مجتمع
.
جلس الشاب ليث عربيد، 18 عاما، في سيارة مع اثنين من إخوته في مدينة كفر قرع في داخل الخط الأخضر، عندما تعرضت سيارتهم بشكل مفاجئ لوابل من الرصاص الحي أودى بحياة الشاب وإصابة إخوته الذين نقلا لمركز هليل يافا الطبي في مدينة الخضيرة، مطلع هذا الأسبوع.
دقائق مرت، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الضحية الراحل، وصور السيارة المحطمة من إطلاق النار وارتطامها بعمود حديدي. ثم صرح خالد حجيرات رئيس السلطة المحلية في قرية بير المكسور الشمالية بالقرب من الناصرة بأن رئيس الوزراء نتنياهو ووزرائه "يجب أن ينتقلوا من الأقوال إلى الأفعال" بحسب صحيفة هآرتس العبرية.
في نظر فلسطينيي الداخل أو عرب ٤٨، فإن هذا المشهد أصبح أمرا روتينيا معتادا، فليث هو الضحية رقم 138 هذا العام لجرائم القتل في الأوساط العربية داخل الخط الأخضر. في كل مرة تتكرر الأحداث نفسها، بحسب الكاتب الفلسطيني-الإسرائيلي أمجد عراقي، كانتشار صور الضحية الجديدة على مواقع التواصل بشكل أسبوعي، ومن ثم تنظيم مظاهرات احتجاجية صغيرة أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمناداة بالانتقال من الأقوال للأفعال، ومطالبة مسؤولين حكوميين لاستخدام عناصر أمن أكثر لمحاربة جرائم القتل وسحب الأسلحة من الشوارع. لكن في كل مرة، لا يحدث أي شيء حقيقي حيال الأمر، بينما "البنادق تنتشر والجثث تتراكم".
فما سبب تلك الأزمة؟ وما الذي يمكن فعله حيال الأمر؟
أرقام قياسية دموية سجلها شهر يوليو بحسب صحيفة هآرتس العبرية خاصة لمواطني إسرائيل من الفلسطينيين. فمن 33 جريمة قتل وقعت خلال الشهر الماضي، كان 28 من الضحايا فلسطينيين. شهر يوليو حصد لقب الأكثر فتكاً بالعرب في إسرائيل بعد أن كان شهر يونيو الماضي هو صاحب اللقب بنحو 25 جريمة قتل، بينما في شهر مايو وقعت 24 جريمة قتل.
هذه الأرقام تخيف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، الذين يرون بأن انعدام الأمن هو أبرز مشاكلهم. خاصة مع تسجيل الأشهر السبع الأولى من العام الجاري أكثر من ضعف جرائم القتل في نفس المدة من العام الماضي، بواقع 138 جريمة قتل في 2023 مقابل 64 جريمة قتل في الشهور السبعة الأولى من 2022.
معدل جرائم القتل المرتفع في الأوساط العربية يقابله تقاعس كبير من الشرطة الإسرائيلية في حل جرائم القتل تلك. فحتى اللحظة، تم حل نحو 11% فقط من جرائم القتل في الأوساط العربية، مقابل حل أكثر من 60% من جرائم القتل في الأوساط اليهودية في إسرائيل.
تشرح الصحيفة العبرية أن وزير الأمن اليميني المتشدد إيتمار بن غفير والمكلف بملف محاربة هذه الجرائم يبدو أنه لا يلقي لها بالاً. فمن عشرات التغريدات التي نشرها على مدار الشهر الماضي الأكثر دموية لعرب الداخل، لم يذكر الوزير ضحايا جرائم القتل ولا مرة.
ضباط الشرطة الإسرائيلية في المنطقة الشمالية يقولون إن الزيادة في جرائم القتل في منطقتهم نابعة عن تصاعد الحرب الدائرة منذ 18 شهرا بين منظمتين إجراميتين هما عصابة بكري وعصابة الحريري للسيطرة على مناطق وادي عارة والمثلث. بحسب الشرطة فإن عصابة الحريري تسيطر على مناطق أم الفحم والمثلث، فيما يسيطر البكري على منطقة الناصرة، وتقوم كل من تلك العصابتين بتنفيذ اغتيالات في صفوف الأخرى، ما يرفع من عدد جرائم القتل.
العصابتان لهما شهرة كبيرة في إسرائيل ونفوذ وسطوة كبيرة. فعلى الرغم من إعلان وزير الامن الإسرائيلي آنذاك عمير بارليف اعتقال وتوجيه التهم لثمانية من قيادات عصابة الحريري، بالإضافة لرئيس العصابة في بداية العام الماضي، إلا أن بارليف أقر لاحقاً بقدرة تلك العصابة على تنفيذ وتوجيه هجمات حتى من داخل السجن.
الشرطة الإسرائيلية تعزو أزمة جرائم القتل المتصاعدة في الأوساط العربية إلى انشغال ضباط الشرطة بالاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي لحكومة بنيامين نتنياهو، حيث تقول الشرطة بأن تلك الاحتجاجات تستحوذ على معظم اهتمام المنظومة الأمنية.
وتنقل صحيفة هآرتس عن مفوض الشرطة العام كوبي شبيتاي قوله في شهر إبريل "لسوء الحظ، وجدنا أنفسنا أولاً في حالة أمنية فيما يتعلق بعدد الحوادث الإرهابية، ثم وجدنا أنفسنا في حالة اضطراب في وضع السلم الداخلي. ففي منتصف كل أسبوع، يوم الاثنين والخميس والسبت، كانت القوة بأكملها، بما في ذلك موظفي المقر الرئيسي، يخرجون إلى الشوارع للسماح بالاحتجاجات".
تشهد إسرائيل موجات من التظاهرات غير المسبوقة. (المصدر: وكالة فرانس برس)
تضيف الصحيفة بأنه في اجتماعات مغلقة، يلقي الضباط الإسرائيليون باللوم بشكل صريح ومباشر على تحويل رجال الشرطة لتأمين الاحتجاجات في مسألة ارتفاع عدد جرائم القتل.
لكن الصحيفة الإسرائيلية الليبرالية تقول إن البيانات تناقض ادعاءات ضباط الشرطة تلك. فنحو 50 من جرائم القتل هذا العام حدثت في المنطقة الشمالية التي لم تخرج فيها احتجاجات جماعية كبيرة، حيث إن كبرى المظاهرات الجماهيرية هي في منطقة تل أبيب. وتنقل هآرتس عن عدة مصادر في الشرطة أنه نادراً ما يتم إرسال ضباط من المنطقة الشمالية للتعامل مع الاحتجاجات في المناطق الأخرى في البلاد، وأنه حتى في تلك الحالات لا يتم إرسال ضباط من الوحدات المسؤولة عن التحقيقات في القتل.
في بيان رسمي للشرطة الإسرائيلية نفت أن يكون للمظاهرات تأثير على منع جرائم القتل قائلة "أي محاولة لربط جهود الشرطة في حماية الأمن والنظام العام ونسيج الحياة السليم أثناء الاحتجاجات بمنع جرائم القتل والتعامل مع الجرائم الخطيرة في المجتمع العربي هي محاولة خاطئة ومضللة".
لكن الشرطة الإسرائيلية ألقت باللوم على الضحايا أنفسهم حيث أضاف البيان "نشدد على أن معالجة العنف في المجتمع العربي ليست مهمة الشرطة وحدها، بل التغييرات الأساسية والعميقة تأتي فقط من داخل المجتمع العربي الإسرائيلي - من حيث التعليم والثقافة والتعاون مع الشرطة وإدانة الأعراف غير المقبولة، والجهود النشطة من قبل القيادة - ستحقق التغيير المأمول".
هذا التصريح الرسمي من الشرطة، نقيض اعتقاد متواجد في الأوساط الإسرائيلية بأن أسباب الجرائم الدموية في المجتمع العربي هي ثقافة العنف والقتل والصراعات العائلية. وهو ما ظهر جلياً في تسريب لمفوض الشرطة شهر إبريل الماضي يخبر فيه بن غفير "سيدي الوزير، لا يوجد شيء يمكن القيام به. هم يقتلون بعضهم البعض. هذه هي طبيعتهم. هذه هي عقلية العرب". الكثيرون اعتبروا هذا التصريح عنصرياً ودعوا المفوض للاستقالة.
جانب من اعتصام المتظاهرين الإسرائيليين المعارضين لخطة الإصلاح القضائي. أ ف ب
في الأسبوع الماضي، كان من المفترض أن يعقد شبتاي اجتماعات ليوم كامل حول الجريمة في المجتمع العربي بحسب هآرتس، بما في ذلك زيارة لمركز شرطة كفر كنا ومناقشة مع الوحدة المركزية في المنطقة التي تتولى التحقيقات في القتل. لكن في الليلة السابقة، قام المفوض بإلغاء كل تلك الاجتماعات بذريعة الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت في وقت سابق من اليوم في القدس وتل أبيب.
المماطلة والتأجيل وعدم إيلاء الأولوية لملف جرائم القتل في الأوساط العربية داخل الخط الأخضر دفع أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب كأيمن عودة لتوجيه اللوم لنتنياهو وبن غفير واتهامهم بالتغافل وغض البصر عما يحدث. بينما تقول صحيفة +972 الإسرائيلية بأن انتشار الأسلحة في الأوساط العربية كان يحدث تحت أنظار السلطات الإسرائيلية وفي كثير من الأحيان بتعاونهم في ذلك.
بحسب ماهر خليلية، رئيس بلدية يافا الناصرة، فإن ارتفاع معدلات البطالة والحواجز الاقتصادية الأخرى التي يواجهها الشباب العربي في الداخل يساهمان في ارتفاع معدلات الجريمة. ويضيف خليلية وفقاً لما نقلته صحيفة ذا كريستيان ساينس مونيتور بأن نسبة بطالة الشباب العربي في إسرائيل تصل إلى نحو 30٪، وأن البنوك كثيرا ما تتردد في إقراضهم المال بالمقارنة بالإسرائيليين اليهود.
هذا الأمر يضطر بعضهم للحصول على قروض باهظة من السوق السوداء من الجماعات الإجرامية بحيث لا يتمكنون بعد ذلك من سدادها، أو قد ينضم بعضهم للعصابات للعمل كأفراد فيها يقومون بجمع الإتاوات من أصحاب المحلات وإطلاق النار وتهديد الناس.
في حين يشرح خبراء أن سبب ظهور تلك العصابات هو سياسات إسرائيل في حصر مواطنيها العرب منذ النكبة في تجمعات ضيقة وحرمانهم من حقوق متساوية مع المواطنين اليهود. الاختناق والتزاحم في التجمعات العربية المحاصرة يؤديان بالتبعية إلى "إذكاء احتكاكات متزايدة داخل العائلات وفيما بينها، حيث كانوا يتدافعون للحصول على مساحات لبناء منازلهم وسبل عيشهم."
وفي تقرير حديث انتجته جمعية بلدنا وجامعة كوفنتري، أوضح الباحثون أن العديد من المواطنين الإسرائيليين- الفلسطينيين في الخط الأخضر، وخاصة الشباب منهم، ينجذبون إلى الأسلحة النارية والجريمة بحثاً عن تحسين وضعهم الاجتماعي وفرصهم المالية والحماية الجسدية في بيئة لا يمكن فيها توفر هذه الاحتياجات.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة