مجتمع

٦ ملايين دولار في بحث بـ"لا أمل" عن غواصة مفقودة

نشر

.

Muhammad Shehada

المشهد بدا وكأنه ساحة حرب. أسطول من 10 سفن متطورة تابعة لـ٣ دول كبرى: فرنسا وكندا وأميركا، بالإضافة إلى عدد من الشركات الخاصة، الجميع مزوّد بأحدث التقنيات لاستكشاف أعماق المحيط مع أجهزة الرصد السطحي، ترافقهم عدة غواصات مُسيّرة عن بُعد، ومقذوفات توربينية تعمل بالسونار، بالإضافة إلى طائرتي هرقل C-130 من الجيش الأميركي، و٤ طائرات من الجيش والبحرية الكندية من طراز P3 Aurora وP8 Poseidon، وهرقل C-130، وCP-140 Aurora القادرة على البحث بالسونار لرصد الأجسام تحت الماء.

عملية بحث "حربية" وصلت كلفتها الأولية نحو ٦ ملايين دولار، لكنها كانت بلا أي أمل في إنقاذ المغامرين الخمسة المفقودين مع الغواصة الصغيرة تايتان.

لمدة 96 ساعة، عمل هذا الفريق الضخم بلا توقف فوق وتحت سطح المحيط ضمن مهمة بحث وإنقاذ للغواصة Titan، التي تعني الجبار، بعد اختفاء أثرها أثناء جولة لاستكشاف حطام "السفينة التي لا تقهر" تايتنك على عمق 3.8 كيلومتر في قاع المحيط.

تحديثات رسمية عن اختفاء الغواصة واستجلاء مصير ركابها الخمسة، رغم التأكد من انفجارها منذ اليوم الأول. أ ف ب

انتهى البحث المطول والعميق بالعثور على حطام جزء من الغواصة وإعلان وفاة الطاقم الذي كان على متنها وهم الملياردير الباكستاني شاهزاده داود وابنه سليمان، والملياردير البريطاني هاميش جورج هاردينغ، والمستكشف الفرنسي بول هنري نارغوليت والمدير التنفيذي للشركة المالكة للغواصة ستوكتون راش.

"أدهشني التشابه بين حادثة الغواصة، وكارثة تيتانك نفسها، عندما تم تحذير القبطان مراراً وتكراراً من الجليد أمام سفينته، ومع ذلك أبحر بأقصى سرعة إلى الجبل الجليدي"، بهذه الكلمات عبّر جيمس كاميرون، مخرج فيلم "تايتانيك" الهوليودي الشهير حول "الانفجار الداخلي الكارثي" لغواصة تايتان والتي جرى تحذير صاحبها من احتوائها على مشاكل متعلقة بالأمن والسلامة، ولكنه قرر خوض المغامرة على أي حال بعد أن دفع كل واحد من الركاب مبلغ 250 ألف دولار للانضمام إلى الرحلة.

٦ ملايين دولار.. كيف؟

تقول البحرية الأميركية إنها غطت وحدها مساحة بحث 26 ألف كيلومتر مربع، بسفنها وطائراتها في المحيط الأطلنطي الشمالي، أي ما يعادل مساحة قطر والبحرين ولبنان ومالطا ولوكسمبورغ مجتمعين.

الطائرة الواحدة من الطائرات الـ٦ المستخدمة في عملية البحث تتراوح تكلفتها التشغيلية ما بين 10 آلاف و45 ألف دولار في الساعة الواحدة، هذه الأرقام لا تدخل فيها كلفة تشغيل ١٠ من كاسحات الجليد، والغواصات المُسيّرة وتكاليف أطقم العمل الكبيرة المنخرطة في العملية.

لذلك، قدرت صحيفة أس الإسبانية التكلفة الإجمالية في مهمة البحث وصلت لنحو 6.5 مليون دولار، ستتحمل حكومات الدول الثلاث المشتركة في العملية هذه التكاليف، حيث تشير إنسايدر الأميركية أنه من غير المرجح تحميل شركة أوشن غايت تلك النفقات. هذا بالإضافة لتكلفة التغطية الإعلامية على مدار الدقيقة من كبريات الصحف والقنوات الإخبارية حول العالم منذ لحظة وقوع الحادثة.

أميركا عرفت الحقيقة من اللحظة الأولى

ما يثير الدهشة أن الحكومة الأميركية كانت على علم منذ البداية بانفجار الغواصة من الداخل تحت الماء بتأثير الضغط، وفقاً لنظام كشف صوتي عالي السرية للبحرية الأمريكية مصمم لاكتشاف غواصات العدو، بحسب ما كشفت وول ستريت جورنال، ولكن على الرغم من ذلك أبقت الولايات المتحدة وكندا وفرنسا الأمل حول احتمالية نجاة الركاب.

.. ومئات آخرين في قاع المتوسط

"عندما تفكر فيما يحدث هذا الأسبوع. هناك مأساة محتملة لغواصة تحصل على تغطية عالمية دقيقة بدقيقة، وهذا أمر مفهوم لأننا جميعًا نصلي لأجل إنقاذ هؤلاء الأشخاص. ولكن حقيقة أن هذا جذب الانتباه أكثر من الاهتمام بـ700 شخص غرقوا. هذا وضع لا يطاق"، هكذا عقّب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من قلب أثينا عاصمة اليونان حول مشهدين متناقضين في الأيام الأخيرة الماضية.

انكفاء أسطول السفن والطيران على البحث عن الغواصة تايتان وركابها الأثرياء بشكل حثيث ومكثف، مع تغطية إعلامية هائلة التي حظي بها هذا الأمر، يقابله مشهد آخر تراجيدي مشابه، لكنه لم يحصل على نفس درجة التعاطف والانتباه. فأكثر من 750 مهاجرا تزاحموا على متن قارب صيد صغير ومهترئ الأسبوع الماضي أبحر من طبرق في ليبيا باتجاه إيطاليا، ولكن الركاب علقوا في وسط البحر المتوسط لما يزيد عن 15 ساعة حتى غرق قاربهم ومات السواد الأعظم من الركاب، تحت أعين البحرية اليونانية.

طائرة رصدت ما قبل الكارثة

بخلاف تظافر الجهود لإنقاذ الغواصة تايتان، عثرت طائرة استطلاع دون طيار تابعة لوكالة فرونتكس الأوروبية لحراسة الحدود، على قارب المهاجرين غير النظاميين، وأخطرت خفر السواحل اليوناني في تمام التاسعة من صباح الأربعاء ١٤ يونيو.

بعد الإبلاغ بـ٦ ساعات ونصف، اقتربت طائرة هليكوبتر يونانية من القارب المتعطل وغادرت سريعاً مدعية أن السفينة ما زالت "تواصل حركتها بثبات" باتجاه الشواطئ الإيطالية، على الرغم من تلقي منظمة Alarm Phone إشعارا بتعرض السفينة للخطر الساعة 12:17 ظهراً.

استمر تجاهل السفينة العالقة والمكتظة بالركاب الحالمين بحياة آمنة وكريمة في أوروبا، حتى غرقت في منتصف تلك الليلة. وحينها فقط، اقتربت السفن المتواجدة في المكان لانتشال الجثث والغرقى، وإنقاذ من كان ذو حظٍ منهم وعددهم نحو 104 والعثور على 78 جثة، بينما اختفى أثر أكثر من 500 شخص آخرين في ذلك الحين.

جهود البحث والإنقاذ التي تلت الحادث بدت ضئيلة للغاية مقارنة بالسفن والطائرات والغواصات المتطورة المستخدمة في العثور على الغواصة تيتان. وسرعان ما أعلنت البحرية اليونانية إيقاف أعمال البحث يوم الأحد ١٨ يونيو. علاوة على ذلك، بعض الناجين من السفينة المنكوبة اتهموا خفر السواحل اليوناني بالتسبب في إغراق سفينتهم بعد ربطها بحبل وشدّها من مكانها.

ما يزيد من مأساوية الحادث أن وكالة فرونتكس استبدلت سفنها لمراقبة البحر المتوسط بطائرات دون طيار حتى لا تضطر لإنقاذ المهاجرين المهددين بالغرق. وعوضاً عن ذلك، تعمل الوكالة الأوروبية في بعض الأحيان على إبلاغ خفر السواحل الليبي عن سفن المهاجرين المعرضة للخطر لاعتراض الركاب وإبعادهم عن الشواطئ الأوروبية ووضعهم في معسكرات اعتقال في ليبيا.

وبعد نحو أسبوع من كارثة القارب الأول، غرق نحو 35 مهاجرا يوم ٢١ يونيو، كانوا على متن قارب مطاطي صغير يتجه إلى جزر الكناري الإسبانية إنطلاقا من المغرب بينما عثرت فرق الإنقاذ على 24 ناجيا.

صورة فضائية لمجموعة من أسطول الإنقاذ البحري. أ ف ب

كيف تلاحق أوروبا اتهامات بتعمد ردع واستهداف قوارب المهاجرين؟

أعداد الضحايا من المهاجرين عبر البحر المتوسط تتضاعف سنويا، بحسب الأمم المتحدة، بينما كان الربع الأول من العام الجاري الأكثر فتكاً بالمهاجرين في البحر المتوسط منذ ٦ أعوام من حيث عدد الوفيات، بحسب منظمة الهجرة الدولية.

تتهم منظمات حقوقية الحكومات الأوروبية، خاصة في اليونان وإيطاليا، باستخدام العنف في صد المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء من الدول النامية القادمين من البحر أو البر، بينما تفيد تقارير أوروبية بتواطؤ وكالة فرونتكس في التغطية على تلك الجرائم والمساهمة فيها.

يدفع الاتحاد الأوروبي فاتورة تصل إلي نحو ١٨ مليار دولار، لدول جنوب المتوسط بهدف إبعاد المهاجرين غير النظاميين بعيدا عن سواحله، الأمر يدفع المهاجرين وطالبي اللجوء إلى طرق أكثر خطورة للتواري عن أنظار خفر السواحل وطائرات فرونتكس وأجهزة التعقب والرصد وهو ما يساهم في زيادة الحوادث المأساوية في البحر المتوسط.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة