفال يعملون في انتهاك واضح لقوانين عمل الأطفال في ٢٠١٥. لكن في ٢٠٢٢ ارتفع عدد البلاغات إلى ٣ آلاف و ٨٧٦.

* الأسماء في القصة مستعارة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة