مجتمع

الحجاج يؤدون المناسك.. "ولادة جديدة" رغم حر الصيف

نشر

في مكة المكرمة حيث تزدحم الطرقات بمئات الآلاف من الحجيج القادمين من شتى أنحاء العالم، تبلغ درجة الحرارة في يوم يوم التروية ٤٣ درجة مئوية، ما يجعل مشقة المناسك مضاعفة على حجاج، ليس من بينهم الحاج الإندونيسي بودي.

يبلغ بودي ٤٠ عاما من العمر، لكنه يتحدى تلك الحرارة القاسية والشمس المحرقة، كي يتمكن من تأدية مناسك الحج للمرة الثانية في حياته، فبينما يتعرق جسده وتصيبه حرارة الشمس، يقولك الحاج بتحد عن المناخ "ليس عائقا أمامنا، فلدينا إيمان داخلنا".

يستعيد موسم الحج هذا العام تألقه، حيث تتوقع السلطات السعودية حسب فرانس برس أن تشهد البلاد أكبر مواسم الحج في التاريخ، إذ قد يصل عدد ضيوف الرحمن لحوالي ٢ ونص مليون حاج وحاجة من حوالي ١٦٠ دولة حول العالم.

اعرف أكثر

تبتعد منطقة منى عن المسجد الحرام بمسافة قدرها حوالي ٧ كيلومترات، وهي المقصد الرئيس لمئات الآلاف اليوم من الحجيج خلال "يوم التروية" الذين ينتقلون للوادي للإقامة في مخيمات مخصصة لهذا الغرض.

باختلاف الأعمار والجنسيات، القصص الشخصية والأماني، يسعد زوار مكة المكرمة بفرصة أداء الفريضة، التي يعتبرونها نقطة فارقة في حيواتهم، كالمهندس السوري، فواز عبد الله.

يبلغ فواز من العمر حوالي ٤٨ عاما، إلا أن تلك المرة الأولى الذي يؤدي فيها فريضة الحج، ويصطحب معه أيضا زوجته في رحلة تملأ قلبه بسعادة غامرة حسبما يصف "سعادتي لا توصف.. أشعر كأنني أولد من جديد".

محمد حجوج، سوري أيضا، في الخمسينيات من عمره، وما كان أثر بدء شعائر الحج عليه إلا دموع يحاول مقاومتها،، إذ يقول "أنا أؤدي الحج الآن .. غير مصدق".

تلك السعادة الغامرة، لا تعني أن الحج مهمة يسيرة، بل أن كافة خطواته تنطوي على مشقة بالغة، تزيد منها الأجواء الحارة في السعودية خلال فصل الصيف، إلا أن الحاج النيجيري سليم إبراهيم يؤكد، كما جميع الحجاج، أن أي عوائق طبيعية لن تثنيه عن إتمام المهمة بل ربما إعادتها: "حتى ما إذا كانت الحرارة أعلى، سأؤدي الحج مجددا، أنها تجرية تستحق العناء".

وفقا لتقدير المركز الوطني للأرصاد، سوف تتراوح درجة الحرارة في مكة أثناء موسم الحج ما بين ٤٣ و ٤٥ درجة في النهار، الأمر الذي يضيف من المشقة على كاهل الحجيج، بالرغم من أن بعض مواقع أداء المناسك مكيفة، كخيام وادي منى، إلا أن الغالبية العظمى من المناسك تُعقد في مناطق مكشوفة، كالوقوف على جبل عرفات الثلاثاء، والذي يعد الركن الأهم في الحج.

في العادة تمنع السعودية العمل في الهواء الطلق في فترة الظهير بداية من شهر يونيو ولمدة ثلاث أشهر، وهي بالتحديد الفترة التي يقع خلالها موسم الحج سنويا منذ العام ٢٠١٧.

لا يمكن اقتطاع تلك الحرارة القاسية من الأزمة المناخية التي تعايشها المنطقة والعالم أجمع إذ يؤكد كريم الجندي، الزميل غير المقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن لفرانس برس أن متوسط درجات الحرارة في الصيف بالمملكة ارتفع بمقدار ٢.٥ درجة في العقود الأربعة الماضية بسبب تغير المناخ.

الحاجة ليلى، والتي تبلغ من العمر حوالي ٤٧ عاما، حاولت مقاومة حرارة الجو على مدار اليومين الماضيين بطريقة مبتكرة، إذ أنها تحمل معها أينما ذهبت مروحة إلكترونية صغيرة، تعلقها حول عنقها وتنشد من خلالها بردا وسلاما تحت الشمس القاسية، إلا أنها في يوم التروية قررت التخلي عنها تماما.

أما زوجها ويدعى عبد الله الأسد، فهو إنكليزي الجنسية ومقيم بالعاصمة البريطانية لندن، حيث الضباب والأمطار، يبدو الإرهاق جليا عليه، لكنه لا يبالي: "الحرارة أفضل كثيرا مما توقعت".

ويضيف الحاج: "الغرض الرئيسي أن نؤدي الحج بالطريقة نفسها التي قام بها النبي، دون مكيفات وفي ظروف سفر وإقامة شديدة الصعوبة".

الأجواء الصيفية شديدة الحرارة في محيط الحرم المكي تُسفر في كل عام عن عدد من الإصابات، ما بين الإعياء وضربات الشمس، ما يدفع السلطات المحلية لمحاولة تعزيز استعداداتها الطبية في المنطقة.

وخلال هذا العام، أعلنت المملكة جاهزية ٤ مستشفيات و ٢٦ مركز صحي مع أي حالات صحية في منى بالإضافة إلى انتشار أسطول من عربات الإسعاف قوامه ١٩٠ عربة، أما داخل المسجد الحرام، تستخدم أعمدة رش رذاذ الماء على الحجيج، إضافة إلى رجال أمن يقومون بالمهمة ذاتها عن طريق حاويات متنقلة خاصة.

هناك أيضا العديد من العمال التابعين لهيئات سعودية مختلفة يوزعون زجاجات الماء البارد على الحجيج، كما يقوم أهل مدينة مكة أنفسهم بأدوار تطوعية لتوفير الماء البارد والأطعمة للحجيج.

من بين الإجراءات الخاصة التي أعلنت عنها المملكة أيضا لتيسير التجربة على الحجيج، هى توفير حافلات ذاتية القيادة، تساعد ضيوف الرحمن على التنقل وتبلغ طاقتها ١١ راكب لكل حافلة.

يوافق يوم الثامن من ذي الحجة، وفيه يتوجه الحجيج إلى منى، حيث يبقى الحاج المفرد أو القارن على إحرامه، فيما يُحرم الحاج المتمتع من جديد.

والمبيت في منى سنة نبوية، وعادة ما يصلي الحجيج الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التالي في منى قبل الانطلاق إلى عرفات، فيما يفضل بعد الحجيج الذهاب إلي جبل عرفات بشكل مبكر، خلال يوم التروية تجنبا للزحام.

وهناك روايات مختلفة حول تسمية اليوم بالاسم ذاك، فعلى سبيل المثال يعتقد أن الحجيج قديما كانوا يستغلون ذلك اليوم في الارتواء من العطش وحمل المياه اللازمة لزيارة منى وصعود جبل عرفات، إلا أن التسمية تُنسب أيضا لرؤية النبي إبراهيم ذبح النبي إسماعيل في ذلك اليوم، فسُمي يوم التروية.