مجتمع
.
في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، التقت المراهقة آنذاك ليزلي فان هوتين برجل غامض في ساحة عرض سينمائي في ضواحي مدينة لوس أنجلوس الأميركية.
لم تكن هوتين تحظى بحياة مثالية، إذ أن والديها انفصلا قبل أن تتخطى الـ١٤ من العمر، كما أنها انخرطت في تعاطي المخدرات، وحملت في جنين أجبرتها والدتها على إجهاضه ودفنه في فناء المنزل الخلفي.
الرجل الغامض أيضا، لم يكن مثاليا بأي حال، بل بمرور السنوات، بات يُعرف كأشهر القتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة، وقائد لطائفة مثيرة للجدل، تستعد لـ"حرب عرقية" بالقتل والتدمير.
إلا أن هوتين أعجبت بالرجل آنذاك ويدعى تشارلز مانسون، وانضمت لطائفته. وعلى خلفية تعاليمه، شاركت في جريمة قتل وهي في الـ ١٩ من عمرها، قضت على إثرها ٥٠ عاما خلف القضبان، قبل أن تطأ قدمها الطرقات للمرة الأولى منذ نصف قرن قبل أقل من أسبوع، بعد أن حصلت على إفراج مشروط، لتصبح بذلك أول أتباع مانسون الذين يحصلون على حريتهم.
لن تبدأ هوتين، البالغة من العمر الآن ٧٣ عاما التفاعل مع المجتمع بشكل مباشر، فمن المقرر أن تمضي عاما في منزل استضافة أو Half way house كي تتأقلم على تغيرات العالم الذي لم تحتك به منذ سبعينيات القرن الماضي، وكي تندمج مع التغيرات التكنولوجية في كافة مناحي الحياة وفقا لوكالة أسوشيتد برس.
اشتركت ليزلي فان هوتين في جريمة قتل بعمر ١٩ عام فقط. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
وفقا لمحاميتها، نانسي تيترو، تأمل هوتين أن تحصل على وظيفة ومن المتوقع أن تُرفع عن كاهلها حالة الإفراج المشروط خلال ثلاث سنوات. واكتسبت الكهلة الأميركية بعض المهارات خلف القضبان إذ حصلت على درجتي البكالوريوس والماجستير وعملت كمعلمة لبعض من زميلاتها في السجن لفترات.
بالرغم من أن أشهر ضحايا "عائلة مانسون" كان قتل الممثلة الأميركية شارون تايت و٤ آخرين في منزل هادئ بلوس أنجلوس، اشتركت هوتين في جريمة قتل أخرى أقدم عليها أتباع مانسون وهى قتل بقال ثري يدعى لينو لابيانكا، وزوجته روزماري.
طعنت ليزلي فان هوتين ضحيتها ١٢ مرة. (وكالة أسوشيتد برس)
ووقعت الجريمة في منزل الزوجين، وشاركت فان هوتين الشابة آنذاك في العملية عن طريق تقييد الزوجة الضحية والضغط عليها بوسادة قبل أن يحفزها أفراد "عائلة مانسون" على فعل المزيد، فما كان منها إلا أن تناولت سكينا وانهالت على جسد روزماري بالطعنات أكثر من ١٢ مرة.
في الأصل، تلقت الشابة الأميركية حكما بالإعدام في العام ١٩٧١ لضلوعها في مقتل الزوجين، إلا أنها نجت من الموت عن طريق المصادفة، حيث ألغت ولاية كاليفورنيا عقوبة الإعدام في العام ١٩٧٢، ما أدى إلى تخفيف حكم فان هوتين إلى المؤبد.
لاحقا عادت عقوبة الإعدام لتطبق في ولاية كاليفورنيا ولكن ليس بأثر رجعي، ما منح فرصة جديدة في الحياة.
يرى قضاة أن فان هوتين أظهرت بصيرة وندم على ما فعلت. (المصدر: وكالة فرانس برس)
وفيما قد يعتبر إطلاق سراحها المشروط فرصة أخرى في حياة أكثر اعتدالا، يشعر أهالي ضحايا مانسون بالخذلان جراء حصول أحد أبناء الطائفة على حريته، خاصة هؤلاء الذين تضرروا بشكل مباشر من سلوك هوتين قبل ٥٠ عام.
كوري لابيانكا، ابنة ضحايا طائفة مانسون، تقول إن عائلتها مفطورة القلب جراء قرار إطلاق السراح، كما قال أنتوني ديماريا، قريب أحد الضحايا الذين قتلوا برفقة شارون تايت في هوليود أن خبر إطلاق سراح المدانة السبعينية كان له أثر مدمر على أسر الضحايا.
إلا أن بعض القضاة الذين تقاطعوا مع قضية فان هوتين لديهم وجهة نظر مغايرة تماما، إذ يعتقدون أن المدانة أبدت جهودا استثنائية في إعادة التأهيل، وأظهرت بصيرة وندم على ما فعلت.
في العام ٢٠١٧ فارق تشارلز مانسون الحياة في سجنه لأسباب طبيعية، على عكس ضحاياه ممن تعرضوا للطعن وإطلاق الرصاص والترويع أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما تحرك مانسون مع طائفته من الشبان والشابات لترويع مدينة لوس أنجلوس.
في أوائل الستينيات، كان مانسون قد كون جماعته أو طائفته التي عُرفت باسم عائلة مانسون، وأقنع أتباعه من صغار السن أنه حكيم وفيلسوف، وأن العالم على وشك الانخراط في حرب عرقية عنيفة.
في ذلك السياق، بدأ مانسون موجة عنف على طريقته الخاصة في الـ٨ من أغسطس للعام ١٩٦٩، إذ اقتحم اتباعه منزل الممثلة الأميركية شارون تايت في مرتفعات هوليوود وقتلوها بعدة طعنات بينما كانت حاملا في شهرها الثامن، كما قتلوا ٤ آخرين برفقتها، وقلتوا شابا آخر يزور أحد معارفه، التقوا به مصادفة على الطريق.
أما عن عائلة البقال الثري، فقد زارهم مانسون بصحبة أتباعه في اليوم التالي، وكانت فان هوتين بصحبة المجموعة، وساهم زعيم الطائفة في تقييد الضحايا لكنه غادر موقع الجريمة قبل قتلهم. لاحقا أقدم أتباع مانسون علي جريمتي قتل أخرتين أيضا.
على مدار أعوام، جُسدت شخصية تشارلز مانسون غير مرة على الشاشات، كموضوع رئيسي لبرامج وثائقية أو شخصية درامية تستدعي تحليلا مطولا.
فقد ظهرت شخصية مانسون ضمن أحداث مسلسل Mindhunter الذي أنتجته شبكة نيتفليكس في العام ٢٠١٧ وتناول عمل فريق تحقيق أميركي أسس لمفهوم الجرائم المتسلسلة عن طريق إجراء مقابلات مع أعتى القتلة ومن بينهم مانسون.
أما الفيلم الحائز على جائزتي أوسكار، Once Upon a Time in Hollywood الذي قدمه المخرج كوينتن تارنتينو في العام ٢٠١٩، فقد حاول تخيل إمكانية تغيير التاريخ، لتنجو شارون تايت من القتل عبر تدخل أحد الشخصيات الخيالية للقضاء على القتلة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة