الصمت.. صوت

اكتشف الباحثون أن للصمت نوع خاص من "الأصوات" وليس مجرد "فراغ" ما بين الضوضاء، بينما لم تقدم الدراسة تحليلاً مفصلاً لكيفية معالجة أدمغتنا للصمت. وقال المؤلف الرئيسي للدراسة رويي جاي غوه، طالب الدراسات عليا في الفلسفة وعلم النفس بجامعة جونز هوبكنز: "نعتقد عادة أن إحساسنا بالسمع يهتم بالأصوات" لكنه أكد أن الصمت لا يصنف كصوت بل إنه غياب الصوت "المدهش أن ما يقترحه عملنا هو أن الـ"لا شيء" هو أيضا "شيء يمكنك سماعه".

وللدراسة خلفية فلسفية، إذ سُئل عما إذا كان الصمت صوتاً، إذ عرّف الفيلسوف اليوناني أرسطو الصوت في "De Anima" بأنه الشيء الصحيح للسمع: "للبصر لون وسمع صوت ونكهة طعم". لكن لا يمكن رؤية الصوت أو تذوقه أو شمه أو الشعور به. ولا يمكن سماع أي شيء غير الصوت مباشرة، حسب الفلسفة اليونانية.

ومن خلال استخدام الخدع العقلية والأوهام السمعية، يعتقد الدماغ أنه يمكنه سماع شيء غير موجود أو موجود في شكل مختلف عن كيفية إدراكه، تماماً كالأوهام السمعية التي تجعل الناس يسمعون فترات زمنية أطول أو أقصر مما هي عليه في الواقع.

واستخدم الفريق وهم جديد قائم على الصمت من خلال سماع ضجيج ثم الصمت، وخرجوا باستنتاج أن بدت لحظة من الصمت أطول مما كانت عليه بالفعل. لكن هل يمكن للأدمغة أن تتعامل مع الصمت كالأصوات؟

يؤكد مدير مركز جونز هوبكنز للإدراك والعقل، تشاز فايرستون: "إذا كان بإمكانك الحصول على نفس الأوهام بالصمت الذي تحصل عليه مع الأصوات، فقد يكون هذا دليلاً على أننا نسمع الصمت حرفيا بعد كل شيء".

يقترح الباحثون أنه إذا اعتبر الناس الصمت نوعاً خاصاً من الصوت فيجب أيضا أن يخضع لنفس الوهم مثل الأصوات. ويُعتقد أن الصمت الطويل يجب أن يُنظر إليه على أنه "أطول من مجموع صمتين أقصر"، ولكن إذا اعتبر الناس الصمت "نقصاً في الصوت"، لا يمكن للوهم أن يلعب دوره.

غرفةٌ مغلقةٌ تحبس الأنفاس، تعزل الصوت تماماً لدرجة أنك تسمع دقات قلبك وصوت أنفاسك رئتيك وقرقرة معدتك، هذه الغرفة تقع في أميركا في ولاية مينيبولس "Anechoic chamber"، حيث أنها تمتص الصوت بنسبة 99.99٪ وتحمل هذه الغرفة رقم غينيس للأرقام القياسية "كأهدأ مكان في العالم". الغرفة صامتة لدرجة أن ضوضاء الخلفية تقيس ديسيبل سلبي ، -9.4 ديسيبل. الجزء الداخلي من الغرفة الصغيرة لديها قوام محدده تستعمل لتعزل الصوت بشكلٍ شبه كامل، فيوجد فيها الجوانب الستة مبطنّة بأوتاد عميقة من الألياف الزجاجية وجدار مزدوج من الفولاذ المعزول وخرسانة سميكة.

في الواقع يتم تحدي الناس للجلوس في الغرفة من قبل الخبراء وفي ظلامٍ حالك، وتوصلوا إلى أن الجلوس لأكثر من ٣٠ دقيقة كافلة لتدفعك للجنون، وأطول وقت جلس فيها أحدهم كانت ٤٥ دقيقة، إذ الغرفة هادئة لدرجة أن الشخص يرتبك لدرجة أنه سيستصعب الوقوف، فالطريقة الوحيدة للبقاء في الغرفة لفترة طويلة هي الجلوس.

لا تُستخدم الغرفة عديمة الصدى لتحدي الأشخاص فحسب، بل استخدمته ناسا لرواد الفضاء لمساعدتهم على التكيف مع صمت الفضاء. تستخدمها الشركات أيضًا لمعرفة مدى ارتفاع صوت منتجاتها مثل صمامات القلب، وآلات الضغط في المسالك الهوائية، والهواتف المحمولة.