مجتمع
.
في مصر، ألغت نقابة المهن الموسيقية تصريح إقامة حفل غنائي لمغني الراب الأميركي الشهير ترافيس سكوت، في أعقاب جدل ثار على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر اتهام البعض سكوت بالماسونية وأن حفلاته تتضمن طقوسا مرتبطة بعبادة الشيطان، فضلا عن انتماء المغني لحركة المركزية الأفريقية، أو الـ "أفروسنتريزم".
منذ العام ٢٠٢١ يثير المغني الشاب موجات من الجدل أينما ذهب، بعد أن فقد ١٠ أشخاص حياتهم في حادث تدافع أثناء إحدى حفلاته خلال مهرجان Astroworld بولاية تكساس الأميركية، وأعلنت وقتها السلطات أن الوفيات نجمت عن الاختناق، في الوقت الذي استكمل فيه المغني الحفل، رغم وقوع الضحايا أثناء دخولهم إلى الحفل.
العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك فضّلوا رواية أخرى، الحفل عبارة عن "طقس شيطاني"، وأن "ترافيس مسؤول عن رحيل الضحايا الـ١٠، إن لم يكن متواطئا".
تلك الروايات تمكنت من حفظ موضعها في الأذهان وعادت مجددا للظهور، لتعرقل الحفل الذي كان من المفترض أن يقام في الـ٢٧ من يوليو الجاري على سفح الأهرامات بمصر، ويغني فيه ترافيس أمام الجمهور المصري للمرة الأولى، إلا أن نقابة المهن الموسيقية المصرية أعلنت في بيانها الرسمي، أن حفلات النجم الأميركي تتنافى مع الهوية الثقافية المصرية، وأضافت عن سكوت أنه "يخسر أدواته من أجل إقامة طقوس تتنافى مع قيمنا وتقاليدنا المجتمعية الأصيلة".
ولم تفسر النقابة المصرية المقصود بالضبط من "الطقوس" محل الجدل الثقافي. ولكن كيف نفسّر عريضة "الاتهامات الشعبية والنقابية" التي يواجهها سكوت في مصر؟
هيوستن، هي أكبر مدن ولاية تكساس الأميركية، وموقع الحادث الذى أكسب سكوت سمعة دموية يبدو أنها مقاومة للزمن، وتطارده عبر المحيط.
كان ذلك في نوفمبر من العام ٢٠٢١ في حفل تقليدي، أو هكذا كان يظنه رواده، قبل أن يصل عدد الحضور للذورة وتبدأ وقائع حادث التدافع في الـ ٩:٣٨ دقيقة مساء، إذ بدأ الجماهير في التدافع باتجاه المسرح، التدافع أعقبه هلع، أعقبه سقوط أشخاص مغشيا عليهم، بعض هؤلاء فارق الحياة بالفعل وفقا لموقع وول ستريت جورنال الأميركي.
تراوحت أعمار ضحايا حفل سكوت بين ١٤ عام و ٢٧. المصدر: وكالة فرانس برس
تراوحت أعمار الأشخاص الذين توفوا خلال الحفل ما بين ١٤ و٢٧ عاما، فيما توفي صبي يبلغ من العمر ٩ أعوام في وقت لاحقا متأثرا بإصاباته.
الحفل والجدل المثار حوله لم تُكتَب نهايته بالنسبة للمغني الأميركي، إذ تساءل البعض عما إذا كان سكوت على علم بحدوث تدافع وإصابات بين جمهوره، وما إذا كان بإمكان فريقه إبلاغه بالحادث وإيقاف الحفل بشكل مبكر وتجنب وقوع المأساة، غير أن المغني، أعلن غير مرة أنه يشعر بالأسف تجاه ما حدث، كما أكد أنه لم يعلم عن التدافع أو الإصابات سوى بعد انتهاء الحفل.
لم يواجه النجم أي اتهامات رسمية في أعقاب الحادث.
لم تتوقف الأحاديث حول النجم لدى حاجز التساؤلات المنطقية حول طريقة التصرف مع حادث مفاجئ، لكن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا نظريات مؤامرة حسب موقع Insider، عندما اعتبروا الحفل "طقس عبادة شيطان، ضحى خلاله النجم بأرواح جماهيره".
أحد مستخدمي مواقع التواصل رجّح أن مغني الراب ظل يغني متعمدا لاستكمال طقسه الشيطاني بالرغم من استغاثات الجمهور طلبا للنجدة. بعض من مروجي هذه النظرية اعتبروا الحفل نقطة تحول في حياتهم بعد تأثر شديد بالمغني الشهير، زاعمين أن الله أرشدهم الابتعاد عن ذلك الطريق بفضل وقائع هذا الحفل. وقال أحدهم "ضحى بالكثيرين. لقد كان ذلك جحيما".
حدف تيك توك بعضا من المحتوى الذي اتهم النجم بأداء طقس عبادة الشيطان. (المصدر: وكالة فرانس برس)
في خضم تداول المعلومات المغلوطة، أعلنت منصة تيك توك آنذاك حذف بعض مقاطع الفيديو التي تروّج لتلك النظريات باعتبارها "محتوى مشبوه" إذ تقول إرشادات المنصة بوضوح على وجوب عدم استخدام نظريات المؤامرة لتبرير "الأيديولوجيات الكريهة" وذلك وفق هيئة الإذاعة البريطانية.
بالإنجليزية، يطلق عليها اسم Satanism نسبة إلى Satan أو الشيطان، وهى التهمة التي طاردت مئات النساء سابقا، بالتحديد في العصور الوسطى إبان ظاهرة "مطاردة وقتل الساحرات".
على مدار التاريخ، عادة ما كانت اتهامات عبادة الشيطان الموجهة للأفراد ينقصها أدلة، غير أن حلول القرن العشرين شهد صعود أسهم ديانات جديدة غير سماوية بحسب الموسوعة البريطانية، يفضّل بعض من أصحابها أن يطلقوا على أنفسهم بأريحية لفظ "عبدة شيطان".
لم يكن لـ "عبادة الشيطان" وجود حقيقي قبل القرن العشرين. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
ووفقا لموقع History تُعرّف عبادة الشيطان كديانة حديثة، لكنها "ديانة غير إيمانية" في الوقت ذاته، وتنظر للشيطان باعتباره الشخصية المركزية للشر، وتعتمد في ذلك السبيل على تفسيرات أدبية وفنية وفلسفية، قبل أن يؤسس الاتجاه رسميا في ستينيات القرن الماضي.
شهدت الثمانينيات فترة من الجدل المحتدم حول عبادة الشيطان، والذعر بخصوص مدى انتشار ممارستها، فيما عُرف لاحقا باسم Satanic Panic، وساهم في ذلك زعم جماعات من المسيحيين الأصوليين أن "عبدة الشيطان" يرتكبون الجرائم بشكل ممنهج لدعم طقوسهم مثل جرائم القتل والتعدي على الأطفال.
الماسونية على الجهة الأخرى، هي التهمة الثانية على عريضة الاتهام الإلكترونية المصرية الموجهة للنجم الأميركي، إلا أنها تختلف عن عبادة الشيطان، فالماسونية أو بالإنجليزية Freemasonry مجتمع أو أخوية سرية، (أي أنها تخفي بعضا من طقوسها عن العامة) انتشرت إبان عصر الإمبراطورية البريطانية، ويجمع أعضائها مبدأ القَسَم، ويقدّرون بعض المفاهيم كالانضباط الأخلاقي والتعاون.
ارتبط انتشار الماسونية بعهد الإمبراطورية البريطانية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
بالرغم من أن الماسونية عادة ما تُفهم بشكل خاطئ باعتبارها تنظيما دينيا، إلا أنها ليست كذلك، إذ تقول عنها الموسوعة البريطانية إنها تعرضت لأنماط من المقاومة والمعارضة من قبل بعض المؤسسات الدينية مثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
للماسونية أعداء آخرون، يؤمنون بنظريات مؤامرة، مثل استخدامهم بعضا من الرموز التي تمثل، من وجهة نظرهم، توجهات شيطانية، فرمز العين الذي يراه أعضاء التنظيم يمثل "عين الله" التي ترى كل شيء، يراه المؤمنون بنظريات المؤامرة رمزا لعين الشيطان.
تروج نظريات المؤامرة أن الماسونية تسعى للسيطرة على العالم. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
تروّج نظريات المؤامرة كذلك لرغبة الماسونية في السيطرة على العالم، وسيطرتها الفعلية على الولايات المتحدة، معللين ذلك من بين أشياء أخرى بوجود "رمز ماسوني" على الدولار الأميركي، حسب هيئة الإذاعة البريطانية.
في نهاية قائمة الاتهامات الموجهة إلى سكوت تأتي "المركزية الأفريقية" أو الـ"أفروسنتريزم"، والتي تُعرّف حسب قاموس كولينز بأنها "الإظهار أو التركيز على الأثر الثقافي والتاريخي الذي تركه الأفارقة، أو الأميركيين من أصول أفريقية".
ويُعتقد أن الفكر المركزي الأفريقي ظهر خلال القرن الخامس عشر، في القارة الأفريقية وبين الأفارقة المشتتين في مناطق أخرى حول العالم، ووفقا لورقة بحثية بعنوان "إعادة النظر في المركزية الأفريقية.. أفريقيا في فلسفة القومية السوداء" نشرتها جامعة Duke الأميركية، فأن المركزية الأفريقية تنتمي لتقليد سياسي يعرف باسم "القومية السوداء" والتي تشكلت بهدف استعادة السيادة السوداء على الذات.
في مصر، لم تقابَل المركزية السوداء بوصفها تقليدا سياسيا، وإنما باعتبارها تهديدا للقومية المصرية، عبر نسَب الحضارة المصرية القديمة إلى أفريقيا جنوب الصحراء. تجدد الصراع الإليكتروني في مصر، شهر مايو من العام الجاري عند صدور إعلان لأحد أفلام شبكة نيتفليكس التي تظهر الملكة كليوباترا ببشرة سمراء الأمر الذي اعتبره مصريون تزييفا للتاريخ بحسب شبكة CNN.
حتى أن محامي مصري يدعى عمرو عبد السلام، أقام دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، حاول من خلالها إلزام السلطات المصرية بالتدخل لوقف بث الفيلم المثير للجدل داخل مصر، فيما اعتبر إنتاج الفيلم نمطا من أنماط الترويج لأفكار المركزية الأفريقية ويتطلب "التصدي من الدولة المصرية".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة