مجتمع

التغير المناخي في العراق.. عين على المائدة وأخرى على التركيبة الاجتماعية

نشر

.

Muhammad Shehada

إذا سمعت اسم العراق، فأحد الأمور التي قد تخطر ببالك هي نهري دجلة والفرات الشهيرين. لكن هذا البلد المعروف تاريخياً بأنهاره هو خامس أكثر البلدان عالمياً تضرراً بالتغير المناخي، بل ويتوقع العلماء أن لا يبقى في بلاد الرافدين سوى أقل من خُمس ثرواتها المائية بحلول العام 2050.

الجفاف الشديد الذي تعانيه البلاد الآن يعني ندرة المحاصيل الزراعية وارتفاع الفقر في المناطق القروية والنائية، وهو ما يدفع سكان هذه المناطق للتفكير في النزوح داخلياً للمدن الكبرى بحثاً عن سبل العيش الكريم وهروباً من الحر والعطش والجوع. لكن ما أثر موجات الهجرة الداخلية تلك على التركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق؟

تغير المناخ والسدود

عام 2019، اكتشف طاقم من العلماء الألمان والأكراد قصراً عمره 3400 سنة يعود لمملكة ميتاني التاريخية في الهلال الخصيب. الخبر أثار نوعاً من التشاؤم حينها، والسبب هو أن القصر كان مدفوناً طيلة السنين الماضية تحت مياه نهر دجلة، بالقرب من سد الموصل. لذلك، يعتبر اكتشاف القصر علامة على انحسار تاريخي في منسوب المياه الواصلة للعراق، ما ينذر بتداعيات اقتصادية كبيرة.

نحو 92٪ من الأراضي العراقية مهددة بالتصحر والجفاف الشديد بسبب التغير المناخي، بينما تزداد درجات الحرارة في الأراضي العراقية بنحو سبع مرات أسرع من متوسط الحرارة العالمي بحسب وكالة دويتشة فيلة الألمانية.

ما يفاقم من هذه المشاكل هو بناء إيران لسدي سردشت وداريان وبناء تركيا لسد إليسو على منابع نهري دجلة والفرات لتوليد الطاقة وتخزين الماء، وهو ما يزيد من مشاكل الجفاف وندرة المياه في العراق.

الظروف البيئية القاسية المتزايدة في بلد الرافدين تجعل الزراعة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، وتؤدي إلى هجرة العائلات من القرى والمناطق الزراعية الجافة، خاصة في وسط وجنوب العراق إلى المدن العراقية الكبرى مثل بغداد والبصرة بحثًا عن العمل وفرص أفضل في الحياة.

الهجرات الجماعية بسبب التغير المناخي

لعقود، كان سهل نينوى مثلاً موقعاً خصبا لزراعة القمح إلى أن تم اعتباره مصدر مائدة الفطور للعراق، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، لكن عام 2021، لم يتعدَ إنتاج القمح في الإقليم 10% مما تم انتاجه في العام السابق. القصة نفسها تكررت في محافظة الديوانية في العراق، وهو ما دفع بالكثير من العائلات نحو الفقر واليأس.

ندرة المياه تعتبر أحد أهم العقبات لتحقيق السلام والاستقرار داخلياً في العراق، وفقاً لمركز أديلفي البحثي في برلين المعني بمجال التنمية والتغير المناخي. فما يترتب على انخفاض منسوب المياه المتاحة وارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية من انخفاض في المحاصيل الزراعية وانتشار للفقر والبطالة يساهم في نشر نفوذ الجماعات المسلحة في تلك المناطق واستقطاب الشباب المحبط والعاطل عن العمل لأوساطهم.

هذا بالإضافة لنزوح أرقام كبيرة من سكان تلك المناطق نحو المدن. ففي الأعوام 2018-2023، تقدر منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن نحو 83 ألف عراقي تهجروا من بيوتهم بسبب التغير المناخي كسبب مباشر ورئيسي في نزوحهم لمدن أخرى داخل البلاد. هذا بالإضافة للآلاف الأخرى ممن يهاجرون من القرى النائية للمدن بسبب ضعف أو انعدام فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية.

الاختلافات الثقافية أحد المشاكل

مرامة حبيب شابة عراقية أصلها من قرية صغيرة بالقرب من كربلاء لكنها تعيش الآن في منطقة الكرادة في بغداد منذ فترة طويلة. نتقل دويتشة فيلة عن مرام أن القرويين القادمين لبغداد يختلفون في ثقافتهم وعاداتهم بشكل كبير عن أهل العاصمة. فهم يميلون للطباع المحافظة والتدين. مثلا، ترتدي نساء القرى ملابس واسعة فضفاضة ويغطين رؤوسهن، بينما سيدات بغداد يملن لارتداء ملابس قريبة أكثر للطراز الأوروبي، بقمصان وبناطيل مع الحجاب أو بدونه. وفي قرية مرامة، ليس من المقبول أن يجلس الغرباء بجوار بيوت الناس للتسكع أو يتكئ بعضهم على أسوار تلك البيوت أثناء الدردشة، بينما الأمر يلاقي قبولاً أكثر في المدن.

هذا تبسيط للمسألة وعرض لفروقات ثقافية عامة بين المدينة والقرية في العراق. لكن تلك الاختلافات وإن كانت طفيفة، إلا أنها في بعض الأحيان قد تتطور لأبعاد أكبر قد تصل لمستوى وطني.

مدينة الصدر في أحد ضواحي بغداد قد تعد مثالا لمدى تأثير تلك الفروقات الثقافية. فقد تم بناء تلك المنطقة في خمسينات القرن الماضي لاستيعاب العراقيين القادمين من الريف الذين فروا من الجفاف والفقر، بمرور الوقت، تحولت مدينة الصدر لمعقل رئيسي للمقاومة لدعم الشيوعيين والقوميين ولاحقاً المسلمين الشيعة، ما ساهم إلى حد ما في تغيير التوازنات السياسية في البلاد، بحسب البروفسورة هوما جوبتا من جامعة MIT الأميركية.

القادمون الجدد يعانون

أهل المدن الرئيسية كسكان بغداد الذين ولدوا وترعرعوا فيها لديهم شبكات علاقات اجتماعية ومعرفة جيدة بتلك المدن بالمقارنة بالنازحين الجدد من المناطق الريفية، الذين يضطر معظمهم للعيش في أكواخ بدائية أو عشوائيات على أطراف تلك المدن. وبينما يعمل سكان المدن الكبرى عادة في الوظائف الحكومية، يعمل النازحون في مهن القطاع غير الرسمي كالتجارة الصغيرة أو في البناء وورش العمل وفقاً لما نقلته دويتشة فيلة عن المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية.

ويضيف المتحدث بأن النازحين الجدد يعانون أيضاً من صعوبة الوصول للخدمات الاجتماعية الحكومية المستنزفة مسبقاً كالرعاية الصحية والتعليم، أو أنظمة الصرف الصحي ومياه الشرب النظيفة. وكل تلك الضغوط الحياتية قد تجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات النفسية أو الإدمان.

الكراهية بين الريف والحضر

أحد تبعات الفقر والتهميش الذي يعانيه النازح من القرى الريفية للمدن العراقية الكبرى هو خلق صور نمطية لدى البعض من سكان المدن تربط بين القادمين الجدد والجريمة أو العنف أو المعتقدات السياسية المتشددة، حيث يقول البعض إن الريفيين يجلبون معهم الصراعات القبلية للمدينة، بينما يستغل بعض السياسيين المحليين تلك الفروقات والمشاعر السلبية في استخدام الناس القادمة من الريف ككبش فداء لاستخدامهم كفزاعة لإخافة الناخبين.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة