مجتمع
.
هاشتاغ "قاطع النور" وسم أطلقه مصريون مؤخراً للتعبير عن استيائهم من انقطاعات طويلة ومتكررة للتيار الكهربائي حول البلاد خلال فصل الصيف، وصلت في بعض المناطق لنحو 6 ساعات متواصلة بينما تشهد مصر موجة حر شديد وصلت لنحو 42 درجة مئوية في القاهرة.
تعددت التبريرات لهذه الأزمة، فالحكومة تلقي باللوم على ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال وانخفاض ضغط الغاز، والشركة المصرية القابضة للكهرباء تشير بأصابع الاتهام لتسبب صيانة المحولات نتيجة الحرارة العالية في انقطاع الكهرباء. ومصادر في وزارة الكهرباء تقول بأن نقص إمدادات الغاز للمحولات الكهربائية أدى لتوقف بعضها عن العمل بشكل مؤقت.
لكن يبقى السؤال: أليست مصر غنيةً بالغاز؟ وألم تقل الحكومة سابقاً بأنها ضاعفت القدرات الكهربائية بين أعوام 2014-2020 وأن لديها فائضا من الكهرباء؟ أين ذهبت تلك الطاقة؟ وما علاقة اليونان وقبرص والحرب الأوكرانية بالأمر؟
انقطاع الكهرباء في مصر سيستمر حتى يوم 25 يولي
رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، أعلن يوم الأربعاء الماضي أن انقطاع الكهرباء في مصر سيستمر حتى يوم 25 يوليو، بهدف تخفيف الأحمال عن محطات توليد الطاقة. المتهم الرئيسي هنا هو المكيفات وأجهزة التبريد التي تقول الحكومة إن المصريين يسرفون من استخدامها في فصل الصيف، حينما تصل الحرارة لأرقام عالية.
وزارة الكهرباء تشير إلى أن الأحمال الكهربائية وصلت مؤخراً لأقصى معدل استهلاك لها على مدار الأعوام الماضية، وهو 34650 ميغاوات في وقت الذروة.
لتبسيط هذا الرقم، تخيل أن جهاز التكييف بحجم 2 طن يستهلك تقريباً ما بين 0,96 كيلو واط و1,7 كيلو واط من الكهرباء في الساعة، بينما تستخدم بعض الثلاجات نحو 1 كيلو واط في الساعة. هذا يعني أن الحمولة المذكورة تكفي لتشغيل 20-36 مليون مكيف كهربائي كبير في آن واحد على أدنى درجة، أو 34 مليون ثلاجة عائلية (يوجد في مصر نحو 22 مليون أسرة).
تقول شركة الكهرباء المصرية إن هناك فائض في الكهرباء المنتجة بنحو 10,250 ميغا واط بالإضافة لاحتياطي كهربائي بلغ 9800 ميغا واط. لكن الشركة تضيف أن محطتي طاقة بمحولات بجهد 220 كيلو فولت توقفتا عن العمل لثلاث ساعات الأسبوع الجاري ما أدى لانقطاع الكهرباء.
أرقام الفائض والاحتياط الكهربائي التي أعلنتها شركة الكهرباء المصرية متوافقة تقريباً مع القدرات الاسمية للطاقة التي أعلنت عنها الحكومة المصرية في منتصف عام 2020 والتي بلغت في حينها 59,500 ميغا واط، وكان الاستهلاك الكهربائي للمصريين حينها في حدود 31 ألف ميغا واط في ذلك العام. وفي عام 2019، بلغ فائض الكهرباء التي أعلنت عنه الجهات الرسمية المصرية أكثر من 28 ألف ميغا واط.
لذلك، يكون التساؤل هنا: أين ذهبت نحو 20 ألف ميغا واط فائضة واحتياطية تكفي لتشغيل 20 مليون ثلاجة إضافية؟ الإجابة على هذا السؤال قد تكمن في خارج مصر.
أين ذهبت نحو 20 ألف ميغا واط فائضة
في نهاية عام 2022، انتهت الحكومة المصرية من تشييد خطوط كهرباء تصل ما بين محطة كهرباء البرلس الغازية بالقرب من كفر الشيخ وقرية كوفينو في جزيرة قبرص بهدف تصدير الكهرباء المصرية لأوروبا. خطوط الكهرباء تلك تأتي ضمن مشروع يوروأفريكا الذي تم تدشينه عام 2017 لإنشاء خطوط نقل طاقة عالية الجهد والتيار بشكل مباشر من مصر لقبرص ومن ثم اليونان بتكلفة في مراحله الأولى بلغت 2,5 مليار دولار، وتبلغ السعة الاستيعابية لهذه الخطوط نحو 2000 ميغا واط.
بالإضافة لخطوط يوروأفريكا، أعلنت اليونان قبل أكثر من عام خطةً لإنشاء خطوط لاستيراد الكهرباء من مصر بتمويل أوروبي بمقدار 3,5 مليار يورو، حيث تنص الخطة على إمداد كابلات جهد وتيار عالي مباشرة من وادي النطرون في مصر للشواطئ اليونانية بسعة 3000 ميغا واط. وفي شهر مايو الماضي، وقعت شركة الكهرباء المصرية المملوكة للدولة مذكرة تفاهم مع شركة سكاتيك النرويجية لتصدير الكهرباء المولدة من الطاقة النظيفة للنرويج ودول أوروبية أخرى عبر إيطاليا، وهو ما يجري حالياً دراسته.
مصر تقوم بتصدير الكهرباء لدول الجوار
مصر أيضاً تقوم بتصدير الكهرباء لدول الجوار. فالسودان، مثلاً، تستورد من مصر نحو 1000 ميغا واط من الكهرباء. وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، كان أعلن بداية شهر يوليو الحالي عزم بلاده تصدير نحو 2000 ميغا واط من الطاقة لليبيا بدلاً من 150 ميغا المصدرة حالياً، بالإضافة لرفع صادرات الكهرباء للأردن من 550 ميغا واط حالياً لنحو 1100 ميغا واط. بالإضافة لاتخاذ مصر خطوات بهدف تصدير الكهرباء للعراق. وتصدر مصر كهرباء لقطاع غزة المحاصر بنحو 50 ميغا واط، وتسعى لرفع هذا الأحمال لحوالي 100 ميغا بحسب تقارير من شهر يونيو الماضي.
مصر تنتج نحو 79% من الكهرباء من الغاز الطبيعي، بينما تعتمد على المولدات الكهرومائية من السد العالي مثلا بنحو 7% فقط في توليد الكهرباء، وتبلغ نسبة الكهرباء المنتجة من المصادر المتجددة نحو 5% بالإضافة لإنتاج 9% من الكهرباء عبر النفط.
منذ العام الماضي، تقوم الحكومة المصرية بتطبيق خطة ترشيد استهلاك للغاز المستخدم في توليد الكهرباء، حيث تهدف تلك الخطة لخفض نسبة الغاز المستخدمة في محطات الطاقة بنحو 18% بحلول عام 2035 وتصدير تلك الكمية للخارج لتوفير العملة الصعبة. أحد المحفزات الرئيسية لتلك الخطة كان الارتفاع القياسي في أسعار الغاز عالمياً بعد فرض العقوبات الغربية على قطاعي الغاز والنفط الروسي ومعاناة القارة الأوروبية من نقص حاد في مصادر الطاقة تلك المستخدمة في التدفئة وتشغيل المصانع وتوليد الكهرباء.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة