مجتمع
.
إذا شاهدت فيلم "آيرون مان" الهوليودي من قبل، فلعلك لمحت الملياردير الأميركي الشهير إيلون ماسك في أحد المشاهد وهو يحاور بطل الفيلم توني ستارك ويخبره بأن لديه فكرة لصناعة طائرات تعمل بالبطارية. في الحياة الحقيقة، طلب الممثل الأميركي روبرت داوني جونيور الجلوس مع ماسك أثناء تحضيره للشخصية وقال حينها "هذا هو الرجل الذي يمكن أن يعطينا نظرة ثاقبة عن كيف يمكنك أن تصبح توني ستارك".
شخصية مارفل، توني ستارك، مبنية على تصور عن رجل أعمال لعوب، غريب الأطوار وشديد الثراء، له نفوذ واسع وقدرة على الوصول إلى رؤساء وقيادات مهمة، وقادر على تحويل الخيال العلمي لحقيقة.
أحد كتّاب الشخصية الخيالية، مارك فيرغس، اعتبر في العام الماضي أن إيلون ماسك هو توني ستارك العالم الحقيقي. فماسك استطاع بقرار واحد أن يمد أوكرانيا بأنظمة ستارلينك التي توفر خدمة الاتصال الفضائي بالإنترنت، وتمكنت شركته SpaceX من اختراق الفضاء والتعاون مع وكالة الفضاء ناسا.
في الحياة الحقيقة، لا تخلو حياة مساك من غرابة الأطوار، سواء في رقصاته المضحكة أمام الكاميرات، أو دعوته مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربيرغ للتحدي في حلبة مصارعة مغلقة، أو تسمية أحد أبنائه العشرة باسم X AE A-XII، بالإضافة إلى علاقاته الغرامية المتعددة، ومن ضمنها المغنية جرايمز والممثلة أمبر هيرد.
نفوذ وسلطة إيلون أيضاً أمر بارز. فخلال الأشهر الماضية، التقطت العدسات صوراً لماسك رفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي كاليفورنيا، ظهر ماسك في سيارة تسلا العام الماضي برفقة السفير الصيني لأميركا وهما يقودان المركبة في شوارع كاليفورنيا، عقد بعدها الملياردير الأميركي لقاءً بوزير الخارجية الصيني كوين جانغ في شهر مايو الماضي.
في الأسبوع الجاري، عندما زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الولايات المتحدة، كان إيلون أول رجل أعمال يقابل مودي ويعرض عليه التوسع في بلاده وبناء مصنع لشركة تسلا العملاقة في الهند بالإضافة لمشاريع للطاقة الشمسية. ماسك قال حينها "أنا أحد معجبي مودي"، مضيفا بأنه "متحمس للغاية بشأن مستقبل الهند" وأنه سيذهب بشركة تسلا هناك "في أقرب وقت ممكن". هذا الأمر من شأنه أن يرفع من إيرادات الشركة عبر اقتحام سوق عملاق في البلد الذي يسكنه نحو 1.4 مليار شخص.
هذا التصريح فتح الكثير من الأعين على الملياردير مالك موقع التواصل الاجتماعي تويتر، والذي جمعت عائلته ثروتها من مناجم الزمرد في أفريقيا. ولعل أبرز مراقبي المشهد هم الحكومة الصينية.
لطالما جمعت بكين وإيلون ماسك علاقات قوية، فمصنع تسلا في شانغهاي أنتج أكثر من نصف السيارات التي بيعت في العام الماضي، وفي الربع الأول من العام الجاري، اشترى السوق الصيني نحو 32% من سيارات شركة تسلا.
على الرغم من الانتقادات الحقوقية حتى من الحكومة الأميركية، افتتح ماسك أول معرض سيارات تسلا في مقاطعة شينجيانغ العام الماضي والتي يقطنها أقلية الإيغور المسلمة، التي تقول تقارير إنها تتعرض لاضطهاد من الحكومة الصينية. فعل إيلون ماسك ذلك رغم رفض العديد من الشركات العالمية كشركة Intel وH&M إقامة مصانع أو الاستعانة بأيدي عاملة من سكان الإقليم الذي تلاحقه تقارير أممية بخضوع سكانه لسياسات العمالة الإجبارية.
ماسك عُرف أيضاً بدفاعه عن الصين وإغراقها بالمديح، بينما أيد الحكومة الصينية في صراعها مع تايوان بشكل ضمني حينما اقترح إنشاء "منطقة إدارية خاصة لتايوان" بدلاً من استقلالها كدولة، وهو ما قابله الترحاب من قبل السفير الصيني في واشنطن. في المقابل، أعطت الصين شركات ماسك العديد من الامتيازات المالية، والقروض، والتسهيلات الضريبية.
في العادة، إذا نظرت جيداً لظهر الهاتف الذي بين يديك أو أي ملابس وأجهزة إلكترونية في منزلك ترى جملة "صنع في الصين" على معظمها. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت كلمات مثل "صنع في الهند"، و"فيتنام"، و"ماليزيا" باستبدال بعض هذه العلامات ولو بشكل تدريجي وضئيل. بلومبيرغ الأميركية توقعت إمكانية تخفيض الواردات الصينية إلى أميركا بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40% بحلول عام 2030.
لذلك، فإن افتتاح ماسك فروعا جديدة لشركاته ومصانعه في الهند، المنافس الاقتصادي الأبرز للصين في آسيا، قد يُغضب الحكومة الصينية من رجل الأعمال الأميركي- الكندي خوفاً من أن تمهد العلاقة الجديدة بداية خفض لأعماله في الصين.
يأتي هذا في وقت بدأت فيه كيانات اقتصادية كبرى أخرى مثل شركة آبل نقل خطوط إنتاج هواتف آيفون بشكل تدريجي إلى الهند وفيتنام، وبالمثل قررت شركة جوجل نقل جزء من تصنيع أحدث هواتف بيكسل من الصين إلى فيتنام، وكذلك بدأت مايكروسوفت تصنيع جهاز Xbox لألعاب الفيديو في الهند وفيتنام، في حين شرعت شركة أمازون في تصنيع جهاز Fire TV هناك أيضاً بدلاً من الصين.
في أغسطس الماضي، أوقفت سلطات الجمارك الصينية شحنة من المكونات الداخلة في صناعة أجهزة آيفون القادمة من تايوان بحجة أنه يجب كتابة جملة "صنع في تايوان الصين" على تلك الحاويات بدلاً من جملة "صنع في تايوان"، حيث تعتبر الصين الجزيرة الصغيرة جزءا منها.
هذا القرار دفع شركة آبل طلب تغيير ملصق المنشأ من الموردين لكن الحكومة التايوانية تمسكت بكونها كيانا مستقلا عن الصين وأصرّت كتابة "صنع في تايوان" على صادراتها. سبب هذا الخلاف البيروقراطي العجيب هو تصاعد التوترات العسكرية بين الصين من جهة والولايات المتحدة وتايوان من جهة أخرى، وسط تحذيرات من إمكانية اندلاع حرب.
وكالة رويترز تفسر الأمر بأن الشركات الأميركية تحتاج إلى تقليل الاعتماد على الصين كقاعدة تصنيعية في ظل تلك التوترات بين البلدين. ويتعلق الأمر بسببين:
وزير الخارجية الصيني تشين غانغ أثناء استقبال ماسك في العاصمة بكين نهاية مايو ٢٠٢٣. أ ف ب
يفاقم من هذه الأزمة العقوبات الأميركية المفروضة على الصين في قطاع صناعة أشباه الموصلات، بهدف منع بكين من التفوق في هذا المجال التكنولوجي الحساس والمتداخل في الصناعات العسكرية المعقدة. بالإضافة لسياسة "صفر كوفيد" الصينية الحازمة في السنوات 2020-2022 والتي شهدت إغلاق العديد من المدن لمنع تفشي وباء كورونا وهو ما أبطأ عجلة نمو الاقتصاد وأثر سلباً على سلاسل التوريد للشركات الأميركية.
هذه الأسباب مجتمعة، ومعها التسهيلات والحوافز التي تقدمها الدول الآسيوية المختلفة كالهند وفيتنام وغيرها تدفع الشركات الكبرى للتفكير بجدية في نقل خطوط إنتاجها ولو بشكل جزئي من الصين. لكن الاستغناء الكامل عن البلد الذي يعتبر "مصنع العالم" يبدو أمراً بعيد المنال في المنظور القريب.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة